Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 12, 2017
A A A
الأفكار تكشف كواليس معركة جرود عرسال
الكاتب: الأفكار

قيل الكثير في معركة جرود عرسال. كلام تأرجح على حبل النقيض بين مؤيد للمعركة وبين معترض. في الخيار الأول خرج أصحاب هذا الرأي بنتيجة وحيدة هي ان الحدود اللبنانية الشرقية، أصبحت آمنة من إرهاب جبهة النصرة ولم يتبقَ سوى نقاط لتنظيم داعش سوف يتكفّل الجيش بها وعندها ينتهي الأمر. أما في الخيار الثاني، فقد استنكر أصحاب هذا الخيار عدم خوض الجيش لهذه المعركة، تاركاً الأمرة فيها لحزب الله الذي نجح بدوره في توجيه ضربة لجبهة النصرة افضت إلى إخراجهم من كل الاراضي اللبنانية.

تهديدات سنوات نُفذت ذات فجر
منذ وطأت جبهة النصرة وتنظيمات وحركات سورية مسلحة أخرى، الاراضي اللبنانية من ناحية السلسلة الشرقية واتخذت من الجرود نقطة تمركز لها ومحطة انطلاق لتنفيذ عمليات ارهابية بحق اللبنانيين من خطف واسر وقتل لمدنيين وعسكريين، وهناك تهديدات سرية وفي العلن كانت تُوّجه لهذه الجماعات سواء من الدولة أو حزب الله تقوم على تحذيرات بتوجيه ضربة لها من شأنها ان تُنهي كافة أنواع وجودها على الاراضي اللبنانية وبشكل كامل، حتى أن تهديدات أيضاً كانت دعت إلى الاقتصاص من كل فرد أو مجموعة لبنانية تعاونت مع هؤلاء المسلحين على رأسهم رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري، والشيخ مصطفى الحجيري المعروف بأبو طاقية. لكن أي هذه التحذيرات لم تكن تأخذ طريقها نحو التنفيذ، ليظل الكلام في محله ومن دون ان يهز للإرهابيين رمشة عين لا هلعاً ولا خوفاً، بل العكس فقد ظل الارهابيون على حالهم وازدادت قوتهم كما ازداد الدعم العسكري والمادي لهم، مقابل سكوت الدولة وغض بصرها عن كل ما كان يجري في الجرود، تحت وطأة ضغط وحيد عنوانه العسكريون المخطوفون.

ومن دون القاء اللوم على الدولة اللبنانية وحدها التي كانت تقف عاجزة لا حول لها ولا قوّة، راح حزب الله يُطلق بدوره تهديدات امتدت من فصل إلى آخر ومن سنة الى أخرى، فكانت أغلب العناوين أو التحذيرات التي كان يوجهها للإرهابيين، يتكل فيها على الفصول وحالات الطقس وطبيعة الجرد، فمرة كان يُشيع عبر الاعلام بأنه ينتظر فصل الشتاء المقبل ليوجه لهؤلاء ضربة كونهم لن يحتملوا الصقيع في الجرود، ومرات يُعلن انتظار فصل الصيف نظراً لارتفاع درجات الحرارة في الجرود والتي كانت تتخطى في الكثير من الاحيان، الخمسين درجة. وبين الشتاء والصيف، كثيراً ما روّج الحزب بين اللبنانيين عن اقتراب ساعة الحسم وبأن الأمر متعلق فقط بقرار من القيادة العسكرية التي أكدت اكثر من مرة، استعداد عناصرها لاطلاق المرحلة الاولى. وهنا يأتي بيت القصيد للقول إن كل تلك المواعيد والتهديدات والحملات الاعلامية، تم تنفيذها بقرار من حزب الله حدد ساعة الصفر فجر يوم الجمعة الذي انطلقت فيه عملية تحرير الجرود.

هذا ما جرى يوم اتخاذ القرار
قبل اسبوعين من تحديد موعد انطلاق عملية تحرير الجرود من داخل غرفة حزب الله العسكرية، كانت هناك عمليات استمهال يتم تدارسها على مستوى عال داخل قيادة الحزب، وقد تأرجحت القرارات بين مؤيد بالمطلق للموعد الذي تقرره القيادة العسكرية، وبين من يرى ان هذه الحرب قد تفتح على المقاومة ابواباً هي في غنىّ عنها خصوصاً لجهة طبيعة بلدة عرسال والبعد المذهبي الذي تحمله، وخوفاً من ان هناك من سيعمل بكل تأكيد على تسعير هذه الحملة خصوصاً في حال سقوط ضحايا مدنيين قد تعمد المجموعات الارهابية الى استهدافهم لتقليب الرأي العام على حزب الله. ومن هذا المنطلق، قامت قيادة الحزب السياسية بفتح حوارات ونقاشات مع عدد كبير من اركان الحكومة ولقاءات مباشرة وغير مباشرة، شرح فيها هؤلاء وجهة نظرهم بضرورة انهاء ملف الارهاب في جرود عرسال، إلى أن كان هناك شبه اجماع سياسي في البلد خصوصاً من الرئاسة الأولى بشخص الرئيس العماد ميشال عون، ومن الحكومة وأيضاً بشخص الرئيس سعد الحريري، وهذا ايضاً موثّق في كلام المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

قبل يوم من موعد انطلاق المعركة، دخلت اسرائيل على الخط حيث تواصل عدد من ضباطها الامنيين مع قيادات رفيعة من النصرة كانت على تواصل دائم مع زعيمهم أسامة العبسي الواحدي المعروف بأبو محمد الجولاني، حيث تم ابلاغهم بتحرك ما للحزب في الجرود وتنبيههم أنه قد يكون تمهيداً لتوجيه ضربة حاسمة للنصرة. وطالب الاسرائيليون النصرة خلال اللقاء، بالصمود ليوم او يومين على ابعد تقدير في أرض المعركة، وعندها ستقوم الطائرات الاسرائيلية بتوجيه ضربة نوعية للمواقع التي انتشر عليها الحزب في جرود عرسال وخصوصاً مدافعه ونقاط صواريخه الموجهة باتجاه مراكز النصرة، وقد حصلت النصرة على وعد من الاسرائيلي بتنفيذ هذه الغارات، يُمكنها من استعادة زمام المبادرة في الجرود وتكثيف انتشارها حتى داخل بلدة عرسال كرد على محاولة حزب الله هذه مع توجيه تحذيرات للدولة اللبنانية في حال تكرار العملية مرة أخرى.

تقول المعلومات إن أمن المقاومة رصد هذا اللقاء القرارات التي نتجت عنه، عندها طلب مسؤول لجنة التنسيق والارتباط بالحزب وفيق صفا، لقاءً عاجلاً مع السفير الألماني في لبنان حيث وضعه في الصورة وفي أجواء التحركات التي يزمع الاسرائيلي القيام بها ضد الحزب، وأبلغه بأن أي تحرك من هذا النوع، لن يقتصر الرد فيه في الجرود او في الداخل السوري، بل سيطال كل مكان لاسرائيل توجد فيه سواء داخل اسرائيل او خارجها، مؤكداً له أن الرد هذه المرة سوف يكون مزلزلاً وستُفتح خلاله جبهات عسكرية وأمنية، سيكون من الصعب اغلاقها. هذا التحذير حمله السفير الألماني الى وزارة خارجية بلاده التي سارعت على الفور إلى ابلاغ وزارة الخارجية الاسرائيلية وتحميلها بالتالي مسؤولية أي عمل يمكن أن تقوم فيه اسرائيل ضد مواقع حزب الله في جرود عرسال. بعد أقل من ساعة، أبلغت الوزارة الخارجية الاسرائيلية، نظيرتها الألمانية، أن بلادها لن تقوم بأي عمل ضد الحزب لكن مع ضمانات بعدم اشعال الوضع في القنيطرة السورية خصوصاً عند الحدود الاسرائيلية – السورية، إلا أن حزب الله وبحسب مسؤولين فيه، لم يُقدم أي من هذه الضمانات وظل على خياره العسكري الرامي إلى إخراج النصرة حتى أخر عنصر منها، من جرود عرسال سواء بضربة عسكرية، او من خلال المفاوضات.

تصعيد أبو مالك التلي قابله حزب الله بخوف
من المعروف أن عملية التفاوض بين حزب الله وأبو مالك التلي امير النصرة في القلمون، كادت ان تصل إلى طريق مسدود وذلك قبل ساعات قليلة من الموعد المُحدد لخروج عناصرها من آخر معاقلهم في مخيمي وادي حميد والملاهي. في الوقت الاخير، حاول التلي تحقيق مكاسب اضافية على الصفقة الموقعة بينه وبين الحزب والتي تقضي بخروج جماعته مع آلاف المدنيين النازحين باتجاه إدلب، مقابل الافراج عن ثمانية عناصر للحزب ثلاثة منهم كانوا وقعوا في الأسر قبل يوم من اطلاق المفاوضات. التلي حاول أن يُضيف إلى لائحة المُفرجين عنهم لدى الدولة اللبنانية، أسماء جديدة قابلتها الدولة بالرفض التام، ثم لجأ إلى حيلة أخرى حين طلب بإخراج مجموعة من المطلوبين من داخل مخيم عين الحلوة، على رأسهم الارهابي المطلوب شادي المولوي، وقد جوبه هذا الطلب بالرفض المُطلق من الدولة، حتى أن اللواء ابراهيم انذر التلي بأن الساعة الثانية عشر ليلاً، سوف تنتهي عملية التفاوض، وأن الأمور سوف تعود إلى نقطة الصفر.

لكن على ضفّة حزب الله، ماذا كان يجري؟ تقول المعلومات إن الحزب أبلغ اللواء ابراهيم بأنه سوف ينسف عملية التفاوض من اساسها في حال تمادى التلي بالمراوغة واللعب على موضوع كسب الوقت من اجل تحقيق بعض المكاسب. وقد لاقى حزب الله دعماً في قراره هذا، من عائلات بعض الاسرى المُحتجزين لدى النصرة، حيث عُلم بأن عائلتين على الأقل، طلبتا من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، اعتبار ولديهما شهيدين وأن لا يرضخ لمطالب التلي، وكذلك حصل نصر الله على تفويض من عائلات كانوا ينتظرون عودة أجساد أبنائهم الذين سقطوا في معركة الجرود وقبلها. وهنا تؤكد المعلومات أن حزب الله وبعد ابلاغه التلي بموقفه النهائي الرافض لأي عملية ابتزاز، أنذره بأنه سوف يدخل بعد ساعات إلى معقله في وادي حميد وسوف يُعيد اسراه سواء كانوا أحياء، أم أمواتاً. لكن أكثر ما كان يخشاه الحزب او يخافه في هذا الموضوع بالتحديد، هو أن تقوم النصرة خلال اقتحامه لمخيمي وادي حميد والملاهي، بقتل عدد من المدنيين من نساء وأطفال ثم الترويج للرأي العام بأن حزب الله ارتكب مجزرة بحق هؤلاء، وعندها يكون الحزب قد ضيّع كل الإنجازات التي كان حقّقها حتى ذلك الوقت.

الجيش بين المهمات والمسؤوليات
أما بالنسبة إلى الجيش، فمنذ أسر العسكريين اللبنانيين في عرسال وما تبعه من احتلال لبعض المساحات الحدودية، وما رافقه من عمليات قتل وأسر وإرسال سيارات مفخخة إلى الداخل اللبناني وإعلان وجود علني للجماعات المسلحة في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك، راح الجيش يبني تحضيراته العسكرية واللوجستية ويعزز أمكنة إنتشاره عند الحدود ضمن الإمكانيات المتاحة نسبياً وتثبيت مواقع له بعد خسارته بعضها خلال معارك كان خاضها مع تلك الجماعات، ليصبح اليوم على ما هو عليه من جهوزية تامة تمكنه من خوض اي مواجهة تفرض عليه وحماية المدنيين والبلدات المهددة بأمنها، بالإضافة إلى تحصين أماكن وجوده وجعلها عصية على الانهيار تحت أي من الظروف.

واليوم تُسيّر دوريات الجيش بشكل مستمر بحثاً عن أي مطلوب أو عملية تفخيخ عند اطراف البلدة. أوامر صارمة للضباط والعناصر، بعدم التساهل مع أي محاولة للاخلال بأمن البلدة سواء من سكان أو نازحين. العراسلة بدورهم مطمئنون لوجود الجيش بينهم ويؤكدون على عمق العلاقة التي تجمعهم فيه ودعمهم اللا محدود له بكل الخيارات التي يقوم بها والتي تصب في مصلحتهم ومصلحة بلدتهم بشكل أساسي. كما وينتظرون منه، إنهاء الوضع الشاذ في جرود رأس بعلبك والقاع، تمهيداً لنشر قواته عند الحدود وممارسة دوره وفرض سيطرته على كافة المعابر الحدودية. وفي انتظار ما سوف تُفضي اليه معركة جرود رأس بعلبك والقاع والتي قد بدأت في ظاهرها، ثمة خوف كبير على مصير العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش، حيث يخشى أهاليهم على مصير أبنائهم خصوصاً في حال حوصر الارهابيون في الجرود وبالتالي لجوئهم الى تنفيذ اعدامات كما حصل في السابق.

مفاجآت في كهوف النصرة
وحدها تحصينات جبهة النصرة في جرود عرسال، تشهد على عمق الأزمة التي كان يواجهها لبنان. تحصينات وكهوف وأنفاق، تُشبه إلى حد كبير تلك التي أنشأها تنظيم القاعدة في أفغانستان وتحديداً في تورا بورا أو التي تُستخدم اليوم في الداخل السوري. هندسة في بناء الدشم وسرعة في حفر الخناق وايضاً في طريقة توزيع الغرف تحت الأرض. سجون اعتقالات ومطابخ وغرف اجتماعات وأخرى للنوم ومؤن غذائية تكفي لشهور طويلة. ولم يغب عن بال قادة النصرة وعناصرها على الرغم من الاوضاع الصعبة التي كانوا يمرون بها، حياة المتعة، اذ كان باستطاعة أياً منهم، المجيء بزوجته من مخيمي وادي حميد او الملاهي، لقضاء بعض الوقت معهن، وتشهد على هذه الأمور، بعض الحاجيات النسائية التي ضُبطت في كهوف النصرة بعد انسحابهم، حتى إنه ولحظة وصول عناصر حزب الله إلى مقر ابو مالك التلي، كان هناك طعام ما يزال ساخناً، ومنهم من سرّب بأن ثمة بيتاً يقع عند اطراف عرسال، كانت تقوم الزوجة بتحضير هذا الطعام وطهوه، ثم يقوم زوجها أو ابنها بارساله إلى المسلحين، وطبعاً لقاء بدل مادي.

اعترافات قيادي في داعش
تكشف الافكار اعترافات لموقوف من تنظيم داعش لدى احدى المؤسسات الأمنية في لبنان، كان لاعترافاته خطوة مهمة على طريق كشف هذه الجماعات من نواح عديدة وتحديداً في الشق المتعلق بصعوبة العيش في جرود القاع ورأس بعلبك، خصوصاً بعد ان أغلقت في وجههم الممرات التي كانت توصلهم بالبادية السورية ريف حمص. يقول القيادي: كنا بين الحين والآخر نقوم بعمليات أمنية نوعية أو فتح معركة مع النصرة ليس للسيطرة على مواقعهم بل للحصول على المأكل والمشرب، فهؤلاء لم ينقطعوا يوماً من الطعام ولا من الماء واحياناً كثيرة كانت تقع بين ايدينا مغانم غير الاسلحة، عبارة عن معلبات وعلب شوكولا وصناديق عصائر على انواعها. وايضاً كانت تصلهم الابقار والماعز عن طريق الجرود من خلال الرعيان في المنطقة، لكن كل شيء طبعاً بثمنه.
ويكشف القيادي الداعشي أنهم ومن خلال بعض رجالهم، كانوا يبتاعون من النصرة في بعض الاحيان، مياهاً وبنزيناً ومازوتاً ومآكل، لكن بأسعار خيالية لدرجة ان صندوق المياه كنا نشتريه بمبلغ يفوق المئتين دولار، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بقية المستلزمات التي كنا نشتريها من النصرة. ويختم بحسب اعترافاته: فقط لهذه الاسباب كنا نشن عليهم غارات ونفتح جبهات معارك على الرغم من معرفتنا مسبقاً، بصعوبة تحركاتنا كوننا كنا نواجه ايضاً مدفعية الجيش التي كانت تُصعّب من طبيعة تحركاتنا وغالباً ما كانت تقتل وتجرح منا العشرات، وفي أكثر من مرة كنا نضطر لترك قتلانا وجرحانا في ارض المعركة لنعود لاحقاً اثناء الليل لنسحبهم باتجاه جرود القاع ورأس بعلبك.