Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر June 19, 2022
A A A
أزمة اكتئاب وقلق عالمية فاقمتها كورونا والأزمة الاقتصادية.. كيف تساعد التكنولوجيا في التخلص منها؟
الكاتب: عربي بوست

تحولت التكنولوجيا إلى الوسيلة الأساسية لعلاج القلق والاكتئاب خلال الأسابيع الأولى من جائحة كوفيد-19 عام 2020، بالتزامن مع فرض الصين لقيودٍ أكبر على حركة مواطنيها. إذ وفرت الهواتف الذكية الدعم الضروري للمواطنين الصينيين الذين يعيشون في ظل الإغلاق، بدايةً بالاستشارات عبر الإنترنت، ووصولاً إلى المساعدة الذاتية عبر الإنترنت. وتدخلت الشبكات الاجتماعية العملاقة في البلاد، مثل WeChat وWeibo وTikTok، لتقدم للناس خدمات الصحة العقلية وتُثقِّفهم بها.

والمثير للاهتمام أكثر هو البدء في استغلال الذكاء الاصطناعي. إذ كانت منصة ويبو تُجري مسحاً للعثور على الأفراد المعرَّضين لخطر الانتحار، ثم إبلاغ المتطوعين من أجل التدخل. لكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتفتيش الشبكات الاجتماعية بحثاً عن علامات المرض العقلي هي مسألةٌ تثير تساؤلات حول الخصوصية. ومع ذلك، فقد استخدمت الصين التقنية بشكلٍ مثير للإعجاب إجمالاً من أجل إدارة عمليات تشخيص وعلاج الاكتئاب، والقلق، والتوتر.

 

أزمة قلق واكتئاب عالمية فاقمتها كورونا والأزمة الاقتصادية
بدأ الاهتمام بتقنيات الصحة العقلية في النمو قبل تفشي الجائحة. وأصبح هناك ما يتراوح بين 10,000 و20,000 تطبيق متوفر للتحميل من هذه النوعية اليوم. لكن جودتها تظل محل تساؤلات، فضلاً عن أن أخطار تحيزات الخوارزميات معروفةٌ للجميع. ولا شك أن تهديدات الخصوصية تُعتبر أمراً خطيراً، وليس داخل الصين فقط.

ومع ذلك، يقول تقرير لمجلة The Economist البريطانية، إن معاهد الصحة الوطنية الأميركية ترى أن التكنولوجيا فتحت “آفاقاً جديدة” على صعيد دعم الصحة العقلية. ويبدو من المؤكد أن الروبوتات ستلعب دوراً مهماً في تقييم حالات الصحة العقلية وعلاجها.

وتُوجد حاجةٌ عالمية هائلة للرعاية لا تجري تلبيتها بالشكل الكافي، وفقاً لما يوضحه التقرير العالمي للصحة العقلية، الذي نشرته منظمة الصحة العالمية في 17 يونيو/حزيران. إذ رسم تقرير المراجعة، الأكبر من نوعه منذ 20 عاماً، صورةً مؤسفة. حيث كان نحو مليار شخص يعيشون بحالة اضطراب في الصحة العقلية عام 2019، وأكثر أنواع تلك الحالات شيوعاً كانت القلق والاكتئاب.

ولا شك أن الجائحة، والانكماش الاقتصادي، والاستقطاب المجتمعي قد زادوا الأمور سوءاً. حيث زاد انتشار القلق والاكتئاب بنسبة 25% حول العالم خلال العام الأول من كوفيد. بينما ارتفع الإنفاق السنوي على مضادات الاكتئاب داخل بريطانيا بنسبة 66% إبان الجائحة.

 

 

كيف تساعدنا التكنولوجيا في التخلص من الاكتئاب؟
ومع ذلك لا توفر الحكومات في المتوسط سوى 2% فقط من ميزانياتها الصحية لعلاج أمراض الصحة العقلية والوقاية منها، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وحتى في حال توفير تلك الحكومات أموالاً أكبر، فسوف تصطدم بالواقع المحزن لندرة موظفي الرعاية الصحية حول العالم. إذ نعاني من نقص في ممرضي الصحة العقلية، والأخصائيين الاجتماعيين للصحة النفسية، وأطباء النفس، والاستشاريين.

ويعيش نصف سكان العالم داخل دولٍ يتوفر فيها أقل من طبيب نفسي واحد لكل 200 ألف شخص. كما أن الأطباء والممرضين العاديين يفتقرون عادةً إلى التدريب اللازم للتعرف على المرضى الذين يعانون من حالات صحة عقلية.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن هذه الأسباب هي التي دفعت بالتقنيات الرقمية سريعاً لأن تصبح جزءاً أساسياً من مجموعة أدوات الرعاية الصحية العقلية. إذ لا تتطلب الاستشارات على الإنترنت سفر المريض، مما يقلل أعباء الوقت والتكلفة بالتبعية.

ويسهل أيضاً ترتيب تلك الاستشارات بما يتوافق مع حياة الناس في العمل والمنزل. بل يمكن توفير هذا الدعم في الواقع خلال أي وقتٍ من أوقات اليوم -وحتى الساعات المظلمة بين الثانية والثالثة صباحاً، حين تبلغ معدلات الانتحار ذروتها. فضلاً عن أن إمكانية الحفاظ على سرية الهوية تُعتبر من المزايا الإضافية، بالنظر إلى الوصمة الاجتماعية التي ترتبط بطلب المساعدة النفسية.

وتُغطي شبكات الهاتف المحمول 85% من سكان العالم، لكن نصفهم لا يمتلكون اتصالاً بالإنترنت. بينما تنخفض النسبة إلى الخُمس فقط في الدول منخفضة الدخل. ومع ذلك يمكن اعتبار الأمر بمثابة فرصة، حيث سيتسنى للحكومات الساعية لمساعدة مواطنيها على صعيد الصحة العقلية أن تستفيد بخيارٍ أرخص في صورة إقراض وتمويل شراء الهواتف المحمولة.

 

 

عقبات وتساؤلات مشروعة حول هذه التقنيات
تقول “الإيكونومست” إنه لا يزال أمامنا الكثير من العمل مستقبلاً بهذا الشأن. إذ لا تزال سياسات الخصوصية والأمان بحاجةٍ لأن تكون أكثر صرامة وتحظى برقابةٍ أفضل، لأن اختراق البيانات قد يكشف عن الأفكار الخاصة لأشخاصٍ ضعفاء نفسياً. كما تشارك بعض التطبيقات معلوماتها مع المعلنين. لهذا يجب أن تعمل الحكومات والجهات التنظيمية بجهدٍ أكبر من أجل تحديد العروض الجيدة على الإنترنت، والتخلص من العروض السيئة.

لكن التساؤلات الأخلاقية الشائكة ستظل قائمةً بكثرة. إذ ربما يشخص الذكاء الاصطناعي إصابة شخصٍ ما على الإنترنت بدون إذنه، بينما لن يرغب الكثيرون في أن تخبرهم خوارزمية بأنهم يعانون من الاكتئاب. وما الذي يجب فعله في حال قررت الخوارزمية أن شخصاً ما قد يقتل نفسه؟

ومن الممكن أن يُساء استخدام مثل هذه التقنية داخل الدول الـ20 التي تُجرِّم الانتحار، لأن الأدوات الرقمية يمكنها تحديد نوايا الشخص في كثيرٍ من الأحيان. وربما تجلب الأدوات القوية معها مسؤوليات كبيرة، لكن الفوائد التي قد تعود على البشرية من استخدام التقنية في علاج مشكلات الصحة العقلية ستكون هائلة.