Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر June 28, 2022
A A A
أرقام صادمة حول المباني المتصدِّعة في لبنان… لبنانيون ومقيمون أسرى قنابل موقوتة!
الكاتب: فرح نصور - النهار

أعاد انهيار المبنى في منطقة القبة-طرابس، الذي أدّى إلى مقتل طفلة وجرح آخرين، ملفّ المباني المتصدّعة القديم والمتشعّب إلى الواجهة. ملفّ أبرز معالمه، غياب المسؤولية والإهمال في المحاسبة والمراقبة وفي استباق الكوارث. وقد ناشدت المنظمات والجمعيات المعنية بالعقارات القديمة وترميمها وسلامتها، الدولة منذ سنين طويلة، العمل على تدعيم هذه المباني أو اتخاذ الإجراء اللازم بحسب ما يتطلبه وضع كل مبنى، لعدم خسارة الأرواح، ولتجنّب تكرار مآسي انهيار المباني السكنية المتصدعة المتكرّر، من دون جدوى.

وقد قامت “جمعية شبكة سلامة المباني” بدراسات وإحصاءات لدراسة واقع المباني المهدَّدة بالسقوط في لبنان، أفضت إلى أنّه يوجد أربعة آلاف مبنى مهدَّدين بالسقوط في طرابلس الشماليّة وزحلة البقاعيّة وصيدا الجنوبيّة، وحوالي أحد عشر ألف مبنى في بيروت وضواحيها، وألف مبنى تقريباً في محافظة جبل لبنان، إذ إنّ أكثر من ستين في المئة من السكان يقطنون في مبانٍ قديمة تعود لما قبل العام 1980، وأكثرها في العاصمة، إذ إنّ 25 في المئة من مباني بيروت يزيد عمرها على 50 عاماً. وقد أُحصيت هذه الأرقام قبل انفجار المرفأ الذي زاد من أعداد هذه المباني.

وبحسب دراسات الشبكة، المذكورة في كتاب “الإيجارات بين المالك والمستأجر، إشكاليتها وأطر تطبيقها” الصادر عام 2017، أنّ هناك ما يزيد عن 16 ألف مبنى يخضع لقانون الإيجارات القديم والتي بمعظمها متهالكة نتيجة عدم قيام المالكين بالصيانة الدورية للمباني بحجة مدخول الإيجار المتدني، مقابل اعتبار المستأجرين القدامى أنّ أعمال الصيانة هي من واجبات المالكين، بغض النظر عن قيمة الإيجار المدفوع. وممّا يزيد الوضع تردّياً أنّ معظم هذه المباني هي قديمة العهد عاصت الحروب، إلى جانب ظهور إنشاءات إضافية مخالِفة. ورغم هذا الواقع، لم يقارب المشرّع قانون الإيجارات الجديد من زاوية السلامة العامة بل من زاوية مادية.

إلى ذلك، وبحسب الشبكة، يقع لبنان جغرافياً على خط زلازل، علماً أنّ معظم المباني قديمة وأُنشئت قبل إصدار مراسم السلامة العامة من ناحية الزلازل، وشهدت حروباً وتصدّعات ولم يتم صيانة معظمها. ونجد أنّ حوالي 85 في المئة من العائلات اللبنانية يسكنون أبنية شُيدت ما قبل الثمانينيات وهي بمعظمها تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير السلامة العامة ومقاومة الزلازل، كما تتضمّن بيروت وحدها 24 تجمّعاً للأحياء الفقيرة يقطنها 300 ألف نسمة لا تتمتّع هذه البقعة بالحد الأدنى من المواصفات والبنى التحتية السليمة.

كما أنّ هناك مبانٍ محدّدة يجب أن تكون أكثر متانة من غيرها في مواجهة الزلازل، كالمستشفيات ومراكز الدفاع المدني، لا سيما المدارس، بحيث تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 100 مدرسة متصدّعة في لبنان بحاجة إلى ترميم.

وقد أقامت الهيئة اللبنانية للعقارات إحصاءات ودراسات بالتعاون مع مهندسين. وبحسب رئيسة الهيئة، المحامية أنديرا الزهيري، وفي حديثها لـ”النهار”، تشير إلى أنّ حوالي 16260 مبنى هي مباني متصدّعة وآيلة للسقوط على امتداد لبنان، ومنها هناك 4000 مبنًى متصدِّع في الشمال فقط. وفي حين كان حوالي 10460 مبنى آيل للسقوط في بيروت قبل انفجار المرفأ، أُضيف إلى هذا العدد حوالي 65744 وحدة متضررة، وذلك وفق المسح الجزئي الذي أقيم حينها.

مَن يتحمّل المسؤولية؟

مسؤولية الكشف والمسح والتبليغ عن المباني المتصدّعة يقع على البلديات بشكل أساسي عندما تغيب الجهة التي تدير الكوارث والتخطيط، بحسب الزهيري. وعلى مالك المبنى الترميم. وفي حال تعذّر عليه ذلك، إذ إنّ معظم المباني قديمة ولا يستطيع أصحابها ترميمها، على البلدية ترميمها على نفقتها الخاصة مع وضع إشارة على العقار، “فأرواح الناس أهمّ من أي شيء آخر”، والآن أصبحت مواد البناء على سعر الدولار، وبات الترميم مكلفاً جدا لصاحب المبنى”.

وتلفت الزهيري إلى أنّ اللجان المختصة من المهندسين المسؤولين عن الإشراف على السلامة العامة للمباني، لم تتشكّل لنقصٍ في التمويل ويكون عمل هذه اللجان بالتنسيق مع نقابة المهندسين، ففي كل بلدية مصلحة هندسة. وبرأي الزهيري، “نقابة المهندسين هي مربط الفرس” إلى جانب عمل البلديات، في هذا الإطار.

كيف يجب التحرّك الآن؟

على البلديات القيام بدورها وواجباتها، وعلى الدولة تأمين سكن بديل عن الوحدات المهدَّدة بالسقوط، وتفعيل اللجان المتعلّقة بقوانين الإيجارات لدعم المالك لتدعيم مبانيه، كما على الدولة تكليف لجنة تُعنى بالسلامة العامة والقيام بمسحٍ ميداني دقيق ومفصَّل، تفادياً للمزيد من فقدان الأرواح، بحسب الزهيري. ولا تغفل الزهيري عن المسؤولية التي تقع على المستأجر إذا كان يعلم بأنّ المبنى الذي يستأجر الشقة فيه، هو آيل للسقوط.

ماذا عن تحرك الدولة بعد مأساة طرابلس في ملف المباني المتصدعة؟

رئيس الهيئة العليا للإغاثة، اللواء محمد خير، وفي حديث لـ “النهار”، يورد أنّ المبلغ المطلوب لتدعيم المباني القديمة لا يقل عن 50 مليون دولار، ومعظم هذه المباني هو مبانٍ مخالفة، وهذه المخالفات ليست في طرابلس فقط إنّما في جميع المناطق، لا سيما المناطق التي شهدت أحداثاً وكانت على خطوط التماس. و”لو تمّت معالجة المخالفات من الأساس ومُنعت، لتجنّبنا هذه الكوارث، فالناس لا يعرفون إن كان المبنى الذي يسكنونه يتمتّع بأساسات متينة أم لا”.

أمّا علاج هذه المشكلة، وفق خير، “فهو لدى مجلس الوزراء الذي يمتلك الملف كاملاً والحلّ لديه، وهناك أيضاً مسؤولية تقع على البلديات التي لا تقوم بواجبها، إذ على كل بلدية الكشف على المباني في منطقتها وإخلاء المباني المتصدّعة بعد تحديدها من قِبل مهندسي البلدية، من ثمّ ترميمها وتدعيمها”.

لكن ماذا عن العجز المادي لدى البلديات؟ يؤكّد خير أنّ “الكشف ليس مكلِفاً وهو من وظيفة مهندسي البلدية، وعليها رفع التقارير للجهات المعنية وملاحقتها وعدم الاكتفاء برفعها، كذلك، فإنّ لِنقابة المهندسين دورا في مراقبة المشهد العمراني في البلاد، إلى جانب التنظيم المدني الذي يعطي تراخيص البناء”.

إلى ذلك، يضمّ نقيب المهندسين في الشمال، بهاء حرب، صوته إلى صوت خير والزهيري في تأكيده على أنّ المسؤولية الأساسية في ملف المباني المتصدّعة تقع على البلديات “إذ عليها رفع التقارير إلى الوزارات والجهات المعنية”.

وعن دور نقابة المهندسين في هذا الملف، يورد حرب أنّ “لا دور للنقابة تاريخياً بالإشراف على عمران ما قبل تاريخ 1969، لكن كلّ المباني بعد هذا التاريخ تقع جزئياً تحت مسؤوليتنا لناحية الإشراف على التنفيذ فقط”.

لكن بعد مأساة طرابلس، يؤكّد حرب أنّ التنسيق جار حالياً بين النقابة والبلدية لوضع كافة جهود النقابة في الشمال بخدمة المباني المتصدعة للعمل على تدعيمها.