Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 18, 2023
A A A
90% من التظاهرات تؤيّد فلسطين: العالم أكثر كرهاً لإسرائيل
الكاتب: خضر خروبي - الأخبار

شكّل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مادة جدلية على مستوى العالم. فمشهد الاستقطاب بين «عالمَيْن»، أحدهما متضامن مع الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر، وآخر داعم لآلة الحرب الإسرائيلية المسلَّطة عليه، وإنْ أحيا لدى البعض شيئاً ممّا روّجت له الأدبيات «الليبرالية المعولمة» طويلاً على غرار مصطلحات من قَبيل «المواطن العالمي» و»الأسرة الدولية»، إلّا أنه رسّخ لدى آخرين حقيقة «الانقسام القِيَمِي» بين شرق وغرب، وشمال وجنوب، وهو انقسام شَطَرَ، من منظورهم، رواية «الحقّ»، ووزّعها مناصفةً بين الضحية والجلاد.

90% من التظاهرات حول العالم: «الحرّية لفلسطين»
من رحم هذه المفارقات، لا يبدو مستغرَباً أن تأتي إدانة الممارسات الإسرائيلية العدوانية، من أعلى المستويات الرسمية (وكذلك الشعبية) في دول مصنّفة ضمن «الجنوب العالمي»، وفي طليعتها تشيلي، التي «تجرّأ» رئيسها، غابرييل بوريتس، وسَحَب سفير بلاده من الأراضي المحتلّة تنديداً بالمجازر الإسرائيلية، وكذلك فنزويلا، إذ كان رئيسها، نيكولاس مادورو، صريحاً في وصْف ما ترتكبه إسرائيل في غزة على أنّه «إبادة جماعية». على أن المشهد في بلدان محسوبة على «الشمال العالمي»، جاء معكوساً؛ إذ إن ردّ الفعل الشعبي في شوارع الغرب، من خلال تنظيم تظاهرات في عواصم ومدن كبرى عدة، كواشنطن، وسان فرانسيسكو، ولندن، وبرلين، ودورتموند، وباريس، ومارسيليا، نجح في تغيير المعادلة، و»قلْب عاليها واطيها»، مستبقاً قادته في فعل الإدانة لإسرائيل، إلى التعبير العلني عنها.

وقد شهدت الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب على غزة، قرابة 4200 احتجاج حول العالم، نحو 90 منها مناصرة للفلسطينيين، وفق إحصاءات غربية. وفي السياق نفسه، تكشف مجلة «إيكونومِست» البريطانية، أن المنشورات المؤيّدة لفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي زادت بنحو 4 مرّات، مقارنةً بالمنشورات المؤيّدة لكيان الاحتلال، مبيّنةً أنّ نسب الدعم لكلا الطرفَين كانت متساوية، يوم 7 تشرين الأول الفائت.
وفي خضمّ هذا المشهد، استعادت بعض الأصوات الغربية، الداعمة لفلسطين، من النخب والسياسيين والمفكّرين بريقها، وفي طليعة هؤلاء، الزعيم السابق لـ»حزب العمال» البريطاني، جيريمي كوربين، المعروف بمشاركته في العديد من الفعّاليات المؤيّدة للشعب الفلسطيني، وهو أحد أبرز رعاة «حملة المقاطعة الدولية ضدّ إسرائيل» (BDS)، إلى جانب كلّ من زعيم «حركة فرنسا الأبية»، ذات الميول اليسارية، المرشّح الرئاسي في الانتخابات الأخيرة، جان لوك ميلانشون، وزعيم حركة «دينك» الهولندية المناهضة للعنصرية، توناهان كوزو، فضلاً عن وجوه برلمانية أخرى من أسكتلندا، وإيرلندا، والسويد، وإسبانيا، والولايات المتحدة.

في المقابل، لم يخلُ المشهد من مضايقات بحقّ الناشطين المتضامنين مع غزة، من جانب الحكومات الغربية. وإذا كانت مواقف كوربين تجاه القضية الفلسطينية، قد جعلته في وقت سابق عرضة لحملات سياسية وإعلامية، حتى من داخل حزبه أدّت إلى إقصائه عن زعامة الحزب، بدعوى «معاداة السامية»، فإن مواقف ميلانشون، التي رفض فيها وصف حركة «حماس» بـ»الإرهابية»، على خلفية عملية «طوفان الأقصى»، وكذلك عدد من نواب حزبه، كدانيال أوبونو التي وصفت الحركة بـ«التنظيم المقاوم»، قد أفضت إلى اتّساع رقعة التباينات داخل ائتلاف «نيوب» اليساري الذي يتزعّمه، والذي يضمّ أيضاً الاشتراكيين، والشيوعيين، و«حزب الخضر»، وأوقعته ضحيّة حملة سياسية وإعلامية شرسة ضدّه، أفضت إلى تراجع مستوى شعبيته، وفق نتائج بعض استطلاعات الرأي. هذه الحملة ضدّ ميلانشون، والمترافقة مع ترويج السلطات الأمنية الفرنسية لمزاعم عن ارتفاع عدد الهجمات المندرجة ضمن ما يُسمّى «معاداة السامية»، إلى ما فوق الألف، واكبتها حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، بفرض قيود على حرّية تنظيم الفعاليات التضامنية مع غزة، ولا سيما خلال الأيام الأولى للعدوان (قبل أن يرفعها القضاء لاحقاً)، ما أبقى عدد المشاركين في تلك الفعاليات محدوداً لأسابيع خلت، مقارنة مع التظاهرة التي دعا إلى تنظيمها رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، دعماً لإسرائيل، والتي حشدت حوالى 100 ألف متظاهر، بتسهيل ملحوظ من السلطات الفرنسية، وبمشاركة وجوه سياسية بارزة، أبرزها رئيسة الحكومة إليزابيث بورن، وزعيمة حزب «الجبهة الوطنية» مارين لوبان، إلى جانب الرئيسَين السابقين نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند. ووفقاً لتقارير أمنية، فقد تصاعدت الهجمات ضدّ المسلمين في الفترة ذاتها، ومن ضمنها اعتداء شنّه ناشطون متطرّفون محسوبون على اليمين الفرنسي، على إحدى التظاهرات المندّدة بالحرب على غزة في مدينة ليون، ما أسفر عن إصابة بعض المشاركين.

وعلى المنوال نفسه، وفي وقت ركّزت فيه الإدارة الأميركية جهودها على حماية الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة، بزعم تسجيل 832 حادثة «معادية للسامية» بين السابع من تشرين الأول، والسابع من تشرين الثاني، فقد تساهلت في القيام بتدابير موازية لحماية الجالية المسلمة في البلاد، حيث أكّد «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» (كير)، أنه تلقّى 774 شكوى وبلاغات عن جرائم كراهية ضدّ المسلمين بين السابع من أكتوبر، والـ24 منه.

ومع ذلك، فقد تركت الحرب على غزة، وما أثارته لدى الرأي العام العالمي، بخاصّة في الولايات المتحدة، وفرنسا، آثارها على المشهد السياسي في البلدَين. فعلى مستوى العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، أَظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة «أسوشيتد برس» و»مركز NORC» للبحوث، تراجُع مستوى تأييد الأميركيين لإسرائيل، إذ اعتبر 44% فقط أن الأخيرة تمثّل حليفاً للولايات المتحدة، فيما أعرب 36% منهم عن تأييدهم مدّها بالسلاح. وهذا الانحدار تعكسه أيضاً الأرقام على مستوى القاعدة الحزبية المؤيّدة للرئيس الأميركي، جو بايدن، حيث وصف 58% من أنصار «الحزب الديموقراطي»، الهجوم الإسرائيلي على غزة بـ»المبالغ فيه».
وكذلك الحال في فرنسا، التي تضمّ الجالية الإسلامية الأكبر في أوروبا، إذا وجد الرئيس ماكرون نفسه، وتحت ضغط الرأي العام الداخلي الرافض للعدوان الإسرائيلي على غزة، مضطرّاً لإعادة النظر في مواقفه. وهذه الاعتبارات الداخلية لماكرون، يوجزها مدير الأبحاث في كلية دراسات العلوم الاجتماعية العليا في باريس، ميشيل فيفيوركا، بالقول إنّه «إذا ما استمرّت الأمور على هذه الوتيرة من القلق المتصاعد في الشرق الأوسط، فإن الوضع الداخلي في فرنسا سيظلّ مروعاً كما هو الحال اليوم»، في إشارة إلى حالة الاحتقان لدى المسلمين واليهود الفرنسيين على حد سواء، مبيناً أن ماكرون «يسعى إلى الإمساك بزمام كل هذه العناصر (الإشكالية في المشهد السياسي)، علماً أن هذا ليس بالأمر السهل». وينطلق محلّلون فرنسيون من أن الحرب في غزة باتت «تَطرح تحدّيات سياسية جديدة» على ماكرون، معتبرين أن مسارعة زعيمة «الجبهة الوطنية»، مارين لوبن، إلى التعبير عن دعمها المطلَق للحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع، تأتي في إطار المزايدة على مواقف ماكرون، وخطف أصوات اليهود، وتُعدّ «خطوة ناجحة» لتعزيز حظوظها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وخصوصاً أنها تتصدّر استطلاعات الرأي بـ31%، في مقابل 23% لماكرون.