Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر December 30, 2024
A A A
9 كانون الثاني: معركة الرئاسة بين الجمود الداخلي والتأثيرات الخارجيّة
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

 

تتجه الأنظار بعد الأعياد الى الجلسة الـ 12 لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية يوم الخميس في 9 كانون الثاني 2025. ولا تزال الجلسة حتى الساعة قائمة في موعدها. وتشير المعلومات الى أنّ النصاب القانوني وهو 86 نائباً سيتأمّن فيها، لأنّ أي من الكتل النيابية لا تنوي التعطيل في المرحلة الراهنة. وفي ظلّ عدم التوافق الداخلي على إسم رئيس الجمهورية المقبل، لا يزال البعض ينتظر حصول ضغط سياسي من الخارج لإنجاز هذا الإنتخاب. إلّا أنّ الترجيحات تجد بأنّ وقت الضغط الفعلي لم يحن بعد، سيما وأنّ الجلسة تجري قبل تولّي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة في 20 كانون الثاني، وقبل انتهاء فترة الـ 60 يوماً التي أعطاها اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و”إسرائيل” في 27 منه.

 

مصادر سياسية مطّلعة تحدّثت عن أنّ ثمة معطيات كثيرة لا يزال يحتاجها لبنان، لإنجاح جلسة 9 كانون الثاني المرتقبة، ولخروج الدخان الأبيض من البرلمان خلالها، أبرزها:

1- التوافق السياسي الداخلي: فمن أبرز العوامل التي تعيق اليوم انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، هو غياب التوافق بين القوى السياسية الكبرى حتى الآن. ورغم الحديث عن غربلة أسماء المرشّحين، لم تتمكن الأطراف السياسية حتى الساعة من الاتفاق على اسم الرئيس المقبل، وسط الصراع المستمر بين القوى السياسية على مرشح أو خطة سياسية قادرة على تحريك الجمود. فالثنائي الشيعي لا يزال يدعم مرشّحه رئيس “تيّار المرده” الوزير السابق سليمان فرنجيه، رغم كلّ ما حصل، في حين يقف فريق المعارضة ضدّ هذا الخيار، من دون أن يتمكّن من الإتفاق على إسم مرشّح معيّن، رغم كلام بعض القوى عن دعمها لقائد الجيش العماد جوزف عون، رغم الحاجة الى تعديل الدستور لانتخابه، ما يُعقّد إمكانية الوصول إلى توافق خلال الأيام القليلة، التي تفصل لبنان عن تاريخ الجلسة، سيما وأنّ أي طرف لا يقوم بتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية المتنازعة. في الوقت الذي يتحدّث فيه البعض عن أنّ “التيّار الوطني الحرّ” لا يزال “متقاطعاً” مع قوى المعارضة على التصويت للوزير السابق جهاد أزعور، رغم اعتقاد البعض أنّ اسمه خرج من السباق الرئاسي منذ فترة.

2- المفاوضات الإقليمية والدولية: إنّ التأثيرات الإقليمية والدولية لها دور في الإنتخاب. وقد رأينا السعودية تتدخّل لدعم ترشيح العماد جوزف عون من خلال دعوتها له لزيارتها وإرسالها طائرة خاصّة لتقلّه اليها. وتُحبّذ الولايات المتحدة الأميركية بالتالي وصوله الى سدّة الرئاسة. غير أنّه لم تحصل بعد تسوية إقليمية فعلية تضم جميع الدول المؤثّرة الى جانب هذه الأخيرة، مثل فرنسا ومصر وإيران، تؤدّي الى دفع الأطراف اللبنانية الى تسوية مماثلة. إلّا أنّ هذه التدخّلات قد تؤثّر في اختيار المرشّحين، وتعمل على تشجيع الحوار بين مختلف الأطراف السياسية من أجل الوصول الى توافق ما، على ما تسعى اليه “المجموعة الخماسية”.

3- عدم انتخاب الشعب للرئيس: فصحيح أنّ نوّاب البرلمان يُمثّلون الشعب اللبناني، إلّا أنّهم عند انتخاب الرئيس لا يعودون الى رأي هذا الأخير، إنّما الى مواقفهم ومصالحهم السياسية، أكانت المصالح الحزبية أو الشخصية الضيّقة. الأمر الذي من شأنه تعقيد مسألة الإنتخاب، وربّما انتخاب رئيس لا يتمّتع بقاعدة شعبية واسعة.

4- إجراءات برلمانية عملية: على الصعيد البرلماني، تحتاج الجلسة المرتقبة الى ضمان وجود النصاب القانوني لها (أي النصف زائد واحد) لضمان صحّتها. وفي حال غياب النصاب، سيتمّ تأجيل الجلسة الى موعد لاحق يُحدّده رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وفق ما يجده مناسباً. وبالتالي، لا بد من تأمين حضور كافٍ من النواب، وهو ما يعتمد على توافق سياسي بين الكتل النيابية المختلفة. وتفيد المعلومات حتى الساعة أنّ تعطيل الجلسة لن يكون عائقاً أمام الإنتخاب كونه لن يحصل، إنّما عدم حصول أي مرشح على الأصوات المطلوبة، على غرار ما جرى خلال الجلسات الـ 12 السابقة.

فالتوافق السياسي أمر حاسم وضروري، سيما وأنّ انتخاب الرئيس يحتاج الى أصوات ثلثي أعضاء البرلمان في الدورة الأولى من التصويت، وفي الدورة الثانية وتلك اللاحقة يحتاج الى الأغلبية المطلقة (65 نائباً من أصل 128) في حال استمرّت الجلسة. غير أنّ هذا التوافق لم يحصل حتى الساعة.

أمّا دعم دولة كبيرة معيّنة لأحد المرشحين دون سواه، فلا يؤدّي الى انتخابه في البرلمان، على ما تؤكّد المصادر نفسها، إذ لا بدّ من إقناع غالبية القوى السياسية به، وهو أمر لم يتمّ اليوم سوى على إسم قائد الجيش من قبل بعض الدول الخارجية. في حين أنّ الأسماء الأخرى تبقى في دائرة “اللائحة” التي تجري جوجلتها، وتلك التي طُرحت أخيراً.

وتنتظر دول الخارج، وفق المصادر، تبلور مشهد المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة، بعد تغيّر المشهد العام، وسقوط النظام في سوريا، لمعرفة متطلّبات هذه المرحلة، ومواصفات الرئيس التي تبحث عنها لمواكبة هذه الأخيرة. لهذا فإنّ الضغط الخارجي لانتخاب الرئيس، أو وصول الضوء الأخضر لن يتمّ قبل جلسة انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني.

وتلفت المصادر الى أنّ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سيصل الى لبنان في 6 كانون الثاني، لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بعد أن وصلت الخروقات “الإسرائيلية” الى 850 خرقاً منذ تاريخ بدء سريان هذا الإتفاق أي منذ شهر. ويقوم لبنان بتسجيلها وبمطالبة لجنة المراقبة بالضغط على “الإسرائيلي” لوقفها، لأنّه لا يُمكنه أن يبقى ساكتاً عن هذه الخروقات، التي أدّت الى استشهاد نحو 40 شخصاً. كذلك سيتطرّق هوكشتاين مع المسؤولين الى مسألة انتخاب الرئيس للإطلاع على ما وصلت اليه اللقاءات والإتصالات الجارية بين الأحزاب والكتل السياسية، لكنه لن يحضر جلسة الإنتخاب لكي لا يُقال أنّ بلاده تُمارس الضغوطات على بعض الكتل النيابية في البرلمان.

وعلى الرغم من التعقيدات، يبقى الأمل بحسب المصادر في أن تثمر الجلسة المرتقبة عن انتخاب رئيس قادر على توجيه لبنان نحو الإستقرار السياسي والإقتصادي، في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، ويُوقّع على أي إتفاقية لتثبيت الحدود البريّة الدولية للبنان.