Beirut weather 21.71 ° C
تاريخ النشر September 28, 2020
A A A
هذا ما دوّنته البناء في سطور افتتاحيتها
الكاتب: البناء

مع عودة مشهد الإرهاب شمالاً، تصدّرت دماء شهداء الجيش اللبناني الصورة بالتوازي مع إنجازاته بالقضاء على مجموعات إرهابيّة كشف وجودها مخاطر تهدّد مستقبل لبنان، وأصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً حيّا فيه الجيش على موقفه وتضحياته، مرفقاً تضامنه بالتذكير بجريمة كفتون التي شكّلت نقطة البداية لكشف المخطط الإرهابي، وبدعوته لإحالتها إلى المجلس العدلي، وكانت لافتة أنه بالتوازي مع تجدّد النشاطات الإرهابية عادت أيضاً عمليات قطع الطرق، خصوصاً في مناطق نفوذ القوات اللبنانية، على إيقاع اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب، بما رسم تساؤلات حول محاولة ملء الفراغ الناجم عن المأزق الحكومي بمشهد أمني واستغلال للشارع، ترافق الفوضى فيه الفراغ.
في هذا الوضع المقلق خرج الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون يعلن استمرار مبادرته وسط تساؤلات عن فرضية سحبها عن الطاولة، وكان أبرز ما قاله ماكرون توزيعه خسائر فشل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة، على فريقين رئيسين، الرئيس السابق سعد الحريري ومن خلفه رؤساء الحكومات السابقين، الذين اتهمهم بإدخال حسابات طائفيّة من خارج المبادرة الفرنسية على عملية تأليف الحكومة، وبالتوازي على ثنائي حركة أمل وحزب الله، وبشكل خاص حزب الله، حيث قال ماكرون إن الرئيس الحريري صحّح مسار موقفه بعرض للتسوية لكن الثنائي عطلها متشبثاً بموقف متشدد.
في كلام ماكرون ثنائية انتقادات لحزب الله وأسئلة حول ما يريد، وبالتوازي رفض لمجاراة ما وصفها بدعوات لمواجهة حزب الله، معتبراً أن هذه المواجهة مخاطرة بمستقبل لبنان، معيداً التذكير بموقفه السابق لجهة التمثيل النيابي والشعبي لحزب الله، كما في كلام ماكرون سعي لتنشيط الاتصالات الخارجية لتأمين تغطية ودعم لازمين لنجاح المبادرة، مشيراً إلى واشنطن وطهران والرياض.
لم يكشف ماكرون كيفية تجاوز نتائج فشل أديب، ومَن سيتولى تسمية رئيس جديد مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وماذا عن دروس تولي الحريري التسمية ورؤساء الحكومات السابقين، وآلية بلوغ تسمية وزراء لا يتبعون الأحزاب وموافقة الأحزاب والكتل على ذلك، وبقي الغموض الذي رافق كلام ماكرون مرتبطاً بتمديد المهل الذي تحدث عنه، والذي أوحى بأن الأمر مؤجل لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتلميحه إلى فرضية الذهاب لحوار وطني بعد شهور في حال فشل المحاولة الجديدة لتشكيل حكومة، بينما كانت لافتة مسارعة الرئيس الحريري لرفض تسميته ورفض قيامه بتسمية مَن يتولى المهمة، فيما نقلت قناة روسيا اليوم خبراً معاكساً عن اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي حول لبنان ودعم تشكيل حكومة جديدة يكون الحريري نقطة التوافق فيها.
الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي أكد مشاركته في الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف، واستعداده للتسمية، مقترحاً حكومة تكنوسياسية تضمّ خمسة وزراء دولة من السياسيين الى جانب رئيس الحكومة، وأربعة عشر وزيراً اختصاصياً.
مصادر سياسية متابعة للملف الحكومي توقعت أن تطول فترة تكليف رئيس جديد للحكومة حتى لو تم تعيين موعد للاستشارات النيابية، بعدما صار التكليف مرتبطاً بالتفاهم على تفاصيل التأليف في ضوء النتيجة التي انتهت إليها تجربة أديب، وسقوط نظرية حكومة تشكل فريقاً تابعاً لرئيسها، في ظل نصوص واضحة حول تحول السلطة الإجرائية إلى مجلس الوزراء بعد اتفاق الطائف، بحيث لم يعُد الوزراء فريقاً لرئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، بل شركاء في القرار لهما.
وبحسب ما تقول المصادر لـ«البناء» فإن ماكرون حاول أن يظهر بموقع الوسطي بين القوى السياسية ليبقى وسيطاً مقبولاً من الجميع وفي الوقت نفسه حاول إرضاء الأميركيين بانتقاداته لحزب الله ودوره ضد «اسرائيل» وفي سورية.
ولاحظت المصادر تغيراً في خطاب ماكرون تجاه حزب الله في زيارته الأولى والثانية الى لبنان حيث حاول استمالة الحزب بكلام ودي، وبين خطاب الأمس، واضعة هذا التغير في إطار الضغوط الاميركية على لبنان والموقف السعودي الأخير وإفشال الحزب وحلفاءه لحكومة «الخديعة» التي كان هدفها إقصاء الحزب والحلفاء والسيطرة على لبنان وقراره السياسي والمالي والاقتصادي.
وأكدت المصادر أن حزب الله وأمل لن يتنازلا عن حقهما في التمثيل في أي حكومة مقبلة وبالشراكة الميثاقية والدستورية في البلد مهما بلغت الضغوط ولن يسمحا بتسليم لبنان للخارج.
ورأت أن كلام ماكرون عن استمرار مبادرته الوحيدة المقبولة دولياً كما قال هي تعبير عن معادلة ستحكم لبنان حتى الانتخابات الاميركية وربما أكثر – مساعدات مالية لمنع الانهيار المالي والاقتصادي والفوضى الأمنية. وتوقعت استمرار الفراغ الحكومي لأشهر طويلة إذ لا مؤشرات او متغيرات تساهم في تسهيل التأليف بل الشروط نفسها في حال تمّ تكليف رئيس جديد. فالمسألة لا ترتبط بالشخص بل بأسلوب التأليف وشكل الحكومة وتوازناتها والمعادلة الحاكمة للبنان. علماً أن مصادر رئيس الجمهورية تشير لـ«البناء» الى أن «لا استشارات جديدة ولا تكليف بلا الاتفاق على سلة كاملة للحل من آليتي الاختيار وشخصية الرئيس وشكل الحكومة واسماء الوزراء والبيان الوزاري وإخراج رؤساء الحكومات السابقين من دائرة التأثير وإلا فخيار حكومة تصريف الاعمال ستبقى حتى نضوج التسوية الجديدة».
تعويم حكومة دياب؟
ومع قلب صفحة أديب بدأ التداول في الكواليس السياسية بفرضيات عدة منها اتجاه لتعويم حكومة تصريف الأعمال لملء الفراغ في السلطة التنفيذية بحدود معقولة للانطلاق لمواجهة ما قد يحدث من تداعيات اقتصادية وأمنية وتحركات شعبية على الأرض.
ومن هذه الخيارات بحسب مصادر «البناء» تفعيل حكومة دياب لملء الفراغ الحكومي خلال الشهور الثلاثة المقبلة لكن المشكلة تكمن في أنها لن تستطيع مواجهة الأزمة بسبب ضعفها من الداخل وتصريح رئيسها حسان دياب بعدم استعداده لهذا الخيار. أما الاحتمال الثاني البقاء في إطار حكومة تصريف أعمال ضيّق كما هو الحال الآن وتوفير مظلة سياسية ضمنياً بين القوى الأساسية لضبط الوضع الأمني والاقتصادي قدر الإمكان لتمرير المرحلة بأقل الخسائر وانتظار اشارات خارجية في الشهرين المقبلين بعد الانتخابات الأميركية، وهذا الخيار يتلاقى مع مضمون مبادرة ماكرون بنسختها الثانية.
وحول احتمال تراجع الرئيس دياب عن استقالته، يرى الخبير الدستوري والقانوني الدكتور عادل يمين أنه ليس من نص دستوري يمنع دياب من التراجع عن استقالته ما دام لم يصدر بعد مرسوم قبول استقالة حكومته على الرغم من أنه ليس من سوابق بعد اتفاق الطائف في هذا الاتجاه، ولكن مثل هذا الخيار رهن رغبة الرئيس دياب ومدى تماسك حكومته والدعم السياسي لها وخصوصاً دعم الأغلبية النيابية.
أما الخيار الأصعب والمستبعَد حتى الآن بحسب المصادر فهو تأليف حكومة أكثرية نيابية للمواجهة ليس على شكل حكومة دياب التي كانت حكومة أكثرية لكن أعطيت صفة وهامش التكنوقراط، بل حكومة مواجهة وصلبة تستطيع الصمود بوجه الأزمات.
ولفتت أوساط التيار الوطني الحر لـ«البناء» إلى أن «اعتذار أديب لم يكن مفاجئاً لنا بل كنا نتوقع هذه النتيجة من خلال الأسلوب الذي اتبعه الرئيس المكلف الذي لم تشهده عملية تأليف الحكومات في تاريخ لبنان، كما من خلال أداء من يقف خلفه من الرئيس سعد الحريري ورؤساء الحكومات السابقين»، مشيرة إلى أنه ورغم وجود شق داخلي للأزمة السياسية وعرقلة تأليف الحكومة لكن العقدة خارجية جرى تغليفها بواجهة عقدة وزارة المالية، ولفتت الأوساط إلى أن رئيس الجمهورية لن يدعو للاستشارات النيابية الملزمة إلا بعد توفر شروط سياسية معينة ومناخ توافقي، كي لا نصطدم مجدداً في جدار العرقلة والتعطيل والفشل. ودعت إلى قراءة كلام الرئيس ماكرون بجدية والعمل على استغلال الاهتمام الفرنسي بلبنان وإنعاش المبادرة الفرنسية من خلال إجراء حوار جدي وعميق حول الأزمة الداخلية لتمهيد الاتفاق على حكومة جديدة تنقذ لبنان من الانهيار المحتوم.
وعن احتمال عودة الحريري أو تسمية أحد بديلٍ لأديب لتشكيل الحكومة، لفتت الأوساط إلى أن مقاربة استحقاق التأليف بهذه الذهنية التي ظهرت لدى الحريري وزملائه في النادي تسقط خيار عودة الحريري أو من ينوب عنه، وبالتالي الأمور تتجه للبحث عن خيارات أخرى.
وتشير مصادر «البناء» إلى أنّ حزب الله والأكثرية النيابية مع رئيس الجمهورية يفضلان الإبقاء على حكومة دياب حتى تحقيق تسوية تضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلد، مستبعدة خيار الحريري لتعقيدات داخلية – خارجية تحول دون ذلك، لكنها حذّرت من تشريع الساحة اللبنانية للاحتمالات كافة من ضمنها ضرب الاستقرار الأمني.
وفي هذا السياق، حذّر خبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية لـ«البناء» من أنّ المخاطر الأمنية على لبنان لم تعد تقتصر على «إسرائيل» والإرهاب، بل إنّ التدخلات الخارجية التي أفشلت تسوية الحكومة ستنتج أحداثاً أمنية على صعد ثلاثة: اغتيالات سياسية لخلق مناخ طائفي – مذهبي، ثانياً تفجيرات متنقلة، وثالثاً تحركات شعبية وأعمال شغب نتيجة تردّي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، متوقعاً مرحلة صعبة في لبنان قبل الاستحقاق الرئاسي الأميركي.
ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يشهد السوق ارتفاعاً تدريجياً بأسعار السلع بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل. وبحسب الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان فإنّنا دخلنا في مرحلة الفوضى والتفلّت في سوق السلع إضافة الى ارتفاع سعر الصرف. ويلفت أبو سليمان لـ«البناء» الى أنّ الدولة لم تعد قادرة على لجم ارتفاع الأسعار ولا ضبط سعر صرف الدولار، خصوصاً مع توجّه مصرف لبنان إلى رفع الدعم عن الكثير من السلع الأساسية بسبب نفاد الاحتياط النقدي في المصرف. ويرى أبو سليمان أنّ أحد الحلول لوقف نزيف احتياطات المركزي هو ترشيد الدعم، وتخصيصه لذوي الدخل المحدود والطبقة الفقيرة فقط وللسلع الأساسية، ويوضح أنّه لا يمكن ضبط سعر الصرف إذا لم يتم ضخ أموال خارجية في السوق الداخلي وبالتالي أسعار السلع إلى ارتفاع بلا سقف.
بدوره، لفت وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة لـ«البناء» إلى أننا سننتظر بعض الوقت كي يظهر السعر الحقيقي لصرف الدولار ومدى انعكاس المستجدات السياسية، على سعر السوق لنعرف الخطة الذي يجب أن نضعها ونتبعها لمواجهة فلتان الأسعار. ويؤكد نعمة أنّ الدعم للسلة الغذائية الذي أقرّته وزارة الاقتصاد بالتعاون مع الوزارات الأخرى مستمر. ويوضح أنّ التطورات التي قد تحصل على صعيد سعر الدولار رهن تعامل القوى السياسية مع الأزمة السياسية القائمة، خصوصاً أنها تتحمل مسؤولية الانهيارات المتتالية.