تتسارع وتيرة التحوّل نحو المدفوعات الرقمية على مستوى العالم، حيث أصبحت التكنولوجيا الحديثة تمثل البوابة الرئيسية للتعاملات المالية اليومية. سواء كانت عبر المواقع الإلكترونية، التطبيقات، أو المنصات في المتاجر، فإن الاعتماد على هذه الأشكال المتقدمة من الدفع يشهد نمواً غير مسبوق. بحلول عام 2025، يُتوقع أن تصبح المدفوعات أكثر ذكاءً ومرونة، مدفوعة بمتطلبات المستهلك وتفضيلاته.
تشهد الأنظمة المالية تغييرات جذرية، من استخدام المدفوعات من حساب إلى حساب (A2A) التي توسّع خيارات الدفع، إلى تقنيات القياسات الحيوية التي تحل محل كلمات المرور التقليدية، وصولاً إلى عولمة المدفوعات العابرة للحدود التي تواجه تحديات معقدة لكنها تقدم وعوداً كبيرة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، تُعاد صياغة معايير الأمان وسهولة الاستخدام، ما يجعل القطاع المالي أكثر تقدماً وديناميكية.
في ما يأتي عرض لأبرز الاتجاهات التي ستشكل مستقبل المدفوعات في 2025:
1. الذكاء الاصطناعي: الحارس الذكي ضد الاحتيال
يمثل الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في تطوير أنظمة الدفع، حيث يعمل على تخصيص التجربة وتحسين أنظمة كشف الاحتيال. باستخدام خوارزميات التعلم العميق، يتم تحليل أنماط المعاملات بشكل لحظي للكشف عن أي نشاط مشبوه أو محاولات احتيال. هذا التقدم لا يعزز فقط من الأمان، بل يسهم في تحسين ثقة العملاء والشركات بأنظمة الدفع.
على مدار العقود الثلاثة الماضية، قادت “فيزا” جهوداً كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي بالمدفوعات، حيث استثمرت أكثر من 3.3 مليارات دولار في بنيتها التحتية للذكاء الاصطناعي والبيانات خلال السنوات العشر الماضية. من بين أحدث تقنياتها، أطلقت الشركة حلولاً متطورة ضمن مجموعة “Visa Protect”، تهدف إلى الحد من الاحتيال في المدفوعات الفورية والمدفوعات بدون وجود البطاقة (CNP).
ومع توسع تقنيات الذكاء الاصطناعي، تزداد أهمية الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا. في المستقبل، سيصبح الذكاء الاصطناعي أحد العوامل الرئيسية التي تعيد تشكيل النظام المالي، ما يجعله أكثر أماناً وسلاسة وذكاءً.
2. الهوية الرقمية: مستقبل المصادقة
تمثل الهوية الرقمية طفرة نوعية في طرق المصادقة، حيث يُستغنى عن كلمات المرور التقليدية والأسئلة الأمنية لصالح أنظمة قائمة على القياسات الحيوية مثل بصمات الوجه والأصابع. هذه التقنية توفر مستوى أعلى من الأمان وسهولة الاستخدام، ما يحد من نقاط الضعف التي كانت تستغلها الجهات الخبيثة.
تعد شراكة “فيزا” مع بنك QNB في قطر مثالاً على هذا التحول، حيث أطلقت أول نظام مصادقة بيومتري عالمي من خلال تقنية “Visa Click to Pay”. هذا الإنجاز يضع معياراً جديداً للمدفوعات الرقمية، فيعزز من راحة وأمان المستهلكين.
3. المدفوعات الفورية: قفزة نحو العالمية
في عام 2025، ستصبح المدفوعات الفورية (RTP) معياراً عالمياً بفضل التطورات التقنية في الاقتصادات الكبرى. في الولايات المتحدة، سيسهم اعتماد معيار ISO 20022 في تعزيز خدمة FedNow، التي توفر مدفوعات فورية على مدار الساعة. وفي أوروبا، سيسهم نظام SEPA للتحويلات الفورية في تسهيل المعاملات عبر الحدود داخل الاتحاد الأوروبي.
لكن رغم هذه التطورات، تبقى هناك تحديات، مثل التعرّض للاحتيال ونقص التكامل بين الأنظمة المحلية والدولية. التعاون بين القطاعين العام والخاص سيكون حاسماً لتجاوز هذه العقبات وتحقيق نظام متكامل وآمن.
4. مدفوعات الحساب إلى الحساب: تطوّر متسارع
تعمل المدفوعات من حساب إلى حساب (A2A) على تقديم بدائل مريحة وآمنة للمدفوعات التقليدية. من خلال تقنيات مثل “الدفع عبر البنك”، أصبح بالإمكان رقمنة هذه العمليات وتبسيطها، مما يتيح للمستهلكين خيارات دفع أسرع وأكثر سهولة.
ومع ذلك، فإن انتشار المدفوعات الفورية جذب اهتمام المحتالين، ودفع الشركات إلى تطوير أدوات مثل “Visa Protect” للتصدي لهذه التهديدات وضمان أمان المعاملات.
5. انتشار التمويل المدمج
يشهد التمويل المدمج نمواً سريعاً، حيث تُدمج الخدمات المالية ضمن منصات رقمية غير مالية. يتيح هذا النهج للشركات تقديم خدمات مالية مخصصة تلبي احتياجات العملاء في سياق تجاربهم اليومية، ما يعزز من تفاعل المستخدمين ويزيد من رضاهم.
6. المدفوعات العابرة للحدود: من التعقيد إلى السلاسة
لطالما كانت المدفوعات العابرة للحدود معقدة وبطيئة، لكنها تشهد تحولاً جذرياً بفضل شبكات مثل “Visa Direct”. تتيح هذه الشبكات معاملات أسرع وأقل تكلفة، مما يبسط عمليات تحويل العملات والامتثال للقوانين المحلية.
مع استمرار العولمة وزيادة الطلب على حلول الدفع الدولية، ستؤدي المدفوعات العابرة للحدود دوراً حاسماً في تمكين التجارة العالمية وتعزيز النمو الاقتصادي.
أصبحت المدفوعات الرقمية اليوم ركيزة أساسية في الاقتصاد العالمي والمعاملات التجارية، ولا سيما تلك المرتبطة بالإنترنت، لما تقدمه من تسهيلات وسرعة في إنجاز العمليات المالية بين الشركات والأفراد. تعتمد العديد من الجهات على هذه التقنية، خاصة مع التطور التكنولوجي السريع المحيط بها، والاستثمار الكبير الذي تقوم به شركات متعددة في هذا المجال. تسعى هذه الشركات إلى تحقيق التكامل مع النظام المالي القائم، إذ لا يمكنها الانفصال عنه.
الركيزة الأساس التي يجب التركيز عليها في هذا السياق هي السرعة والدقة في إجراء التعاملات، مع تعزيز الأمان الذي تتيحه تقنيات مثل البلوك تشين، التي أصبحت تعتمد على نحو متزايد لتوفير بيئة آمنة لهذه العمليات.
التوقعات المستقبلية
في هذا الإطار يلفت الخبير في التحوّل الرقمي فريد خليل في حديثه لـ”النهار” إلى أنّ “التوقعات تشير إلى نمو كبير في هذا السوق. ومن المتوقع أن تصل قيمة التعاملات الرقمية إلى 10 تريليونات دولار بحلول عام 2025، مع استمرار توسع السوق في هذا الاتجاه. فكلما زادت سرعة المعاملات، تعززت الحركة الاقتصادية العالمية وزادت فرص التبادل بين مختلف أنحاء العالم، لا سيما في المناطق البعيدة”.
ومن التطورات اللافتة في هذا المجال، تصريحات إيلون ماسك حول منصة “X-Payment”، التي يخطط لإطلاقها على منصة تويتر، بهدف تسهيل المدفوعات الرقمية دون الحاجة إلى التعامل مع البنوك أو إجراءات معقدة. “إذا نُفّذ هذا المشروع بحلول عام 2025، فقد يشكل نقلة نوعية كبيرة في عالم المدفوعات الرقمية”، بحسب خليل.
أما في الولايات المتحدة، فإن تأثير شخصيات مثل إيلون ماسك ودونالد ترامب على هذا القطاع يبقى واضحاً. فبرأي خليل “مع عودة ترامب إلى الحكم، قد تثار تحديات جديدة، خاصة مع حديثه عن تنظيم العملات الرقمية لتصبح أكثر رقابة. هذا الموقف يتعارض مع مبدأ البلوك تشين الذي يعتمد على اللامركزية والحرية من السيطرة المركزية”.
التحديات
على الرغم من النمو السريع، تواجه المدفوعات الرقمية تحديات كبيرة. يذكر خليل بعضاً منها وأولها التطور المستمر في تقنيات القرصنة (الهاكينغ)، حيث يستخدم القراصنة الذكاء الاصطناعي لتسريع عملياتهم، ما يتسبب بخسائر مالية ضخمة، سواء في مجال العملات الرقمية أو غيرها من المعاملات.
ثانياً، تخشى العديد من الدول من فقدان السيطرة على عملياتها المالية ونظم التبادل، ما يضيف تحديات إضافية تتطلب حلولاً مبتكرة ومتوازنة لضمان الأمان والمرونة في هذا المجال.