Beirut weather 14.65 ° C
تاريخ النشر December 16, 2025
A A A
6 أسباب جوهرية تمنع أوروبا من شن حرب على روسيا!
الكاتب: سمير سكاف

كتب سمير سكاف في “الديار”:

تواجه أوروبا تحديات أمنية واقتصادية في سياق التوتر مع روسيا، في إطار الحرب الروسية – الأوكرانية!

ولكن الطريق الأسلم لأوروبا هي العمل جدياً على تحقيق «السلام»، بدلاً من خوض مغامرات عسكرية غير محسوبة!

وعلى الرغم من التصعيد الكلامي لعدد من المسؤولين الأوروبيين، في حلف الناتو، أو في فرنسا وغيرها، فإن جنرالات أوروبا، والفرنسيين تحديداً اعتبروا، في مقابلات إعلامية عدة أن أوروبا غير قادرة على مواجهة روسيا عسكرياً! وأن جهوزية أوروبا العسكرية تحتاج الى 10 سنوات، إذا بدأ العمل عليها منذ الآن.

وعلى الرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أعضاء في حلف الناتو الذي يمتلك قوة تقليدية هائلة، إلا أن هناك عدة عوامل تجعل فكرة الدخول في حرب مباشرة ضد روسيا أمراً بالغ الصعوبة ومحفوفاً بالمخاطر!

وتتشابك هذه العوامل بين الجهوزية العسكرية والاعتبارات المالية والاقتصادية.

أولاً: تحدي الجهوزية وفقدان التوازن العسكري

على الرغم من القوة الإجمالية لحلف الناتو، تواجه الجيوش الأوروبية عدة تحديات في الجهوزية المباشرة للحرب:

1 – التركيز على القوات التقليدية:

اعتمدت الدول الأوروبية، بعد انتهاء الحرب الباردة، على المظلة النووية الأمريكية وقللت من حجم قواتها البرية ومن مخزونها من الذخائر والمعدات.

وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا أن الصراع الواسع النطاق يتطلب مخزونات ضخمة من الذخائر والدبابات والمدفعية، غير المتوفرة بالقدر الكافي عند الأوروبيين في الوقت الحالي.

2 – عامل الردع النووي الروسي:

تمتلك روسيا قوة نووية استراتيجية هي الأكبر في العالم!

وتهدد روسيا باستخدامها في حال شعرت بالخطر الوجودي. وهذا الخطر يمثل خطاً أحمر يقيّد أي تفكير في مواجهة تقليدية مباشرة.

وقد قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً بتغيير عقيدة استعمال السلاح النووي الروسي في هذا الاتجاه. حتى ولو كان الاعتماد على القوة النووية الروسية يقابلها الاعتماد على الردع النووي الأمريكي والبريطاني والفرنسي.

3 – الحرب الهجينة:

يمكن لروسيا أن تستغل نقاط الضعف الأوروبية من خلال الحرب بالهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية (شبكات الطاقة، الاتصالات)، وعمليات التجسس والتخريب داخل الدول الأوروبية.

وهو ما يتطلب نوعاً مختلفاً من الجهوزية الدفاعية يمتد إلى المجال المدني. وهي أمور غير متوفرة في دول الاتحاد الأوروبي بالحجم المناسب حالياً، بحسب المصادر العسكرية الفرنسية!

4 – الفجوة في القوات البرية:

تتمتع روسيا بتفوق عددي في القوات البرية ب 950.000 جندي مقارنة بقوات الدول الأوروبية في الناتو (بما فيها بريطانيا) ب 750.000 جندي، خاصة مع استمرار روسيا في زيادة قوام قواتها.

كما أن سرعة انتشار القوات العسكرية على الجناح الشرقي للناتو ضعيفة جداً!

حيث قد يستغرق نقل القوات اللازمة للدفاع عن دول البلطيق أسابيع عدة.

وعلى سبيل المثال، كان الفرنسيون قادرين على نشر 75.000 جندي بري مجهز، خلال فترة قصيرة في مطلع السبعينات. أما اليوم فهم غير قادرين على نشر اكثر من 15.000 جندي في شرق أوروبا، وبعد 45 يوماً، بحسب جنرالاتهم!

5 – تراجع الوجود الأمريكي:

تعمل الولايات المتحدة على تقليص وجودها العسكري في أوروبا، وعلى التركيز على محيطها الحيوي مع اهتمامات في الغرينلاند وفنزويلا وكولومبيا، والمكسيك…

مما يضع عبئاً أكبر على الأوروبيين لتمويل دفاعهم ولتطوير قدراتهم العسكرية المستقلة! وهو ما بدأ يحدث بالفعل بخطط لزيادة حجم الجيوش والتجنيد وتحديث الترسانات. ولكن كل ذلك يحتاج الى تمويل «مفقود»!

6 – السياسة الأميركية «المحايدة»:

اعتبر وزير أميركي مؤخراً أنه في حال اندلاع أي حرب بين الأوروبيين وروسيا، فإن الولايات المتحدة ستقف على الحياد. ولكنها ستستمر ب… «بيع» الأسلحة للأوروبيين!

ثانياً: تحدي التمويل المالي والاقتصادي

تلعب الاعتبارات الاقتصادية، من دون أي شك، دوراً حاسماً في تجنب التصعيد إلى حرب مباشرة. وأبرزها:

1 – الكلفة الباهظة للحرب:

إن خوض حرب تقليدية واسعة النطاق ضد دولة بحجم روسيا سيفرض تكاليف مالية ضخمة، وأعباء إضافية هائلة، على الاقتصادات الأوروبية التي تعاني الأمرين حالياً!

وإذا كان الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي أكبر بكثير، فإن تحويل الاقتصادات من (ما تبقى) من نمط الرفاهية إلى اقتصاد حرب هو عملية ضخمة ومكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً.

2 – تأثير العقوبات المتبادل:

تعتمد روسيا بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، وقد أدت العقوبات الأوروبية إلى إضعاف الاقتصاد الروسي.

إلا أن أوروبا نفسها تأثرت بشكل كبير جداً من انقطاع إمدادات الغاز الروسي الرخيص، مما أدى إلى ارتفاعات هائلة ومرهقة جداً للاوروبيين في أسعار الطاقة والمعيشة.

إن أي تصعيد عسكري أوروبي مباشر سيؤدي بالتأكيد إلى شلل كامل للعلاقات الاقتصادية المتبادلة ونتائج كارثية على الاقتصاد العالمي.

3 – الانقسامات الداخلية حول التمويل:

على الرغم من شبه الإجماع الاوروبي على دعم أوكرانيا، إلا أن هناك خلافات وصعوبات في تمويل المساعدات الإضافية أو تمويل الدفاع الأوروبي المشترك.

وبينها، على سبيل المثال، إشكالية استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل أوكرانيا. فهي تظهر حساسية القضايا المالية والاقتصادية بين الدول الأعضاء والمخاوف بشأن قدسية الملكية وتأثير ذلك على النظام الاقتصادي العالمي. وهو ما يجعل المصارف الدولية تعارض هذا الخيار!

4 – الضغط على الموازنات الوطنية:

تسعى الدول الأوروبية حالياً لزيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير، وتتجه لتبني خطط لزيادة حجم الجيوش وشراء منظومات تسليح متقدمة (كـ F-35 والدبابات الحديثة)، وهذا يضع ضغوطاً إضافية على الموازنات العامة التي تواجه تحديات التضخم والديون ومطالب الرعاية الاجتماعية.

(2/2) وفي التفاصيل، تعاني دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من مجموعة من الأزمات المالية والاقتصادية الهيكلية التي تفرض قيوداً على الموازنات وتجعل الوفاء بالتزامات الإنفاق الدفاعي (هدف الناتو البالغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي) أمراً صعباً. وذلك بانتظار الضرائب الجمركية للرئيس ترامب.

وأبرز الصعوبات هي التالية:

1. أزمة الديون الحكومية المرتفعة والعجز في الموازنة:

فقد تجاوزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العديد من دول الاتحاد الأوروبي الكبرى (إيطاليا، اليونان، إسبانيا، فرنسا) حاجز 100%. على سبيل المثال، إيطاليا تتجاوز 140% واليونان لا تزال فوق 160% (اعتباراً من نهاية 2024 تقريباً). وديون كل من بريطانيا وفرنسا تبلغ حوالى 4 تريليون يورو!

وتواجه معظم الدول عجزاً كبيراً في الموازنات السنوية (الفارق بين الإيرادات والنفقات)، مما يعني أنها تزيد من الاقتراض بشكل مستمر.

وهذا الاقتراض يرفع تكلفة خدمة الدين (الفوائد) نظراً لارتفاع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم.

وكل يورو يذهب لسداد فوائد الديون هو يورو لا يذهب لتمويل معدات عسكرية جديدة أو لتدريب القوات.

2. الضغوط على موازنات الرعاية الاجتماعية:

تواجه أوروبا «المتقدّمة في السن» تحديات ديموغرافية كبيرة تتمثل في شيخوخة السكان.

وهذا يضع ضغوطاً متزايدة على ميزانيات التقاعد والرعاية الصحية (التي تمثل الجزء الأكبر من الإنفاق العام في العديد من الدول).

وهو أحد أبرز مشكلات التوصل الى إقرار الموازنة العامة في فرنسا حالياً، وأبرز أسباب انفجارات الألغام التي تُسقط الحكومات الفرنسية الواحدة تلو الأخرى في ساعات وأيام وأشهر قليلة!

ويصعب على الحكومات الأوروبية تحويل الأموال من هذه البنود الحساسة (التي تحظى بدعم شعبي كبير) نحو الدفاع من دون إثارة احتجاجات اجتماعية واسعة.

3. التباطؤ الاقتصادي والتضخم:

تعاني منطقة اليورو من تباطؤ في النمو الاقتصادي مقارنة بالولايات المتحدة والصين. هذا يحد من قدرة الحكومات على زيادة الإيرادات الضريبية اللازمة لتمويل المشاريع الجديدة. وكل لجوء الى زيادة الضرائب يجعلها تغرق في أزماتها أكثر فأكثر!

وعلى الرغم من انخفاض معدلات التضخم مؤخراً، إلا أن الفترة السابقة من التضخم المرتفع (نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة بعد حرب أوكرانيا) أدت إلى زيادة تكلفة شراء المعدات العسكرية ومواد البناء، مما يقلل من القوة الشرائية لميزانيات الدفاع الحالية.

4. التنافس على التمويل في الانتقال الأخضر والطاقة

(Energy & Green Transition):

تخصص الدول الأوروبية مبالغ ضخمة لتمويل الانتقال الأخضر والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة (لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي).

المأزق الأوروبي!

إن تجنب الدول الأوروبية وبريطانيا المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا يعود لمزيج من الردع النووي الروسي، وعدم الجهوزية العسكرية لحرب تقليدية واسعة النطاق بعد عقود من الاعتماد على القوة الأمريكية، والرغبة في تجنب الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي ستترتب على حرب شاملة.

وهو ما يدفع الأوروبيون حالياً على التركيز على تعزيز الردع، رفع الجهوزية العسكرية، وتطوير قدراتهم الدفاعية المستقلة لمواجهة التهديد بشكل أفضل مستقبلاً.

هذا في حين يُعبِّر بعض الجنرالات الفرنسيين عن تشاؤمهم بالقول إن مسالة الدفاع الأوروبي بجيش مشترك هي «وهم» لا يمكن بلوغه مطلقاً!

الفجوات النوعية والتكنولوجية الحديثة التي تؤثر على ميزان القوى

إنها ثلاث قضايا رئيسية تُظهر أن التهديد العسكري لم يعد يقتصر على القوات التقليدية الكبيرة، بل يمتد إلى تقنيات عدة ذات تكلفة مختلفة. وفيما يلي أبرز التفاصيل:

1. فقدان التوازن في قوة الدرونات بين روسيا وبين الأوروبيين (حادثة F-35 والدرون في فضاء بولندا)

تُعد هذه الحادثة مثالاً كلاسيكياً على التحدي غير المتماثل (Asymmetric Challenge)، حيث تواجه تقنية باهظة ومتقدمة تهديداً رخيصاً نسبياً.

فالطائرة المُستَخدَمة هي (F-35)، بتكلفة تقديرية للطائرة بين 80 و 110 مليون دولار أمريكي. وبتكلفة تشغيل للساعة الواحدة تقدر بنحو 30,000 إلى 42,000 دولار أمريكي.

أما الصاروخ المُطلَق على الدرون من طائرة ال F-35 فهو (AIM-9X Sidewinder). وهو بتكلفة تتراوح من 400,000 إلى أكثر من 500,000 دولار أمريكي للصاروخ الواحد.

أما الدرون المُستَهدَف، وهو عادة درون تجاري مُعدَّل، فتبلغ تكلفته بضعة مئات أو آلاف من الدولارات، قد تصل الى حوالى 5.000 دولار (أقل من 20,000 دولار أمريكي حتى للدرونات المُعدَّلة).

أي لتعطيل درون روسي واحد لم يكن بمهمة هجوميك، تمّ استخدام صاروخ يفوقه تكلفة بعشرات الأضعاف 80 – 1.

وهذا المثال يوجز كيف أن مواجهة سلاح الجو الأوروبي للدرونات الروسية مستحيل، كما هو الوضع حالياً!

2 – الصواريخ الروسية بالاستخدام غير النووي (Conventional)

تمتلك روسيا ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المصممة في الأصل لحمل رؤوس نووية، لكنها تكيفت لحمل رؤوس تقليدية عالية الدقة، مما يمنحها قوة نيران بعيدة المدى ومدمرة.

وروسيا هي الوحيدة في العالم التي تملك هذا النوع من الصواريخ بحسب المصادر الفرنسية.

وأبرز هذه الصواريخ هي:

صاروخ إسكندر-إم (Iskander-M):

يصل إلى حوالي 500 كيلومتر. ويمكنه أن يحمل رأساً حربياً يزن حوالي 480 كيلوغراماً (تقليدي عالي الانفجار أو خارق للتحصينات). وهو يُستخدم في الغالب برؤوس تقليدية دقيقة، لكن لديه قدرة حمل رأس نووي أيضاً.

صاروخ كاليبر (Kalibr 3M-54):

يصل مدى الصواريخ المُطلقة من البحر إلى أكثر من 1500 إلى 2500 كيلومتر للهجمات البرية. وهو صاروخ كروز متعدد المهام (مضاد للسفن، وهجوم بري) ويمكن تزويده برأس نووي أو تقليدي.

صواريخ كينجال (Kinzhal):

وهو صاروخ فرط صوتي (Hypersonic). يمكنه أن يتجاوز 2,000 كيلومتر. كما يمكنه حمل رأس نووي أو تقليدي بوزن يقدر بـ 480 كيلوغراماً، ويُعد من أصعب الأهداف للاعتراض بسبب سرعته.

وتجدر الملاحظة أن استخدام الصواريخ مزدوجة القدرة (نووي/غير نووي) يمثل تصعيداً للمخاطر، لأن الخصم لا يستطيع التمييز بشكل قاطع بين الرأس النووي والتقليدي أثناء الإطلاق، مما قد يدفع إلى رد فعل نووي سابق لأوانه.

3. الدرونات النووية البحرية الروسية (طوربيد بوسيدون)

يُعد «بوسيدون» Poseidon نظام سلاح نووي استراتيجي فريد من نوعه، وهو طوربيد عملاق يعمل بالطاقة النووية.

يمكنه من السفر لمسافات تتجاوز 10,000 كيلومتر، بسرعة 60 إلى 70 عقدة (حوالي 110 إلى 130 كم/ساعة)، وهي سرعة عالية جداً للغواصات والطوربيدات.

ويُقدر بقدرته على الغوص لأكثر من 1 كيلومتر، مما يجعله اعتراضه شبه مستحيل!

ويمكنه أن يحمل رأساً حربياً نووياً عملاقاً، تشير بعض التقارير إلى قدرة تصل إلى 2 ميغا طن.

والهدف منه هو إحداث موجة مد تسونامي مشعة ضخمة لتدمير المناطق الساحلية وتلويثها إشعاعياً على المدى الطويل.

وهو سلاح ردع نهائي يُصنف ضمن «أنظمة يوم القيامة».

ويجري العمل على غواصات مخصصة لحملها، مثل الغواصة النووية «بيلغورود» (Belgorod)، القادرة على حمل عدد غير محدد من وحدات «بوسيدون».

هذه الأسلحة والصواريخ تؤكد أن التوازن العسكري لم يعد يتعلق فقط بـ «عدد الدبابات»، بل بـ «نوعية التكنولوجيا» والتحديات اللامتكافئة التي تفرضها على الأنظمة العسكرية التقليدية والمكلفة لأوروبيين، على وجه التحديد!

وفي النهاية، من المهم أن يذهب الأوروبيون والعالم اليوم، وعلى رأسهم الأميركيون والروس والصينيون الى تفاهمات واتفاقات سلام، والى تعزيز معاهدات خفض الأسلحة بدلاً من الاستمرار في سباق التسلح، الذي قد يؤدي عاجلاً أم آجلاً الى كوارث كونية.

* كاتب وخبير في الشؤون الدولية