Beirut weather 23.54 ° C
تاريخ النشر July 18, 2019
A A A
هل لبنان على موعد مع مرحلة امنية وسياسية صعبة؟
الكاتب: ابراهيم ناصرالدين - الديار

هل لبنان على موعد مع مرحلة امنية وسياسية صعبة؟ سؤال يتردد على «لسان» اكثر من جهة سياسية ونيابية وحزبية، وتأتي الاجابة عنه على نحو ايجابي دون تقديم اي معطيات جدية تفسر كل هذا التشاؤم الذي يروج له البعض على طريقة «المنجمين»، فهل من صحة لهذه التوقعات؟
لا شيء يوحي بحصول تغيير «دراماتيكي» على الساحة اللبنانية، وكل ما يجري الترويج له مجرد «ثرثرة» لا قيمة لها، هكذا تختصر مصادر وزارية بارزة رد فعلها على بعض مروجي «الشائعات» المغرضة على «ابواب» «الموسم» السياحي الواعد، وتشير الى ان كل المعطيات الداخلية والخارجية المستقاة من معلومات امنية وسياسية تؤكد ان البلاد «محصنة» من اي اهتزاز امني او اقتصادي على المديين القصير والمتوسط، وذلك لصعوبة التكهن بما يمكن ان يتغير في المنطقة على المدى الطويل، لكن ما هو مؤكد راهنا من خلال تقارير البعثات الديبلوماسية العربية والغربية ان لا شيء مرتقباً يمكن ان يغير من واقع «الستاتيكو» القائم حاليا، على الرغم من ارتفاع حدة السجالات السياسية وحصول «الحرتقات» الامنية المتنقلة… والخلاصة ان احدا من اللاعبين في الداخل والخارج، ولاسباب مختلفة، لا يريد تفجير الساحة اللبنانية…
وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط الى ان منسوب هذا «الاطمئنان» ارتفع مؤخرا بعد الاطلالة المتلفزة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حيث نجح مجددا في ابعاد «شبح» الحرب الاسرائيلية عن لبنان من خلال رفع مستوى التحدي النوعي مع اسرائيل، فارضا توازن ردع جديداً يجعل من كيان العدو يفكر الف مرة قبل خوض مغامرة جديدة على الحدود الشمالية اللبنانية.. ولعل من تابع سياق المقابلة لم يلتفت الى دعوة السيد نصرالله السياح الى الاطمئنان والقيام بزيارة لبنان هذا الصيف، وهي دعوة واثقة من رجل يدرك حقيقة ما يجري في الاقليم، ويعرف ان «قواعد اللعبة» الان تعمل لمصلحة المقاومة ما يجعل احتمال اندلاع حرب «الصدفة» غير قائم، فكيف بالحرب المخطط لها؟
وتلفت تلك الاوساط الى ان هذه التقديرات ليست مبنية فقط على تنامي قدرات المقاومة بل على اخفاق اسرائيل في «الجهوزية» لخوض حرب مماثلة، وما هو موثق بالمعطيات الدقيقة لدى المقاومة ان اسرائيل غير مستعدة لمواجهة تهديد الصواريخ الدقيقة، وحتى الان لا تملك الجبهة الداخلية خطة لتلافي التهديدات المستجدة للبنى التحتية والحيوية وقد جاء قرار» الجبهة الداخلية» بعد ساعات من مقابلة السيد نصرالله لتحصين نحو 20 موقعاً من البنى التحتية في أرجاء البلاد من ضربات الصواريخ، خوفاً من محاولة حزب الله المس بها، كدليل صارخ على عدم الجهوزية بعد لمنع حزب الله من ضرب المواقع الإستراتيجية ومن بينها منشآت شركة الكهرباء وشركة خطوط الغاز الطبيعي، مع العلم ان نحو نصف سكان اسرائيل لا يملكون الاماكن المناسبة للاحتماء اذا ما اندلعت حرب..
وانطلاقا من هذه المعطيات لا توجد اي مؤشرات جدية على مواجهة قريبة، ووفقا للمعلومات، حرصت اوساط ديبلوماسية غربية على تمرير «رسائل» «طمأنة» الى بيروت حيال «النوايا» الاسرائيلية، حيث جرى ابلاغ الجانب اللبناني ان الحكومة الاسرائيلية «المشغولة» في التحضير للانتخابات غير معنية بالتصعيد على الرغم من تعثر مفاوضات الترسيم، وكذلك جرى التاكيد انها لا تعتبر كلام السيد نصرالله مهددا «للاستقرار» على الحدود ما لم يقرن بتحركات عملانية، وهي ترى ان «قواعد الاشتباك» لم تتغير وستواصل ملاحقة تنامي قدرات حزب الله في الاراضي السورية ولا نية لديها بتجاوز الحدود اللبنانية.
وقد علقت اوساط مقربة من حزب الله على هذه المعطيات، بالتاكيد على ان اسرائيل تطبق حرفيا المثل العربي «مجبر اخوك لا بطل»، فلا احد يمكنه ان يصدق انها تحولت الى «حمامة سلام»، لكن الواقعية الميدانية تفرض عليها اجراء حسابات دقيقة قبل الاقدام على اي رد فعل غير محسوب، وهي تعرف ان القوة الموجودة على الجانب الاخر من الحدود غير قابلة «للمس» وستكون مؤذية جدا في اي حرب مقبلة، خصوصا ان ما تعرفه يبقى «راس جبل الجليد».. «وما خفي اعظم» وسيكون «ام المفاجآت» التي لم تخطر على بال احد في كيان العدو.
اما على المستوى الداخلي، فتشير اوساط سياسية مطلعة الى ان حادثة قبرشمون-البساتين على «فظاعتها» تكفي للدلالة على ان احدا من القوى في الداخل غير معني بتصعيد يؤدي الى «خراب الهيكل»، وما حصل من «ضبضبة» لذيول الحادث على الرغم من وجود ضحايا وجرحى من الجانبين، اعطى مؤشرا شديد الاهمية على ان «الاصابع» الخارجية غير معينة ايضا بالتفجير خصوصا ان اجهزة الاستخبارات المتنوعة موجودة على الساحة اللبنانية، ولو كان ثمة قرار بتصعيد الموقف، لكانت دخلت اكثر من جهة لتخريب محاولات «لملمة» تداعيات تلك الجريمة، وقد اكتفت السفارات الغربية والعربية بتسجيل ملاحظاتها، وكانت التقارير الامنية الصادرة عنها مطمئنة، وهي اكتفت بتوصيف الوقائع، بعدما طلبت معطيات محددة من الاجهزة الامنية اللبنانية، ولم يصدر عنها اي توصيات يمكن تصنيفها بـ «باللون الاحمر» واكتفت البعثات الديبلوماسية الرئيسية بإعطاء «اللون البرتقالي» للاحداث، وهو تصنيف «متوسط» الخطورة يشير الى ان الحادث «تحت السيطرة» ولا يحمل ابعادا ذات مؤشرات تستدعي التدخل او اتخاذ اجراءات احترازية لرعايا هذه الدول.
اما التصعيد السياسي المتصل بهذه الاحداث فلا يعدو كونه جزءا من «الفولكلور» اللبناني المعتاد حيث يسعى البعض الى «تكبير الحجر» كي يحصل على مكاسب متصلة بتعيينات ادارية في ظل دخول شركاء مضاربين على الخط، فيما البعض الاخر مهتم بتعزيز وضعه «شعبيا» ضمن طائفته في اطار الصراع المبكر على الرئاسة، ولا شيء خارج هذا الاطار من التنافس الداخلي غير المرتبط بالوضع الاقليمي، وهذا ما يعزز فرضية تمسك مختلف الاطراف بإيجاد مخرج امني- سياسي- قضائي لحادثة قبرشون بعيدا عن «تفجير» مجلس الوزراء حيث لا يملك هؤلاء اي خيارات بديلة في الوقت الراهن لان التسويات الداخلية لا تزال «مغطاة» من الخارج.
وفي هذا الاطار لم يقتنع الوزير جبران باسيل بعد ان حسم موقع الرئاسة الاولى غير متصل بزيارات، ولا بحسم من هو الاقوى في طائفته، لان لكل مرحلة ظروفها، في المقابل ليس صحيحا، برأي تلك الاوساط،ان دمشق تحرك حلفاءها في الداخل لاقصاء النائب السابق وليد جنبلاط، وانما المشكلة عند «المختارة» انها لا تريد ان تعترف بخسارة خياراتها الاقليمية والداخلية من خلال الاعتراف بوجود شركاء في الطائفة الدرزية، وفي هذا الاطار لا احد يرغب في اخراج «كليمونصو» من المعادلة اللبنانية وهو امر غير متاح اصلا، لكن ما هو غير مفهوم عدم «استيعاب» جنبلاط للمرحلة ومحاولته «حشر» حزب الله في «الزاوية» واغراقه بملفات داخلية صغيرة مع العلم ان «حارة حريك» كانت تتمسك بالحفاظ على «ربط النزاع» القائم معه في اصعب اوقات الحرب في سوريا، وحتى اليوم يبقى «الباب مواربا»، ولكن ثمة من دفعه توتره الى «حرتقات» لا معنى لها، ستعرقل «الحياة السياسية» لفترة معينة، وبعدها ستحل الامور على «الطريقة اللبنانية»..
وازاء هذه المؤشرات التي يضاف اليها عامل اقتصادي لا يزال متماسكا بقيادة المصرف المركزي «الموثوق» به خارجيا، حيث تشير المعطيات الى وضع مستقر اقله حتى العام 2022، يبقى الكلام السلبي مجرد تهويل في غير مكانه. واذا كانت مصداقية «الطبقة الحاكمة» تساوي «الصفر»، فهي ليست المؤشر على قرب انهيار هذا البلد «المنهوب»، فلو كان ثمة قرار بتفجيره لكان حصل ذلك بوجود «رعاة» صالحين «وبحبوحة» مالية… وحتى الان لا قرار.