Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 19, 2022
A A A
50 مليون دولار شهرياً لدعم القمح والأدوية المستعصية… ماذا عن المحروقات؟
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

لم يتعلم أولو الأمر في السياسة والاقتصاد من الدرس الحديث والدروس التي سبقته والعبر التاريخية في الدول الأخرى التي أفضت الى قاعدة اقتصادية ثابتة: الدعم المباشر هو سمّ بطيء يفتك بالمالية العامة وباحتياطات العملة الصعبة في الدول النامية. وبالرغم من هدر عشرات مليارات الدولارات على الدعم أخيراً، الذي ذهب بمعظمه الى جيوب المهرّبين والتجار ورعاتهم من الأحزاب والسياسيين، لا تزال هذه السلطة، بعدم رفض أو ممانعة جدّية من مصرف لبنان، تمارس دسّ السمّ البطيء في ما بقي من احتياطات مصرف لبنان بالعملة الصعبة.

ليست خافيةً توصيات مؤسّسات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين وتحذيرات خبراء اقتصاديين ومفادها أن لبنان لن يستطيع الاستمرار في ممارسة الدعم على أي سلعة حتى لا يسقط آخر ما بقي له من عملات صعبة في خزائن مصرف لبنان، التي هي في الأصل جزء من أموال المودعين وُضعت كأمانة في البنك المركزي، ولكن على الرغم من ذلك، لا يزال بعض أهل السلطة يتهيّب الشروع في اتخاذ قرار تاريخي بوقف دعم المحروقات وترك توازنات السوق تحدّد الأسعار، بغية إقفال نزف الخسارة التي يتكبّدها مصرف لبنان بسبب إلزامه تأمين المحروقات على سعر صيرفة الذي يقلّ عن السعر الفعلي للدولار ما بين 5 و6 آلاف ليرة.
وأكد مصدر في مصرف لبنان لـ”النهار” أن الأخير يدعم مباشرةً الأدوية المستعصية والقمح بنحو 50 مليون دولار شهرياً (35 مليون دولار للأدوية المستعصية والمزمنة، و15 مليون دولار للقمح). أما بالنسبة للمحروقات فيتم عبر صيرفة (85% من فاتورة الاستيراد على سعر صيرفة). وهذا الدعم مستمرّ، ولا نيّة لوقفه حالياً، وفق ما تؤكد المصادر. أما بالنسبة للمحروقات فإن مصرف لبنان مستمر حتى الآن في تأمين دولارات استيراد البنزين وفق سعر منصة “صيرفة”، وقرار التوقف عن هذا الإجراء والطلب من المستوردين التوجّه إلى السوق السوداء مع ما يتطلب هذا الأمر من تدابير تنظيمية تتخذها الحكومة. لكن المصدر لم ينف أن ثمة نيّة لوقف دعم البنزين عبر منصة “صيرفة” خصوصاً أنها تستنفد كميات كبيرة من الدولارات، على أن يستمر تأمين الدولارات للمازوت فقط لمصلحة كهرباء لبنان بغية تأمين الكهرباء 10 ساعات في مقابل رفع التعرفة طبقاً لاقتراح وزير الطاقة وليد فياض.

أما كلفة الدعم فقدّرها المصدر بنحو 10 مليارات دولار للقمح والأدوية والبنزين والمحروقات والسلع الغذائية منذ بدء الأزمة، لافتاً الى أن الحصة الكبرى من الدعم ذهبت للمحروقات التي كنّا نشتريها على سعر صرف 1500 ليرة للدولار.

وتتقاطع تأكيدات مصادر مصرف لبنان مع ما أعلنه عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، أنّ “حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أبلغنا نيّته وقف دعم البنزين للشركات المستوردة للنفط عبر منصّة صيرفة، لكنّه لم يحدّد تاريخاً لذلك”. لكن خطوة استمرار دعم المازوت دون البنزين فسّرتها مصادر اقتصادية بأن أولياء الأمر الفعليين في الدولة ممّن يمسكون بزمام معابر التهريب أصرّوا على هذا الأمر لحاجتهم القصوى الى هذه المادة ومردودها وحاجة مؤسسة عسكرية في دولة شقيقة لها. وتضيف المصادر “لكن لا يسع أيّ عاقل إلا أن يجد نفسه منحازاً الى أي قرار تتخذه الدولة تقرّ من خلاله الدعم الكلي أو النسبي على الأدوية السرطانية وعلاجات غسل الكلى وبعض العمليات الجراحية الكبرى وأدوية الأمراض العصبية والمستعصية والقمح لصناعة الرغيف التي لن “تكسر” ميزانية مصرف لبنان”.

وفيما يؤكد مصرف لبنان أنه يخصّص نحو 15 مليون دولار شهرياً لدعم استيراد القمح، تعاني البلاد من أزمة خبز حادّة ربطها بعض المعنيين بصناعة الخبز بعدم توافر الدولارات لدعم الاستيراد، فيما يلوّح أصحاب الأفران التي تنتج الخبز العربي بالتوقف عن الإنتاج في مطلع الأسبوع المقبل بسبب توقف المطاحن عن تسليم الطحين. وهذا الامر سيؤدي حتماً الى تفاقم الأزمة خصوصاً بعدما وصل سعر كيس الطحين زنة 50 كيلوغراماً الذي كان يُسلّم إلى الأفران وفق تسعيرة وزارة الاقتصاد بـ250 ألف ليرة، إلى مليون و150 ألف ليرة.

ويأتي الحديث عن الأزمة على الرغم من تأكيد وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أن “كمّية القمح المدعوم التي دخلت البلاد تكفي لمدّة شهر ونصف، وكما هو واضح بالأرقام فإن هناك سرقة للمال العام من قبل القطاع الخاص وهناك مصالح معيّنة سواء أفران أو مطاحن أو تجّار يستفيدون من القمح المدعوم”. فالمطاحن بدأت تتوقف تباعاً عن تأمين الطحين للأفران لإنتاج الخبز وتوزيعه على المناطق، ما انعكس انقطاعاً للخبز بنسب متفاوتة وإن بدت الأزمة واضحة أكثر في مناطق الجنوب بسبب توقف معظم الأفران عن العمل نتيجة عدم توافر الطحين.

وكان الوزير سلام قد أعلن أن مخزون القمح لدى المطاحن بين 40 و45 ألف طن، فيما يحتاج السوق إلى نحو 36 ألف طن شهرياً، مؤكداً في الوقت عينه أن دعم الاستيراد مستمر.