كتب ناصر قنديل في “البناء”:
في 5 حزيران 1967 شنّ جيش الاحتلال حرباً على جبهات مصر والأردن وسورية ونجح خلال ستة أيام بهزيمة جيوشها واحتلال شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية والجولان السوري، بما يعادل أضعاف الأراضي التي احتلها عام 1948، وما أتاح له إضافة لامتلاك قدرة ردع إقليمية توجته كلاعب محوريّ في منطقة شديدة الأهمية من الناحية الاستراتيجية في صراعات العالم الذي تقع في قلبه التاريخي والجغرافي، ومن الناحية الاقتصادية كأهم مورد للطاقة في أسواق العالم.
– في 4 – 5 حزيران 1982 شنّ جيش الاحتلال حرباً على لبنان حيث اجتاح قرابة 50 ألف جندي لبنان وصولاً إلى عاصمته، حيث تمكن رغم المواجهات التي اعترضت طريقه أن يفرض حصاراً على الشطر الغربي من العاصمة حيث كان يتحصّن مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية ومئات المقاتلين اللبنانيين، وصولاً إلى اتفاق أنجزه المبعوث الأميركي فيليب حبيب قضت بانسحاب مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، في 21 آب، لكن جيش الاحتلال بدلاً من الانسحاب تحت عنوان تنفيذ المهمة، دخل العاصمة اللبنانية رغم ما تضمّنه الاتفاق من تعهدات بعدم دخولها، وضمن انتخاب رئيس للجمهورية يبدأ التفاوض على اتفاق سلام عرف باتفاق 17 أيار 1983، لكن الحرب هذه المرة لم تكن كسابقتها قبل 15 سنة، فقد انطلقت بوجه الاحتلال مقاومة لبنانية متعددة المصادر العقائدية والسياسية، استمرّت 18 عاما حتى فرضت عليه في 25 أيار عام 2000 الانسحاب المهين لأول مرة منذ قيامه، بعدما نجحت بإسقاط اتفاق 17 أيار بعد أقل من عامين على ولادته.
– يحل 5 حزيران 2025 والمنطقة في قلب حرب ممتدة منذ أكثر من سنة ونصف، هي أطول حروب كيان الاحتلال، وأشدّها وحشية، وأكثرها غموضاً في نهاياتها، وقد نال لبنان منها نصيب كبير من الخسائر المعنوية البشرية والمادية، حيث إضافة لاستشهاد الآلاف من بيئة وبنية المقاومة وتدمير آلاف المنازل في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، خسرت المقاومة قائدها وكثيراً من قادتها ومقاتليها، والكثير من صورة معادلة الردع التي رسمتها سنوات طوال حمت خلالها لبنان من العدوان والاحتلال، ورغم أن الاحتلال فشل في اختراق الجبهة الحدودية بفضل بسالة مقاتلي المقاومة وثباتهم لستين يوماً من القتال المجيد بوجه أغلب فرق جيش الاحتلال، فقد خرج لبنان من جبهة إسناد غزة مرغماً، وقبل بوقف لإطلاق النار قام خلالها جيش الاحتلال بالاحتفاظ باحتلال أراضٍ لبنانية جديدة وواصل عدواناً يقتل يومياً المزيد من مقاتلي المقاومة ودمر خلالها ما عجز عن تدميره خلال الحرب.
– يدور في لبنان نقاش مصيريّ حول كيفية إدارة مرحلة ما بعد هذه الحرب، فمن جهة تيار لم يؤمن يوماً بمقاومة الاحتلال وساند على الدوام اتفاقات السلام والتطبيع معه، هو تيار اتفاق 17 أيار ذاته، ومن جهة مقابلة تيار شعبي وسياسي لم يكن مع المقاومة ويتمسك باستعادة السيادة اللبنانية من هيمنة وعدوان الاحتلال، لكنه يعتقد أن المقاومة فشلت في تحقيق ذلك وعليها ان تخلي الساحة للدولة التي أعيد تشكيلها في ظل الحرب بصورة وضعتها ضمن حلف عربي دولي يزعم انه قادر على إخراج الاحتلال ووقف العدوان، ويلقي على المقاومة بمسؤولية الحرب، وعلى عدم دقة حساباتها بالفشل في الوفاء بتعهداتها بالدفاع والتحرير، ومن جهة ثالثة تيار متمسك بالمقاومة يسمع الشتائم والتهديدات ويغض النظر عنها، ويعضّ على جراحاته، وهو مَن دفع فاتورة العدوان وهو مَن خسر الأبناء والآباء والزوجات والأطفال والبيوت، ويتحدث بتواضع عن البحث حول كيفية مواجهة الوضع الجديد، عبر أوسع توافق وطني، لا مشكلة في تقديم تنازلات كثيرة لأجل صناعته، شرط وضوح الصورة حول كيف يمكن حماية لبنان في هذا الشرق المتغير المتفجر، ولبنان محاط بالغموض حول مآلات الوضع في حرب الكيان على غزة، ورهانات حروب التوسّع، ومحاط من جهة مقابلة بسورية جديدة مليئة بالمفاجآت، والرهانات وحسابات دولية وإقليمية مستعدة لمقايضة المساومة على هوية نظام سورية الجديد وخلفياته وكيفية إدارته لملفات الأمن والسياسة مقابل انخراطه في حلف مع “إسرائيل”.
– في قلب هذا النقاش يشدد رئيس الحكومة نواف سلام على سعيه لاستعادة الدولة قرار الحرب والسلم كاملاً، وسط سؤال محاوره، إذا كانت نسبة توزع المقاومة وكيان الاحتلال قبل إعلان وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، للاستيلاء على قرار الحرب والسلم مناصفة، فما هي نسب توزع هذه النسب اليوم بينهما، والمقاومة ابتعدت عن جبهة التماس مع جيش الاحتلال التي تولتها الدولة وبات بيدها بعض من قرار الحرب والسلم، والمقاومة تنازلت عن حق الدفاع الذي نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار لحساب الدولة، التي تكون بذلك قد استعادت جزءاً إضافياً من هذا القرار، وربما يبقى بيد المقاومة جزء يسير من النصف الذي كان مع المقاومة قبل وقف إطلاق النار، بما بقي معها من سلاح، فلماذا يُصرّ رئيس الحكومة على إنجاز استرداد هذا الجزء اليسير دون أن يستخدم ما استردته الدولة في إمساك الجغرافيا والقرار القانونيّ لحق الدفاع وفق اتفاق وقف النار، ودون أن يسأل عن النسبة التي يستولي عليها الاحتلال منفرداً، فيصنع الاحتلال الحرب على هواه، ويتمادى ولا من ينازعه على قرار الحرب والسلم، وقد صرنا أمام نسبة 90% من القرار بيد الاحتلال و10% بيد المقاومة، ورئيس الحكومة لا يريد أن ينازع الاحتلال على الـ 40% التي تنازلت عنها المقاومة للدولة فصارت بيد الاحتلال، فكيف ينازع على النصف الذي كان بيد الاحتلال أصلاً؟
– هل هذه هي دروس 5 حزيران في الإجابة عن سؤال كيف نحمي بلدنا ونحرر أرضنا ونمنع العدوان؟