Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر January 11, 2019
A A A
لبنان على صفيح ساخن عشيّة القمة وغياب الحكومة… والعين على بعبدا!
الكاتب: البناء

يصحّ القول بترنّح الواقع السياسي الذي ينبئ بمخاطر المزيد من التفكك والضعف، وربما الدخول في أزمات مديدة مع التجاذب الذي سيطر على المشهد السياسي حول مصير القمة العربية التي بدا أن البحث بتأجيلها يدور على ثلاث جبهات: واحدة تتصل بالغياب الحكومي وقد عبّر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري بوضوح، والثانية تتصل بعدم دعوة سوريا وقد شملت كل قوى الثامن من آذار، فبعد كلام الرئيس بري جاء بيان كتلة الوفاء للمقاومة وموقف رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وتلاه أمس موقف صادر عن اللقاء التشاوري واجتماع الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية، والجبهة الثالثة تمثلها دعوة ليبيا على خلفية عدم تعاون الحكومة الليبية في قضية اختفاء الإمام السيد موسى الصدر. وهو ما سيكون موضوع موقف للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اليوم.

مصادر متابعة قالت إن لبنان بغنى عن القمة التي لن تكون مناسبة لخير للبنان وبات واضحاً أنها ستعمّق أزماته وخلافاته وتضعه على صفيح ساخن، والأفضل أن يأخذ رئيس الجمهورية بالمخرج الذي يعرضه رئيس مجلس النواب بطلب التأجيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد قبيل القمة، والتأجيل لما بعد المصالحات العربية مع سوريا سيفيد لبنان ويفيد موضوع القمة المرتبط بشكل مباشر بالبعد الاقتصادي ومحوره الاستعداد لإعادة إعمار سوريا وفقاً لبند إنشاء صندوق عربي للإعمار معلوم أن المقصود به سوريا.

دعوة ليبيا عائق إضافي أمام «القمة»

يبدو أن المشهد الداخلي يتّجه الى مزيد من التأزم والتعقيد والغموض، فبالإضافة الى السخط الشعبي من الدولة وأركانها ومؤسساتها ومسؤوليها لِما حلّ بهم وبممتلكاتهم وشوارعهم ومصالحهم جراء العاصفة المناخية «نورما» والفضائح التي كشفتها في هشاشة البنى التحتية التي تفضح بدورها الفساد في صفقات التلزيم، تكاد الحكومة تخرج من حسابات القوى السياسية التي سلمت بصعوبة تأليفها في الأمد المنظور أقله الى ما بعد القمة الاقتصادية العربية وربما الى ما بعد انعقاد القمة العربية في آذار المقبل، ما سيلقي بثقله على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي لم تعد تحتمل هذه المماطلة في تشكيل الحكومة.

وفي خضم هذا المشهد الحكومي السوداوي تحوّلت قضية انعقاد القمة الاقتصادية في بيروت خلافاً على المستوى الوطني، وتتسع دائرة الخلاف إذا ما أضفنا دعوة ليبيا الى حضور القمة ما لاقى اعتراضاً شديداً من حركة أمل ورئيسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري وأوساط الطائفة الشيعية، وسط السجال الدائر بين الحركة ووزير العدل سليم جريصاتي بخصوص قضية الموقوف هنيبعل القذافي. ما دفع برئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الى الدعوة لاجتماع طارئ لهيئتيه الشرعية والتنفيذية، اليوم للبحث في «تداعيات دعوة ليبيا الى المشاركة في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المنوي عقدها في بيروت، وتأكيد الثوابت الوطنية في متابعة قضية اختطاف الإمام المؤسس السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والإعلامي عباس بدر الدين».

بينما تحدثت مصادر إعلامية عن اتجاه لدى مناصري حركة أمل الى تنظيم احتجاجات شعبية رفضاً لمشاركة الممثل الليبي وقطع طريق المطار لمنع انتقال الوفد الليبي الى مكان انعقاد القمة.

وأصدرت عائلة الإمام الصدر بياناً أكدت فيه ان «من واجب أي مسؤول لبناني ملتزم بما يرد في البيانات الوزارية للحكومات المتتالية التي تتبنى قضية الإمام أن يدعم هذه القضية الوطنية وأن يمتنع عن أي تطبيع مع الدولة الليبية»، إلا أن التحضيرات للقمة في بعبدا قائمة ومستمرة وقد بدأت رئاسة الجمهورية بتوجيه بطاقات الدعوة الرسمية الى الوزراء والنواب والمسؤولين اللبنانيين للمشاركة في الجلسة الافتتاحية للقمة الأحد 20 الحالي.

تراكم ملفات الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية خلال الأسبوع الماضي دفع ببعض الأوساط المحلية الى التحذير من اتساع مساحة الخلاف بينهما وانعكاسها سلباً على إدارة الدولة، إلا أن مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير أوضحت لـ«البناء» أن «موقف الرئيس بري من رفض عقد القمة بلا سوريا ليس موجهاً الى رئيس الجمهورية، بل انطلق رئيس المجلس من حرصه على نجاح القمة وخشيته من أن يترك عقدها تداعيات سلبية على لبنان لا سيما على الصعيد الاقتصادي»، مشيرة الى أن «بري ليس ضد عقد أي قمة عربية، خصوصاً في لبنان، لكن توقيت القمة دقيق وحساس لا سيما مع افتتاح موسم العودة العربية الى دمشق فضلاً عن أن مواضيع القمة خصوصاً إعادة الإعمار يجعل من نجاحها بلا حضور سوريا ومشاركتها في تطبيق أي قرارات أمراً مستحيلاً».

وتساءلت المصادر: كيف تُستبعد سوريا في ظل العلاقات الدبلوماسية القائمة بين الدولتين اللبنانية والسورية؟، «فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي تأجيل القمة بضعة أسابيع لتكون هناك حكومة جديدة ويصبح المشهد العربي أكثر وضوحاً مع حسم مسألة عودة سوريا الى الجامعة العربية»، وشدّدت على أن «علاقة رئيس المجلس مع سورية لطالما كانت جيدة وستبقى ولا أحد يزايد على موقف الحركة ورئيسها في هذا الإطار، فهي مواقف معروفة بوطنيتها وقوميتها ووقوفها مع سورية قيادة وجيشاً وشعباً في كل المراحل والظروف».

أما فيما خصّ مسألة دعوة ليبيا الى حضور القمة فبينت المصادر أن «هذا موضوع منفصل عن دعوة سوريا، فسبب دعوة بري تأجيل القمة ليس دعوة ليبيا، بل إن أمل ضد مشاركة أي ممثل عن النظام الليبي لا الآن ولا في في المستقبل قبل مبادرة هذا النظام الى معالجة قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه»، مشيرة الى أن «دعوة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى للانعقاد في اجتماع عاجل يؤشر الى أهمية وخطورة هذا الملف»، وفيما علمت «البناء» الى اتجاه لدى المجلس بتصعيد الموقف في هذا الملف، رفضت المصادر استباق مقرراته، لكنها قالت «بالتأكيد سيكون موقفاً حازماً وشديد اللهجة».

ولفتت المصادر الى أن «وزير العدل لم يستطع إثبات وجود مراسلات بين الأمم المتحدة ووزارة العدل عن قضية احتجاز هنيبعل القذافي، مكتفية بالرد الذي صدر عن النائب علي بزي و»لا نريد السجال مع أحد».

إلى ذلك وانسجاماً مع توجهات الرئيس بري، أعلن رئيس ادارة قناة الـ«ان بي ان» في بيان، عن مقاطعة التغطية الإعلامية للقمة، وأشارت الى «ان «قرار المقاطعة يأتي انسجاماً مع الدعوات لتأجيلها بسبب عدم دعوة الشقيقة سورية اليها وعدم الدخول في لعبة التجاذبات والترويج الإعلامي لتصفية الحسابات العربية العربية على أرض لبنان».

وفيما لم يرشح أي جديد حول مسألة مصير القمة ودعوة سوريا إليها، يتأرجح الأمر بين احتمالين اثنين: إما تأجيل القمة لشهرين أي إلى ما بعد تأليف الحكومة والقمة العربية في آذار المقبل، وإما إيجاد آلية متفق عليها بين لبنان وجامعة الدول العربية تقضي بدعوة سوريا، ولفتت مصادر دبلوماسية لـ«البناء» الى «أنه عندما تتفق الدول الفاعلة في الجامعة العربية على دعوة سوريا تعطي الضوء الأخضر لمجلس وزراء الخارجية العرب للانعقاد وتوجيه الدعوة، لكن ذلك بحسب المصادر مرتبط بالقرار النهائي للدول العربية والخليجية تحديداً في الانفتاح على سوريا والمفاوضات في المنطقة».

لكن السؤال المطروح ما هو موقف لبنان في ما لو استغلت بعض الدول منبر القمة لتوجيه سهام الاتهام والتهجم على سوريا؟ فهل ستتحول من قمة لتنمية لبنان الى منصة لإطلاق المواقف العدائية تجاه سوريا وتصفية الحساب معها ومفاوضتها على قرار الانفتاح عليها وتدفيع لبنان الأثمان السياسية والاقتصادية؟ وماذا لو حمّلَت سوريا لبنان مسؤولية هذه المواقف لكونها تنطلق من أرضه واعتبرتها تهديداً مباشراً لها وللعلاقة مع لبنان وردّت بالمعاملة بالمثل باتخاذ مواقف سياسية ضد حكومة لبنان تترجم بقرارات على المستويات الاقتصادية؟

الحكومة في مهبّ العواصف

ويبدو أن الحكومة أصبحت في مهب العواصف السياسية الداخلية والخارجية التي هبّت على لبنان، إذ تقاطعت معلومات أكثر من مرجع سياسي معني بالتأليف، أن لا حكومة في القريب العاجل، والحراك على خط المؤلفين مجمّد حتى إشعار آخر، بينما التركيز ينصب على موضوع القمة.

وأعلن «اللقاء التشاوري» بعد اجتماعه في منزل النائب فيصل كرامي أننا «غير معنيين بأي أفكار ومبادرات قبل أن تُطرح علينا ونؤكد أن المفتاح الوحيد للأبواب الموصدة بيد الحريري»، مشيراً الى «اننا لا نزال عند موقفنا الإيجابي تجاه المبادرة رغم تعثرها من خلال توزير أحد الأسماء الثلاثة التي طرحناها أو أحد منا على أن يكون الوزير الممثل الحصري للقاء التشاوري في الحكومة»، بينما أكّد الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري أنّ الرئيس المكلف «لن يشكل إلا حكومة ائتلاف وطني تراعي مقتضيات المرحلة، ولن يقبل بأي مساس بصلاحيات رئيس الحكومة».

على صعيد دعوة الرئيس بري الى تفعيل حكومة تصريف الأعمال لإقرار موازنة 2019، قال الرئيس المكلف سعد الحريري ردّاً على سؤال حول هذه الدعوة: «كل شيء ممكن». وعن جلسات حكومية لإقرار موازنة 2019، قال الحريري «الموضوع قيد التشاور». وأوضحت مصادر الرئيس بري لـ«البناء» الى أن «رئيس المجلس لم يطرح تفعيل حكومة تصريف الإعمال بالمفهوم الواسع بل حصرها بموضوع إقرار الموازنة لعام 2019 للانتظام المالي ومنعاً لأي هدر في الموازنة العامة في حال تم الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية، وانطلق بدعوته من خطورة الوضع الاقتصادي»، إذ نقلت مصادر نيابية لـ«البناء» عن أحد الوزراء المعنيين قوله في اجتماع نيابي: «أننا كحكومة ومسوؤلين اصبحنا نعمل فقط لإدارة تفليسة الدولة»، مشيرة الى أن «مؤسسات الدولة تعاني من ضياع على كافة المستويات»، في حين كشفت مصادر رسمية معنية بالشأن المالي والاقتصادي لـ«البناء» أن «الدولة لم تستطع في الشهرين الماضيين دفع رواتب وأجور موظفي القطاع العام، إلا أن تدبيراً موقتاً اتخذته وزارة المال مع مصرف لبنان لتأمين الرواتب من عائدات شركات الهاتفي الخليوي «ألفا» و«أم تي سي» وعائدات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنها حذرت من تكرار الأزمة في حالم لم تقر الموازنة وتؤلف الحكومة لمعالجة العجز في الموازنة وميزان المدفوعات وفي خزينة الدولة عموماً».

توتر على الحدود

فيما يتخبّط لبنان بأزماته الداخلية، دخل العدو الإسرائيلي من جديد على الخط، حيث وضع جيش الاحتلال 9 بلوكات إسمنتية في منطقة التحفظ في نقطة خلة المحافر في العديسة جنوب لبنان. وهي منطقة متنازع عليها على الخط الأزرق في مستعمرة «مسكفعام» وافاد مراسل قناة المنار في الجنوب عن استنفار للجيش اللبناني في المنطقة .

وعلى الأثر عقد المجلس الأعلى للدفاع اجتماعاً استثنائياً برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا وحضور رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والوزراء المعنيين وقادة الأجهزة الأمنية، لبحث العدوان.

واعتبر المجلس أن «ما يحصل على الحدود الجنوبية من قبل جيش العدو الإسرائيلي هو اعتداء على الأراضي اللبنانية وخرق للـ 1701 «، كاشفاً عن أنه «قرّر تقديم شكوى لمجس الأمن في الخروق الإسرائيلية ، كما تكثيف حراك لبنان الدبلوماسي مع الدول في مجلس الامن لشرح موقف لبنان وكذلك طلب اجتماع طارئ للجنة الثلاثية، للبحث في هذه الخروقات».

وإذ انعقدت اللجنة الثلاثية في رأس الناقورة برئاسة قائد قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ، كشفت المعلومات أن الجانب اللبناني أبلغ كيان الاحتلال في الاجتماع بضرورة وقف الأعمال في المنطقة المتحفظ عنها، لكن الأخير رفض.

وأوضحت قيادة الجيش في بيان أن «الجانب اللبناني أكّد ضرورة الانسحاب الكامل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم المحتل من بلدة الغجر، كذلك أشار إلى موضوع التنصت والتشويش على شبكة الاتصالات اللبنانية، مطالباً بالتوقف الفوري عن إرسال رسائل التهديد إلى هواتف المواطنين اللبنانيين من قبل العدو الإسرائيلي، في سياق تدمير الأنفاق».

وقد جاءت الاعتداءات الإسرائيلية على وقع زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى المنطقة وإطلاق تهديدات ضد حزب الله ومحور المقاومة، حيث قال بومبيو بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن «حزب الله قوة كبيرة في لبنان لن نقبل فيها كأمر واقع ونعمل على تقليل تهديد ترسانته الصاروخية على إسرائيل»، مبدياً رفض «أميركا للتمدد الإيراني في سوريا ولبنان وسيناء وندعم اسرائيل في محاربة هذا التمدد»، بينما وضعت مصادر دبلوماسية لـ«البناء» الكلام الأميركي في اطار رسائل الطمأنة لـ«إسرائيل» بعد قرار الانسحاب من سوريا والضغط السياسي والإعلامي على حزب الله، مستبعدة اية مفاعيل عسكرية وأمنية له.