Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر October 4, 2018
A A A
تركيا في شرق المتوسط: تصعيد أم تأمين مصالح؟
الكاتب: الأخبار

أحيت توصية للبحرية التركية بإنشاء قاعدة للقوات التركية في مياه البحر الأبيض المتوسط، نقاشاً سابقاً حول إقامة قاعدة مماثلة في الجانب التركي من جزيرة قبرص. توقيت التقرير التركي، وسط ازدحام المنطقة بالوجود العسكري لقوى دولية عدة، أثار جملة أسئلة حول الأهداف والجدوى وطموح أنقرة الجيوسياسي

تكاد المياه الدولية لشرق البحر الأبيض المتوسط ​​تنفد من الفضاء الحر، وتصبح أكثر ازدحاماً بعناصر الأسطول السادس للولايات المتحدة، والسفن البحرية الروسية المدجّجة بفرقة العمل المتوسطية الروسية، إضافة إلى الغواصات البريطانية، والفرقاطات الفرنسية وغيرها. بالطبع فإنّ الأزمة في سوريا والتنافس على احتياطيات النفط والغاز وجملة مطامع ومصالح أخرى تقف وراء هذا التركيز العسكري البحري غير المسبوق. وأدت التوترات المتزايدة والتحركات العسكرية البحرية في منطقة شرق المتوسط إلى إحياء النقاش في تركيا حول إقامة قاعدة بحرية دائمة في الجزء التركي من قبرص (جمهورية شمال قبرص التركية، أو جمهورية شمال قبرص). وفقاً لتقارير تسرّبت إلى وسائل الإعلام التركية، قدّمت البحرية التركية تقريراً وتوصية لوزارة الخارجية حول الحاجة الملحة إلى إنشاء قاعدة في مكان مناسب هناك. وأشار التقرير إلى أن مثل هذه القاعدة، بالإضافة إلى ضمان «الحقوق السيادية» لشمال قبرص، ستحافظ أيضاً على حقوق ومصالح شمال قبرص وتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط​، ومنع انتهاكات مناطق الطاقة البحرية، ومنح شمال قبرص وتركيا أوراقاً أقوى في أي مفاوضات قد تستأنف بشأن الأزمة القبرصية. وتشير التوصية إلى أن القاعدة البحرية المقترحة يجب أن تكون على غرار القاعدة ذات السيادة البريطانية في «قبرص الرومية».
ونقلت صحيفة «yeni akit» التركية عن مصادر أمنية في أنقرة مناقشة الفكرة في المستويات العليا للحكومة. كذلك، لاحظت الصحيفة اهتمام صناع القرار التركي بشكل أكثر من المعتاد بـ«الحقوق السيادية» لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، بينما تقوم أنقرة بالفعل بتنفيذ عملية الدرع المتوسطية منذ عام 2006 لـ«الدفاع عن مصالحها في شرق البحر الأبيض المتوسط».
في الوقت الحالي، تقوم غواصة واحدة وفرقاطة واحدة وزوارق دورية بمراقبة شرق الجزيرة. علاوة على ذلك، تعمل طرادات تركية أخرى مع قوات الأمم المتحدة في لبنان للكشف عن دخول الأسلحة والمعدات المحظورة في المياه اللبنانية. ومن أجل عدم التخلي عن مبادرتها في المنطقة الاقتصادية الخالصة والسماح لأمر واقع على الجرف القاري، نشرت تركيا قوة بحرية كبيرة مشكّلة من غواصتين و14 سفينة حربية في شرق البحر المتوسط ​​لفترة موقتة كما قالت. هذه القوة مدعومة حالياً من مرافئ إسكندرونة ومرسين. لكن على البحرية أن تشارك هذه الموانئ بالسفن المدنية، ما يحدّ من إعادة الإمداد والصيانة والإصلاح والدعم التي يمكنها توفيره. تقع أقرب قاعدة بحرية تركية رئيسية في منطقة أقصاز «Aksaz»، التي تقع على الساحل الجنوبي الشرقي لبحر إيجه في مدينة مرمريس.

ويعتقد الرائد السابق في البحرية، ديفريم يايلالي، أن توصية البحرية بإنشاء قاعدة دائمة في شمال قبرص هي واحدة من أهم التطورات الجيوسياسية في الآونة الأخيرة. ويقول في حوار تلفزيوني مع قناة «NTV» التركية: «مثل هذه القاعدة في شمال قبرص ستوفر تسهيلات كبيرة للبحرية. قبل كل شيء، سيتم اختصار الوقت اللازم لسفر البوارج إلى مناطق العمليات، وبالتالي (السماح لهم) بتمديد إقامتهم في المنطقة». وأضاف: «لا توجد مرافق صيانة وإصلاح عائمة للبحرية التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتوفير هذه المرافق مع وجود قاعدة دائمة، يعني أن هذه السفن لن تضطر للذهاب إلى مرفأ أقصاز في مدينة مرمريس، أو إلى أحواض بناء السفن مثل حوض علي بيه في ازمير للصيانة والإصلاحات». ويقدر خبراء أن منطقتي غوزاليورت وفاماجوستا في قبرص التركية، مناسبتان لمثل هذه القاعدة الدائمة، حيث إنهما أقرب إلى المناطق التشغيلية للسفن التركية، ولديهما بنى تحتية جيدة للتواصل والنقل، بالإضافة إلى وجود مدن رئيسية قريبة يمكنها دعم القاعدة. ومن المهم أيضاً حماية القاعدة الدائمة من التهديدات المحتملة من البر والجو، لذلك من المتوقع أن يرسو فيها عدد من الغواصات، بالإضافة إلى طرّادات دورية قصيرة المدى وزوارق حربية وعدد من الفرقاطات التي لا بد من وجودها.
تقول أمينة أق تشاداغ، المؤرخة والخبيرة الاستراتيجية في شؤون البحرية التركية، إن أوروبا والولايات المتحدة تسعيان بشدة إلى عزل تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، وإن القوة التي تصارع تركيا قد انخرطت مع روسيا من جهة ومع كتلة «قبرص الرومية، اليونان، مصر وإسرائيل» من ناحية أخرى. وتشير أق تشاداغ إلى أن أنقرة يجب أن تتعلم البقاء على قيد الحياة بمفردها. وتضيف: «قد لا يكون هناك أي منطق عسكري لإقامة قاعدة بحرية على بعد 40 ميلاً فقط من قاعدتنا البحرية في الإسكندرونة، لكن الواقع الجيوسياسي يتطلب ذلك. في هذه اللحظة، لم يتحدد ما إذا كانت القاعدة المقترحة ستكون قاعدة تشغيلية لوجستية، أو قاعدة متطورة مع مرافق منع الوصول. وبطبيعة الحال، فإن غياب البنية التحتية التقنية واللوجستية في قبرص لتنفيذ مثل هذا المشروع سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنشاء مثل هذه القاعدة».

وقال خبير عسكري تركي، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار»: «إذا تم إنشاء مثل هذه القاعدة، أعتقد أنها ستكون خارج حدود منطقة فاماغوستا، وأنا واثق من أن البحرية التركية التي سيتم نشرها هناك ستضمن الهيمنة على المنطقة بمساعدة الفرقاطات العالية الجودة من الفئة G، والأسلحة المضادة للطائرات، بالإضافة إلى قدرات الغواصات المضادة للسطوح، والطوافات، ولن أكون مندهشاً إذا كانت القاعدة ستشمل أيضاً غواصات تقليدية ذات مستوى عالٍ من الردع». ويعتقد خبراء البحرية في أنقرة أن إقامة قاعدة بحرية خارج الحدود سيوفر ثقة بالغة في النفس، ليس فقط بالنسبة إلى البحرية التركية ولكن أيضاً للقوات المسلحة بأكملها. وبالإضافة إلى خطط إقامة قاعدة بحرية دائمة، تفكر تركيا أيضاً في إعادة تنشيط مطار مدني غير مستخدم حالياً. المطار الموجود في منطقة Gecitkale، يمكن استخدامه لتلبية احتياجات أنشطة الجيش في البحر الأبيض المتوسط. لكن مصادر أكدت أن هذه الخطة قد نوقشت، من دون اتخاذ أي إجراء بعد. ما هو واضح، أن أنقرة التي تشعر بالقلق إزاء الأنشطة الروسية والتفاهمات الروسية ــ اليونانية والقبرصية ــ اليونانية والإسرائيلية والمصرية، سوف تتخذ قريباً بعض الخطوات للدفاع عمّا تعتبره «حقوقها السيادية»، وهذا بدوره سيزيد من حدة التوترات الحالية في شرق البحر المتوسط.