Beirut weather 33.41 ° C
تاريخ النشر July 11, 2025
A A A
43 منتحراً منذ بدء الحرب: جرائم جنود العدو ترتدّ عليهم
الكاتب: أحمد العبد

كتب أحمد العبد في “الأخبار”

رغم محاولات التعتيم التي يفرضها جيش الاحتلال على ملف الجنود المنتحرين، وطمس الظروف التي تدفعهم إلى هذا الفعل، وذلك بهدف حفظ المعنويات في صفوف قوّاته وفي المجتمع الإسرائيلي، تكشف الوقائع المتتالية تنامي ظاهرة الانتحار داخل المؤسسة العسكرية، مدفوعة بارتدادات الحروب التي يشنّها العدوّ منذ قرابة سنتين.

وخلال الأسبوع الماضي، سُجّلت حالتا انتحار في صفوف جنود الاحتلال في ظروف مختلفة؛ الأولى لجندي احتياط أفاد موقع «واللا» العبري، الأحد الماضي، بأنه أنهى حياته بعد أشهر من «المعاناة» التي بدأت بمقتل اثنين من أصدقائه في هجوم السابع من تشرين الأول 2023، وتفاقمت مع «معاناته المستمرة خلال شهور الحرب الطويلة على غزة ولبنان وبعد ما شهده من فظائع وويلات هذه الحرب».

ونقل الموقع عن عائلة الجندي قولها إنه كان يشتكي باستمرار من «رائحة الجثث ومن الفظائع التي كان يشاهدها في ميدان المعارك»، وإنّ ابنها كان يتولّى «نقل جثث جنود من جبهتَي لبنان وغزة أثناء الحرب»، فيما أتى انتحاره بعد «محاولات متكرّرة للحصول على علاج نفسي، من دون جدوى». ورغم كل ذلك، رفض جيش الاحتلال دفن الجندي المنتحر في مراسم دفن عسكرية، ولم يُسجّله ضمن قتلى الحرب، بحسب الموقع.

أمّا الحالة الثانية، فكانت لجندي في لواء «غولاني» أقدم على الانتحار بإطلاق النار على نفسه داخل قاعدة «سدي تيمان» بعد عودته من القتال في قطاع غزة، حسبما كشفت وسائل إعلام عبرية، مساء الأربعاء، لافتة إلى أنّ الجندي انتحر «بعد خضوعه لتحقيق من قبل الشرطة العسكرية، حيث غادر الجندي قطاع غزة إلى القاعدة ليستريح من القتال، بينما كان محقّقو الشرطة العسكرية في انتظاره». وأضافت أنّ «التحقيق فُتِح ضدّه قبل نحو شهر، ثم قرّر قادته سحب سلاحه العسكري منه، لكنه أطلق النار على نفسه باستخدام سلاح صديق نائم»، لافتة إلى أنّ «صديقاً مقرّباً له قُتل في انفجار عبوة ناسفة الشهر الماضي في غزة».

وبحسب البيانات المتاحة للإعلام الإسرائيلي، فإنّ سلطات الاحتلال تقرّ بالارتفاع المتزايد في أعداد الجنود المنتحرين، والناجم عن تداعيات الإبادة الإسرائيلية المستمرّة في قطاع غزة؛ إذ كشفت وسائل الإعلام تلك عن انتحار 7 جنود منذ هجوم 7 تشرين الأول 2023 وحتى نهاية العام نفسه (أقل من 3 أشهر)، وانتحار 21 جندياً في عام 2024، فيما سُجّل انتحار 15 جندياً على الأقل منذ بداية العام الجاري حتى الآن، ممّا يرفع العدد الإجمالي إلى 43 حالة انتحار منذ بداية الحرب على غزة، وهو رقم مرشّح للازدياد في حال استمرّت الوتيرة الحالية.

تبرّر المؤسسة العسكرية ارتفاع ظاهرة انتحار الجنود بزيادة عددهم

ويثير هذا المسار التصاعدي لحالات الانتحار، قلقاً متعاظماً في صفوف قادة الجيش، خصوصاً في ظل ظروف العمل القاسية، سواء من ناحية طول مدة الخدمة أو الصعوبات الميدانية. إذ يلقي القتال الصعب في غزة، والذي لا تزال المقاومة قادرة عبره على الفتك بالجنود عبر الكمائن المحكمة، بظلاله على الحالة النفسية لهؤلاء، التي تثقلها أيضاً مشاركتهم في المجازر اليومية في القطاع. وبحسب وسائل الإعلام العبرية، فإنّ العديد من الجنود المنتحرين عاشوا تجارب قاسية أثناء القتال، في وقت تنحو فيه المؤسسة العسكرية إلى تبرير الظاهرة بزيادة عدد المجنّدين، خصوصاً في الاحتياط، لافتة إلى أنّ نسبة كبيرة من حالات الانتحار وقعت أثناء الخدمة الفعلية.

وتعليقاً على حالات الانتحار الأخيرة، تلفت صحيفة «هآرتس» إلى أنّ الأزمة النفسية لا تقتصر على الجنود فحسب، بل طاولت أيضاً «مستوطنين مدنيين»، مضيفة أنه «منذ بدء الحرب انتحر 11 مدنياً على الأقل، يعتقد أنّ مشاكلهم النفسية تعود إلى تجاربهم العسكرية، سواء في هذه الحرب أو في حروب سابقة».

وكانت الصحيفة نفسها قد أشارت إلى أنّ الجيش يقوم بتجنيد مصابين بصدمات وأمراض نفسية في الاحتياط، حتّى وهم يخضعون للعلاج، كما أنه يجنّد جنوداً سُرّحوا من الخدمة بسبب إصابتهم بأمراض نفسية، بسبب نقص عدد الجنود، مشيرة إلى أنّ عدد الجنود الذين يتلقّون العلاج من أمراض نفسية منذ بدء الحرب يتجاوز الـ9 آلاف.

ونقلت الصحيفة عن قائد عسكري إسرائيلي قوله إنّ الجيش «يضطر لتجنيد أشخاص ليسوا بحالة نفسية طبيعية بسبب عدم التزام جنود الجيش الإسرائيلي بالقتال»، مشيراً إلى أنّ آلاف الجنود في غزة توجّهوا إلى الجيش معلنين إصابتهم بأمراض نفسية، وأنه يتمّ تجنيدهم رغم التأكّد من أنّ ظروفهم النفسية غير طبيعية. ويضيف: «نحن نقاتل بمن يتوفّر، لا بمن هو قادر فعلاً».

وفي شباط الماضي، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ الإقبال على برنامج الدعم النفسي، ارتفع بشكل لافت في صفوف جنود الاحتياط الذين أنهوا شهوراً من الخدمة العسكرية، لافتة إلى أنّ 170 ألف جندي سجّلوا أسماءهم في البرنامج المشار إليه. وكانت الصحيفة نفسها ذكرت في تقرير لها في تشرين الثاني الماضي، أنّ تقديرات مختلفة في الجيش الإسرائيلي، تفيد بأنّ «حوالي 15%» من الجنود النظاميين الذين خرجوا من غزة خضعوا لعلاج نفسي، ولم يتمكّنوا من العودة إلى الخدمة، لافتة إلى أنّ هذا يزيد عبء النقص في القوى البشرية في الألوية والكتائب.

وفي هذا السياق، أوضحت أنّ «ثلث المعوّقين» المعترف بهم في إسرائيل، هم من المصابين بـ«اضطراب ما بعد الصدمة»، مضيفة أنّ «هذا ليس سوى البداية، إذ سيتّضح مدى الانهيار العقلي للجنود إذا توقّفت المدافع». وبحسب الشهادات التي استندت إليها الصحيفة، فإنّ كل وحدة قاتلت في غزة أو لبنان تقريباً، تم تسريح عدد كبير من مقاتليها لأسباب عقلية، وإنّ «العديد من الجنود الذين يريدون الخروج من القتال يواجهون صعوبات مع القيادة وسلطات الصحة العقلية».