Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر May 1, 2024
A A A
40 ألف مليار ليرة خسارة العمال في قانون التقاعد
الكاتب: فؤاد بزي - الأخبار

في كانون الأول 2023، أقرّ مجلس النواب القانون 319 الذي شرّع لأصحاب العمل سرقة نحو 40 ألف مليار ليرة من حقوق العمال المتعلقة بتعويضات نهاية الخدمة (الرقم أتى من تقديرات منظمة العمل الدولية). وأتى هذا القانون بعد 20 عاماً من النوم في أدراج المجلس، إذ تعاقبت عليه 5 دورات نيابية من دون أن يتفق عليه. لم يحصل هذا الأمر إلا حين تحقّق الإفلاس في مصرف لبنان والمصارف وأطلق شرارة انهيار للعملة استمرّ من نهاية 2019 إلى آذار 2023 بالتوازي مع تضخّم مفرط تراكم أكثر من 5000% بشكل عام وأكثر من 23000% في المواد الغذائية والضرورية. إذاً، ما الذي اتفق عليه في قانون التقاعد والحماية الاجتماعية؟ ثمّة الكثير من الملاحظات على طريقة احتساب المعاش التقاعدي ومعدلات الاشتراكات وإلزامية الانضمام إلى الصندوق الجديد، لكن أهم ما في الأمر أنه يترك التباساً مقصوداً في التعامل مع تعويضات نهاية الخدمة والانتقال إلى صندوق التقاعد والحماية الاجتماعية، أي المعاش التقاعدي. فالمحاولات كلّها في المجلس النيابي واللجان الفرعية التي درست القانون وأقرّته، كانت مأمورة بما يريده أصحاب العمل، أي إلغاء تسويات نهاية الخدمة ومنع انتقالها إلى الصندوق الجديد. وقد وردت في النسخة ما قبل الأخيرة للمشروع بشكل واضح إعفاء أصحاب العمل من هذا الموجب، وبالتالي «أكل» حقوق العمال، لكن بشكل ما شطبت هذه العبارة في النسخة التي أقرّها المجلس النيابي وتُرك التعامل مع التعويضات والتسويات «مشكولاً». وبالتالي ما لم يرد بشكل واضح نصّ يوجب تصفية تعويضات نهاية الخدمة ونقلها إلى الصندوق الجديد، فإن كل الحديث عن القانون يصبّ لمصلحة أصحاب العمل الذين تميل موازين القوّة في هذا النظام إلى مصلحتهم دائماً.
قبل إقرار نظام التقاعد، وقبل الانهيار المالي في عام 2019، كان الضمان يشمل ثلث اللبنانيين، وانتسب إليه أكثر من 600 ألف أجير، ومجمل المستفيدين يبلغ 1.3 مليون شخص. وكان الأجراء يحصلون عند بلوغ سن التقاعد، أو عند الصرف من الخدمة أو ترك العمل لأيّ سبب آخر، على تعويض نهاية خدمة عبارة عن مبلغ يحتسب على قاعدة نسبية من آخر راتب شهري لقاء كل سنة خدمة. ترتفع أو تنخفض هذه النسبة تبعاً لعدد سنوات الخدمة، فلا تصبح 100% من راتب آخر شهر إلا ببلوغ 20 سنة خدمة وتصبح 150% فوق هذا الحدّ. وكانت قيمة التعويض في أول ستة أشهر من 2020 تبلغ 32 مليون ليرة أو ما يفوق 21 ألف دولار. وكلما زاد الراتب الشهري الأخير، توجّب على أصحاب العمل أن يدفعوا تسويات نهاية خدمة أكبر، إذ تحتسب هذه التسويات على أساس الفرق بين قيمة الاشتراكات المحصّلة عن المضمون وما يتوجّب له من تعويض بموجب قاعدة الاحتساب.
وبموجب قانون التقاعد الجديد، سيحصل الأجير عند بلوغ السنّ على معاش تقاعدي وفق آلية من اثنتين: الأولى، يحصل بموجبها المتقاعد على معاش قيمته 1.33% من متوسط الأجور عن كل سنة عمل، وفي حال بلغ الحدّ الأقصى من سنوات العمل، أي 40 سنة، يتقاضى معاشاً قيمته 53.2% من متوسط الأجور. وبموجب الثانية، يحصل المضمون الذي سدّد اشتراكاته لمدّة 15 سنة، على 55% من الحد الأدنى للأجور عند التقاعد، مضافاً إليها 1.75% عن كل سنة اشتراك إضافية بعد الـ 15، على أن يكون الحدّ الأقصى للمعاش التقاعدي 80% من الحد الأدنى للأجور. ويخضع للنظام الجديد، أي لنظام الراتب التقاعدي، كل الأجراء الذي يصرّح عنهم للضمان الاجتماعي بعد البدء في تطبيق التعديل الجديد. وكل منتسب إلى الضمان عمره أقلّ من 44 سنة، ينتقل إلزامياً إلى النظام الجديد، ومعه تنتقل كل الاشتراكات التي استوفاها الضمان عنه والفوائض التي راكمها النظام طوال 40 عاماً. أما من هم فوق الـ 44 عاماً، فإن لديهم حرية الاختيار للانتقال إلى النظام الجديد.

 

إلا أنّ «القانون يحتاج إلى محاكاة لتحديد العراقيل المرشحة للظهور خلال التطبيق»، يؤكّد رئيس اللجنة الفنية في الضمان الاجتماعي مكرم غصوب، فالثغرات الموجودة فيه يجب أن تكتشف قبل مطالبة المتقاعدين بمعاشاتهم. مثلاً الحد الأدنى للأجور معروف ومحدّد بمراسيم حكومية، ولكن النقطة الإشكالية تتعلق بمعرفة ماهية متوسط الراتب المحتسب، وفقاً للآلية الأولى لاحتساب المعاش التقاعدي. وفي هذا المجال هناك رأيان: يُحتسب المتوسط من خلال البطاقة الإفرادية للمضمون، أي متوسط الأجر خلال الفترة. والثاني يشير إلى أن الاحتساب يحدّد متوسّط الراتب في السنة الأخيرة. ويُحتسب المتوسط على أساس ما يسمّى «عامل تحويل»، أي إعادة النظر براتب الأجير وتطبيق نسب التضخّم عليه. هذا المسار يأخذنا إلى حائط مسدود، عملية التحويل مربوطة بالتقييم المالي للنظام الذي يُجرى كل 3 سنوات، فإذا تبيّن للجنة الاستثمار التي تضع سياسات الاستثمار في الضمان أنّ هناك انعداماً للتوازن في الوضع المالي، لا يسمح بتعديل الراتب على أساس التضخم.
إذاً، العراقيل التي تواجه تطبيق النظام كثيرة، ولكن أهمّها دفع تسويات نهاية الخدمة، ومنع أرباب العمل من هضمها. وهنا، يصف غصوب هذه النقطة بـ«الجوهرية، فإلغاء التسويات يعني ولادة القانون ميتاً، إذ لا إمكانية لتمويل النظام عبر الاشتراكات كونها من دون قيمة فعلية». ويرى غصوب في «أكل» التسويات «إخلالاً للضمان بعهده ودوره الوطني تجاه المضمونين، وتأكيداً بأنّ سنّ القوانين لا يأتي للمنفعة العامة، بل لمنافع أشخاص». حتى في حال دفعت التسويات لن تحلّ المشكلة تماماً. بحسب غصوب «يجب أن تدار الأموال التقاعدية بطريقة استثمارية صحيحة كي لا تفقد قيمتها في حال وقوع أيّ مطب مالي كما جرى ويجري الآن».

يجزم عدد من أعضاء مجلس إدارة الضمان ممن شاركوا في صياغة قانون التقاعد أن هناك شبه استحالة في تنفيذ هذا القانون. بالنسبة إليهم، كثرة اللجان النيابية التي مرّت على نظام التقاعد زادت من مشاكله، واللجنة الأخيرة غيّرت في التمويل، في حين أنّ أهم ما في أنظمة التقاعد هو التمويل، إذ يجب أن تكون الدراسات صحيحة لتأمين التوازن المالي، والنتيجة لن تظهر إلا بعد عشرات السنوات. ولكن، لا إجابات واضحة حول كيفية تأمين الأموال للمقبلين على التقاعد سوى بتحميلها للدولة، والأخيرة مفلسة. ولا إجابة واضحة بعد على قدرة صندوق الضمان بوضعه المالي الحالي وهيكليته التي ينهشها الشغور ووضعه التقني المتهالك، على تطبيق القانون الجديد، إذ لا تتمكن المراكز من تشغيل الأنظمة لغياب الكهرباء التي إن وجدت يُكتشف غياب القرطاسية، وماذا عن ثقة المضمونين بالصندوق، فأغلبهم دقّوا أبواب شركات التأمين لضمان سرير في المستشفى.
في المحصلة، نتائج نظام التقاعد لن تظهر قبل صدور ما يقارب 10 مراسيم تطبيقية عن الحكومة، بالاشتراك مع مجلس إدارة الضمان. تتضمن هذه المراسيم تحديد نسب الاشتراكات وكيفية توزيعها بين الأجير وصاحب العمل. وبالإضافة إلى المراسيم، هناك 15 سنة من الانتظار. خلالها، ينتهي نظام تعويض نهاية الخدمة نهائياً، ويبلغ من هم في سنّ 49 سنة اليوم الـ 64.