Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر November 2, 2017
A A A
4 رجال دين مسيحيّين، والثّقة معدومة بالأميركيّين… السّحر ينقلب على السّاحر
الكاتب: هالة حمصي - النهار

انه التوجس بكل اشكاله، تشكيك مسيحي، وعدم ثقة. سمع مسيحيون كثيرون وعود الادارة الاميركية بـ”ايام افضل” لهم في الشرق الاوسط. “الولايات المتحدة ستقف دائما إلى جانب من يعانون بسبب ديانتهم، والمساعدة في طريقها إليهم”، على ما اعلن اخيراً نائب الرئيس الاميركي مايكل بنس امام مؤتمر “الدفاع عن المسيحيين” الذي انعقد في واشنطن. غير ان الانطباعات المسيحية المشرقية تجاه هذا التطمين الاميركي تعكس حذراً وتشكيكاً كبيرين، لانه “لا يمكن الوثوق بالوعود الاميركية”، “وللاسف، لا ينفذ الاميركيون وعودهم”.

انطلاقا من خبرة ونظرة نقدية، يتكلم 4 رجال دين مسيحيين مشرقيين بصراحة عن “خيبة” من الاميركيين و”اجندتهم” في المنطقة. طويلة جدا خطوط الدماء التي سالت ابتداء من لبنان، مرورا بسوريا ومصر، وصولا الى العراق. وعلى امتدادها، يناشدون الولايات المتحدة ان “تغيّر سياساتها في المنطقة”. واذا ارادت ان تساعد، “فلتفعل، لكن على طريقتنا، وليس على طريقتها”. مآخذ على “الطريقة الاميركية”، وايضا شكاوى.

لا شيء يتغير
من لبنان اولا. الثقة متعزعزة بالاميركيين. “لا اثق كثيرا بهم”، يقول متروبوليت صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران ايلي حداد لـ”النهار”. “لا اثق بتصاريحهم، لانهم يتصرفون دائما عكس ما يصرحون به. ولدينا خبرة معهم”. ما يقصده هو مؤتمر سابق عن المسيحيين نُظِّم خلال عهد الرئيس السابق باراك اوباما، و”سمعنا خلاله وعودا مماثلة، واحسسنا ان لا شيء يتغير بوعود الاميركيين”.

يتوجس شرا من ان “يعد الاميركيون المسيحيين خصوصا، لانهم يضعون بهذه الطريقة نعرة طائفية في المنطقة، بينما نؤمن نحن بالعيش المشترك. هذا التمييز الاميركي للمسيحيين ليس في خيرهم”. ويتدارك: “ليس المسلمون من يدفعون بهم الى الرحيل او الخوف، بل الدول الاجنبية ومصالحها”.

صريح المطران حداد. “يمكن ان يقدم الاميركيون المساعدة الى الجميع، من دون ان يخصصوا بها الاقليات الدينية. ليقدموها الى المحتاجين، اكانوا مسلمين ام مسيحيين ام غيرهم”. امران آخران يمكن ان يقوموا بهما، الاول “ان يغيروا سياساتهم، لجهة التوقف عن تأليب الافرقاء الدينيين على بعضهم البعض، وبالتالي يمكن المسيحيين ان يعيشوا بسلام في المنطقة”، والآخر “عدم تشجيع متطرفين، مثل جهاديي “داعش”، او تسليحهم”.

لم يأتوا للمساعدة
الفكرة تتوسع اكثر في سوريا، ولكن بتعابير اخرى. فمع ان النائب البطريركي للسريان الارثوذكس في دمشق المطران متى الخوري يؤكد ان “ما يطلبه المسيحيون في سوريا من الولايات المتحدة يطلبونه ايضا من المجتمع الدولي عموما، ونشكر كل الدول والمنظمات الدولية التي تهتم بشؤونهم في الشرق الاوسط”، الا ان التمني واضح. “نتمنى ان يساعدونا على طريقتنا، وليس على طريقتهم. وطريقتنا تعني ان تشمل المساعدة كل الانسانية المعذبة في الشرق الاوسط، وليس المسيحيين وحدهم”.

ثمة مآخذ على “الطريقة الاميركية”، لكونها “تقوم على تمييز واضح”، على قوله. ردا على الوعد الاميركي بمساعدة الاقليات، لا سيما المسيحية، ثمة خشية ان “ينقلب السحر على الساحر، وفقا للمقولة، ويكون للمساعدة توجيه، مع نتائج غير مباشرة لها”. ويتدارك: “عندما نطلب المساعدة، نطلبها للمسيحيين ولغيرهم”.

(مسيحيون سوريون يرفعون الصلوات – الصورة أ ف ب)

الانتقاد يطاول ايضا “الاعتقاد ان مساعدة المسيحيين تكون عبر تهجيرهم وفتح ابواب السفارات امامهم وتسهيل لجوئهم الى الغرب”. في التقويم، هذه الطريقة “ليست مساعدة للمسيحيين المشرقيين، بل نعتبرها اقتلاعا لهم من جذروهم، ونوعا من الانقراض لهم”. الجواب على وعد بنس “بأيام افضل” يعكس تشكيكا. “نعرف ان السياسة الاميركية قائمة على المصالح، وليس على محبة المسيحيين المشرقيين”.

ما يحتاج اليه حقيقة المسيحيون في سوريا هو “رفع العقوبات، لا سيما الاقتصادية، عن سوريا”، على ما يؤكد، وذلك لما له من تأثير على “تنشيط الحركة الاقتصادية فيها، و”السماح باستيراد ادوية الامراض المزمنة والتجهيزات الطبية…”. واضح بالنسبة اليه ان “هذه العقوبات مفروضة على الشعب السوري برمته، وليست موجهة ضد فئة معينة”، و”استمرارها يزيد اقتناعنا بان الولايات المتحدة لم تأت لمساعدة المسيحيين او المسلمين، بل لديها اجندة خاصة تهدف الى زرع البلبة، والتمهيد لاقامة الشرق الاوسط الجديد الذي تسعى اليه”.

امر آخر. اي قرار اميركي يكون “بعيدا عن دعم صمود المسيحيين وعيشهم في بلدهم، وعن روح الانسانية في الدرجة الاولى، يقودهم اكثر”، في رأيه، الى “التجذر في وطنهم، ورفض التدخل الخارجي في الشأن السوري. لا يحق للولايات المتحدة او اي غيرها ان تقرر شكل النظام في سوريا. هذا القرار يعود الى الشعب السوري”.

مجرد وعود
تلقائي الجواب المصري. “اي وعود اميركية هذه؟” يتساءل رئيس طائفة الاقباط الارثوذكس في لبنان الاب رويس الاورشليمي. على غرار الانطباعين الكاثوليكي والسرياني الارثوذكسي، ثمة ادراك قبطي ان “الاميركيين لا ينفذون، للاسف، ما يعدون به او يقولونه”. الملف الذي بين يدي الاورشليمي يختصر الى حد ما السلوك الاميركي. “رفضوا ملفات الاقباط، واخذوا محلهم دواعش”، على قوله.

القصة تتعلق باقباط تقدموا بطلب لجوء الى الولايات المتحدة على خلفية “اضطهاد ديني”. “لماذا يرفض الاميركيون تسهيل ملفاتهم؟ لدي عائلة متنصرة حصلت على قرار لجوء، وملفها في السفارة الاميركية. لكنها لا تزال تنتظر تنفيذه منذ 6 اعوام. لو كانوا “دواعش” لسفروهم في اليوم التالي”، على قوله.

(الدموع القبطية – الصورة رويترز)

مثال آخر على الازدواجية الاميركية. “رجل قبطي معه الجنسية الاميركية تزوج بسورية، وباشر المعاملات لتسفيرها الى الولايات المتحدة. مضت 3 اعوام، ولا تزال الزوجة في الانتظار”. الخيبة اكيدة تجاه الاميركيين. “ماذا حل بكلامهم؟ مجرد وعود، لا غير. ونتمنى تنفيذها”.

تمنٍ قبطي ارثوذكسي آخر، ان “يتركنا الاميركيون لحالنا مع الدولة المصرية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. هذا الرئيس جيد، وليدعوه يشتغل. لو كان “الاخوان المسلمون” (في الحكم)، لساعدوهم. تهمهم المشاكل”، على قوله. ويتدارك بعفوية: “الرئيس السيسي نحبه. لو جاء رئيس آخر ضد الاقباط، لساعدوه. لهذا خاب املنا فيهم. نتمنى ان يساعدوا السيسي في تثبيت الامن والاستقرار في الوطن. وطالما رئيسنا ودولتنا بخير، الاقباط الارثوذكس بخير”.

مصالح دولية وشخصية
من مصر الى العراق… والطلب المسيحي، “ليس من الاميركيين وحدهم، انما ايضا من كل العالم، العمل من اجل احلال السلام والاطمئنان، لان كل المسيحيين في الشرق الاوسط يعانون للاسف الحروب وعدم المساواة بينهم وبين ابناء الاديان الاخرى”، يقول المعاون البطريركي للكلدان في بغداد المطران شليمون وردوني.

المعاناة المسيحية يعرفها في شكل وثيق. “يعاني المسيحيون انهم يوعَدون كثيرا بامور كثيرة، لكن لا شيء منها يتحقق في الواقع”. من اسباب ذلك، في رأيه، “المصالح الدولية والشخصية، والابتعاد عن الله الذي يريد المساواة بين كل البشر ويحب الانسان، وخلقه ليكون سعيدا، وليس العكس”.

مأساة المسيحيين في العراق متواصلة. هناك قوات من الشمال وقوات الحكومة العراقية، “وهي في وسط القرى المسيحية في سهل نينوى”، على ما يفيد. “رجع مسيحيون كثيرون الى هذه القرى، الى بيوتهم. واذ بهم يقابَلون بالحرب والتفجيرات. نناشد كل العالم، الولايات المتحدة والدول الاوروبية ان تعمل ما يريده الله، اي المحبة والاخلاص وتقدّم البشرية”.

(مسيحيون عراقيون يصلون في احدى الكنائس تحت حماية رجل امن عراقي – الصورة أ ف ب)

الامر ليس مفهوما بالنسبة الى مسيحيي العراق. “لماذا تكون حرب وسط هذه القرى المسيحية؟ لتخرج هذه القوات منها. غادرت مواقع كثيرة، لكنها بقيت في قرانا”، على قوله. التعجب كبير، والشكوى أكبر، خصوصا ان “المسيحيين يريدون السلام… لذلك، نتعجب من موقف اميركا واوروبا”. ويتدارك: “المسيحيون يحبون اخوانهم المسلمين، ومستعدون لمساعدتهم عند الحاجة. غير انهم يُلاقون بسوء معاملة من الغالبية”.

ايا تكن وعود الاميركيين، الامر محسوم لدى وردوني. “المسيحيون يريدون العيش بسلام. نريد ان نكون عراقيين فقط. اما قضية الدين والمذهب والعشيرة، فنتركها لمن ينتمون الى هذا الدين او العشيرة. نريد الخير والسعادة لكل مواطن في العراق والشرق الاوسط”. وتعلو المناشدة لكل رؤساء الدول ان “ينظروا الى الناس هنا برحمة”.