Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر June 23, 2021
A A A
35% من طلاب لبنان يتّجهون للتسجيل في المدارس الرّسمية!
الكاتب: باميلا كشكوريان السمراني - الديار

«أطلب العلم ولو في الصين»، مثل شعبيّ شائع تغنّى به من تعِب وكدّ من أجل تعليم أولاده في أهمّ المدارس الخاصّة في لبنان الّذي يشتهر عربياً بمستوى تعليم عالٍ وبكثرة المدارس الخاصة التي تستقطب العدد الأكبر من التلاميذ.

إلا أنّه على ما يبدو، أنّ العام الدراسي المقبل سيشهد تغييرات جمّة، خاصّة لجهة تضاؤل أعداد التلاميذ في المدارس الخاصّة وارتفاعها في المدارس الرسمية لشدّة تدهور الوضع الإقتصادي اللبناني وعدم قدرة الأهالي تسديد نفقات أقساط المدارس الخاصّة.

فبحسب آخر الإحصاءات، فقدت المدارس الخاصّة مع بداية العام الدراسي 2020-2021 ما يقارب 25% من تلامذتها، الّذين قد توجّهوا للإلتحاق في المدارس الرسمية ، وتشير التقارير أنّ هذه النسبة معرضّة للإرتفاع لتصل الى 35 أو 40 في المئة مع بداية العام الدراسي المقبل 2021-2022 بسبب الإنهيار الحاصل.

عدم قدرة الاهالي على تسديد أقساط المدارس الخاصّة!

جهاد سائق جرّافة وحافلات، عائلته تتكوّن من 3 أولاد يتابعون دراستهم في إحدى المدارس الخاصّة ضمن نطاق المنطقة التي يسكنها، قال لـ«الديار»: « مع دخول أولادنا الى المدرسة، بحثنا أنا وزوجتي عن أهمّ مدرسة في الجوار من أجل تحصيلهم العلمي، وكُنّا نحرم أنفسنا من اشياء كثيرة لتسديد الأقساط ، فمصلحة أطفالنا تقع بالدرجة الأولى، إلا أننا مع بدء تدهور الوضع الإقتصادي نحاول هذه السنة أن نجاهد من أجل تسديد الأقساط، وهنا لا بدّ من كلمة حق تقال أنّ رئيسة المدرسة قدمت للجميع حسومات جمّة تحسّسا معنا كأهل بالوضع الإقتصادي الصعب، إلا أنني وزوجتي نُفكّر جدّياً بنقل أولادنا الى مدرسة رسمية، لأننا لسنا قادرين على إكفاء منزلنا بالمواد الأساسية والأولية من مأكل ومشرب وفواتير، فكيف لنا أن نسدّد ما يقارب 15،000،000ليرة لبنانية أقساط عن ثلاثة أولاد في السنة؟»

وبغصّة يتابع جهاد: كنت دائماً أفكّر أنني سأدفع عمري لتعليم أطفالي، لكنّي اليوم أعتذر منهم، فالأمر صعب والوضع أصعب «واللّي بدّو يتعلّم، بيتعلّم تحت الشجرة».

هل المدارس الرسميّة في لبنان مؤهّلة؟

في الجهة المقابلة، ومع ازدياد الطلب على المدارس الرسمية، أسئلة لا بُدّ من طرحها حول قدرة المدارس الرسمية الإستيعابية ، والمتابعة الفعّالة والحثيثة للمناهج التعليمية واللّغات الأجنبية التي يُحسب على مدارس الدّولة تقاعصها في التشدّد في تعليمها وإتقانها، الأمر الّذي حثّ اللّبنانيون على مدى سنوات عديدة تسجيل أولادهم في مدارس خاصّة ، فكيف سيكون الوضع في المدارس الرسمية؟

وائل. ع أستاذ اللّغة الفرنسية في إحدى التكميليات الرسمية يشرح لـ«الديار» عن المناهج التعليمية، خاصّة في ما يتعلّق باللّغات الأجنبية خصوصاً الفرنسية قائلاً: «الفرق في لبنان بين المدارس الخاصّة والرسمية هو أنّ الأولى بمعظمها فرانكوفونية، فتكون اللّغة الأساسية هي الفرنسية، بحيث أنّ أغلب المواد تُعطى باللّغة الفرنسية، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وحتّى التاريخ والفلسفة والإجتماع والإقتصاد، حتّى أنّ اللّغة المتّبعة في الحوار والتعبير خارج الحصص التعليمية هي الفرنسية، إنّما ليس هو الحال في المدارس الرسمية، فإن كانت أغلب المواد تُشرح باللّغة الفرنسية ، إلا أنّها مدارس تابعة للدّولة اللّبنانية ولغتنا الرسمية هي العربية وليست الفرنسية، بالرّغم من أنّ حصص اللّغة الفرنسية في المدارس الرسمية فيها جدّية كبيرة من العمل، ويطغى عليها الحديث والتواصل باللّغة الفرنسية».

واكد أن «متابعة المنهج الدراسي في المدارس الرسمية دقيقة وشاملة أكثر من المدارس الخاصّة، فمُعلّمو المدارس الرسمية معرّضون لزيارات مفاجئة للمفتّشين المرسلين من قبل وزارة التربية للتأكيد على مستوى التحضير والتنفيذ على حدّ سواء»، وشدد على ان «النجاح في الإمتحانات الرسمية في المدارس الرسمية مرتفع جدّاً أكثر من تلك في المدارس الخاصّة.»

مصادر وزارة التربية أكّدت لـ«الديار» أنّ المدارس الرسمية يمكنها أن تستوعب أعداداً كبيرة، إنّما بعد إعادة هيكلة وتنظيم، بحيث أنّ بعض المدارس تُسجّل عدداً قليلاُ جدّاً من التلاميذ لا يتخطّى 5 تلاميذ في الصفّ الواحد، فيما الجسم التعليمي فيها مُكتمل، فبالإمكان دمج المدارس الرسمية بحيث يتمّ تحقيق هدفين بهذه الطريقة: الأوّل تقليص مصاريف الدّولة لجهة دفع مستحقّات إيجار الأبنية، والثاني ضمّ الأساتذة في مركز واحد عوضاً عن إثنين، ممّا يسمح بفتح صفوف اكثر واستيعاب عدد تلاميذ أكبر، بالإضافة الى أعداد الأساتذة المتعاقدين الّذين بإمكان وزارة التربية والتعليم العالي الإستفادة من خبراتهم وقدراتهم، فيكتمل بهذه الطريقة عدد الأساتذة في كلّ مدرسة، ممّا يتيح لها مجال استقبال عدد أكبر من التلامذة».

في بلدٍ تتآكله مطامع السلطة والقيّمين عليها، حقيقة واحدة مرّة تُهدّد مصير أجيال كان لا بُدّ لنا من أن نزرعها اليوم لنحصدها في المستقبل براعم ماهرة ترفع اسم لبنان في العالي في كافة المجالات، إلا أنّ الأزمة الإقتصادية دقّت بابهم، فبين أهل منهكين ماديّاً من بئس الزمن ودولة متقاعصة عن واجباتها، يبقى رفيق التلميذ الدائم كتابه وإصراره على بناء مستقبله بنفسه بغضّ النّظر عن المدرسة الّتي يرتادها…