Beirut weather 21.32 ° C
تاريخ النشر February 20, 2018
A A A
ظاهرة التنسيق بين حزب الله وحركة أمل: رسالة لواشنطن
الكاتب: روزانا رمّال - البناء

أعلن كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وفي النهار نفسه أسماء مرشحي حركة أمل وحزب الله في الانتخابات النيابية المقبلة، وما يعنيه ذلك من افتتاح قوى الثامن من آذار سابقاً بقواها الكبرى المعركة الانتخابية مع كل ما تحمله الظروف الجديدة والتحولات الكبرى التي غابت اليوم لتحلّ مكانها حسابات أخرى غير تلك التي عايشها الطرفان في الانتخابات الماضية.

يخوض حزب الله وحركة أمل هذه المرة الانتخابات مع الأخذ بعين الاعتبار التالي:

أولاً: غياب التحالف الرباعي المتمثل بشراكة مع الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل الذي كاد يطيح أكثر من مرة بالحسابات الأساسية للتحالف، بعد أن انقلبت الموازين وصارت الأكثرية النيابية بكفتها الراجحة لفريق 14 آذار الذي كان حاضراً بقوة في تلك الفترة.

ثانياً: دخول سورية مرحلة الثبات لجهة الحكم الحالي وبعد التقدم الذي أحرزه الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه خصوصاً حزب الله المتوقع أن يستفيد من صرف فائض القوة في الانتخابات تكريساً للنهج الذي يؤيده جمهوره عليه بعد أن كان خاض الانتخابات عام 2009 تكريساً لخروج سورية من البلاد ونفوذ حلفائها.

ثالثاً: شرذمة خصوم حزب الله وحركة امل المتمثلين بالحلف المقابل 14 آذار وغياب المموّل الأساسي والجهة الداعمة والحضن الأميركي الخليجي الذي تشرذم بدوره، فصار الدعم موزعاً بين سعودي وقطري و.. بدون وجود حملة منسقة ومنظمة واستبدال المشهد بأحزاب مدنية لخرق الساحة من دون أن يُتوقع نجاحها في إحداث فارق يمكنها من خرق مساحة الشراكة بين حزب الله وحركة أمل، وبالتالي يغيب المنافس ضمناً عن اللائحتين.

رابعاً: سقوط مفاتيح الفتنة السنية الشيعية في لبنان بعد أن أجبرت حزب الله على تقبّل التحالف الرباعي آنذاك مع تيار المستقبل. وهذا ما يفسّر الارتياح الكبير الذي بدا بخطاب نصرالله الأخير الذي أعلن أن فكرة التحالف مع المستقبل غير مطروحة من الأساس. وهو كلام لا يُقال، فيما لو كانت الأمور تنذر بمخاطر انقسام حاد، وبالتالي فإن خوض المعركة بشكل منفرد هو سيّد المشهد، لأن الظروف لم تعُد كما كانت عشية اغتيال الرئيس الحريري ولا تُجبر حزب الله وحركة أمل على تقديم التنازلات. وهو بكلام أو بآخر تأكيد على فشل المساعي الأميركية لبثّ الفتنة في لبنان.

خامساً: يخوض حزب الله وحركة أمل الانتخابات في ظلّ رئاسة حليف حزب الله الرئيس ميشال عون للجمهورية وتوضع الاستراتيجيات الكبرى المتعلّقة بالمواجهة مع الخارج من دون قلق من مؤامرات كانت تحاك سابقاً مع عهود دارت الخصوصية الأميركية المتوجّهة لتشديد العقوبات والتضييق على حزب الله وانتهاز فرص اللعب في ساحته الانتخابية بغض النظر عن النتائج حينها.

عوامل كثيرة تحيط بالانتخابات لتجعل من التنسيق بين حركة أمل وحزب الله في خوض الانتخابات النيابية دليلاً واضحاً على انسجام غير مسبوق بين أحلاف وقوى سياسية محلية وهي ظاهرة حقيقية نظمت عمل الطائفة الشيعية نيابياً ووزارياً واليوم انتخابياً، لكن يبقى ما يلفت هو كلام نصرالله في معرض كلامه عن التحالفات الانتخابية بأن حزب الله لا ينافس أحداً، وهو ليس في هذا الحساب وهو كلام يفسر ارتياحاً كبيراً للقاعدة الشعبية التي يعول حزب الله عليها، لكنه يؤشر الى ان حزب الله وحركة أمل غير معنيين بأية مفاجأت قد تطرأ جراء القانون الانتخابي الجديد ولا يوجد استعداد للتقدّم نحو تحالفات تحسباً لأي خرق في حسابات الحزبين الأقوى بالطائفة.

التحالف الذي صار «ظاهرة» يشكّل اليوم بالنسبة للأميركيين والإسرائيليين معضلة تمّ صرف من أجل فكّها في الانتخابات الماضية اكثر من 500 مليون دولار أدارها السفير الأميركي جيفري فيلتمان من أجل تشويه صورة حزب الله أولاً والضغط ضمن مسار طويل على الشيعة كافة في دول الاغتراب الخاضعة لسلطة الأميركيين كتحالف ميّز الخليجيين بسرعة الامتثال لها، وكلها ضغوط على القاعدة الشعبية من أجل إضعاف ورقة حزب حزب الله في ساحته.

هذه المعضلة تضع الأميركيين أمام حائط مسدود والاستحقاق الأكبر اليوم أمام الوفود التي ترأسها دايفد ساترفيلد، حسب معلومات «البناء» التي اكدت اهتمامه الكبير بالانتخابات وتوحيد قوى 14 آذار بوجه حزب الله تؤكد أن الضغوط ستتوالى في الاشهر المتبقية من عمر الانتخابات، لكن بدون أن تكون واعدة هذه المرة بالقدر الذي كان يحمل زخم انتخابات عام 2009 الذي استفاد منه الأميركيون بالاستثمار على الدماء هي نفسها الدماء التي لم تعد خياراً ناجعاً اليوم بعد حسابات أمنية كثيرة بينها مخاطر كبرى متمثلة بالنزوح وفتح فرص أمام بؤر الارهاب مجدداً، ما يهدد الامن الاوروبي الأقرب للسواحل اللبنانية. وبالمحصلة صفّى الأميركي بنك الاهداف في هذه المواجهة وصارت الظاهرة أخطر بكثير مع تقدم السنوات. وربما أخذت الأميركيين بلسان وزير الخارجية ريكس تيلرسون من عمان الاردن نحو براغماتية بلاده المعهودة في اعتبار حزب الله نسيجاً سياسياً أساسياً في لبنان. وهذا بالتأكيد لم يكن زلة لسان.

وبالعودة للإعلان الثنائي في النهار نفسه أمس، دون باقي الأحزاب السياسية اللبنانية المرتبكة حتى اللحظة فهو ليس إلا رسالة مباشرة للأميركيين الى جهوزية كاملة لخوض انتخابات «رابحة» من دون شك بحساب حزب الله وحركة أمل.