Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر March 8, 2021
A A A
2023 سنة مصيرية… ستجعل اللبنانيين “يترحّمون” على سعر صرف المرحلة الحالية
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

يُخبّئ الواهمون “فيل” الإقتصاد المنهار، وراء “إصبع” المنصّات الإلكترونية التي تحدد سعر صرف الدولار في السوق السوداء. فإلقاء اللوم على “مجهولٍ” في انهيار الليرة، أخف وطأة من تحميل المسؤولية إلى جانٍ “معروف”. هذا ويبعث إلصاق تهمة ارتفاع الدولار بـ”المضاربة” آمالاً بأن الموضوع آني والليرة “مظلومة”، وهي ستستعيد قيمتها فور وقف هذه الظواهر الغريبة.
ليس التهرب من مصارحة الرأي العام بأن الاقتصاد اللبناني فقد كل مقوّمات صموده، هو المشكلة. إنما تصديق المسؤولين هذه “الكذبة”، ورهانهم على أن أدوات العمل التي استعملوها خلال العقود الماضية ما زالت صالحة لانتشال لبنان من محنته. وطالما هذه العقلية مستمرة، فإن الدولار سيواصل تحليقه، ولن يردعه إقفال منصة من هنا أو ملاحقة أخرى من هناك.
الليرة تصرخ: “صحتي هي العجب”
إرتفاع سعر صرف الدولار في الأيام الأخيرة عاد ليطرح أسئلة كثيرة عن الأسباب، والمسار الذي ممكن أن يتخذه في المستقبل. الصرافون يعزون السبب إلى التطبيقات الإلكترونية. فالسعر الذي تحدده هذه المنصات ينتشر كالنار في الهشيم ويؤدي إلى رفع السعر على مستوى البلد. مصادر بعضهم تضع “شقلة” الدولار بظرف أيام من 9 آلاف ليرة إلى حدود 11 ألفاً في إطار المضاربة على الليرة، وهذا ما يمكن أن يكون صحيحاً، و”لكن لا يوجد بلد متعاف اقتصادياً تستطيع المضاربة وحدها أن تهوي بعملته الوطنية وتؤدي إلى انهيارها”، يقول أمين عام اتحاد البورصات العربية د. فادي خلف. “فالمضاربة تعمل على نقاط الضعف؛ وما أكثرها عندنا”. وبرأيه فان “الليرة تطبق قول الشاعر أبي نواس: ” تَعجَبينَ مِن سَقَمي، صِحَّتي هِيَ العَجَبُ”. بمعنى أن قوة الليرة في هذه الظروف هو ما يثير الاستغراب وليس ضعفها. فالاقتصاد اللبناني لم يقم ولا مرة على ركائز انتاجية حقيقية وفعلية. ونحن اليوم ندفع ثمن هذه السياسات.
المضاربة
الفكرة من المضاربة على العملة تقتضي الشراء على سعر صرف منخفض، من ثم العمل على رفعه لتحقيق هامش من الربح، ومن بعدها خفضه للشراء من جديد… وهكذا دواليك. وعليه فان أمد هذه العمليات يعتبر قصيراً. فيما المنحى العام الذي سيأخذه الدولار في الأيام المقبلة هو تصاعدي. حيث “تعكس الليرة وضع الاقتصاد المنهار، ليس إلا”، بحسب خلف.
منذ نهاية العام 2019 الماضي فقد لبنان مصدرين أساسيين من أصل ثلاثة، تؤمّن تدفقات العملة الصعبة. فانعدمت الاستثمارات الخارجية المباشرة وغير المباشرة، وتراجعت العوائد من قطاع الخدمات بأكثر من 80 في المئة، ولم يبقَ إلا تحويلات المغتربين التي قدرت بـ7 مليارات دولار، وبعض المساعدات الخارجية المادية للمنظمات غير الحكومية. في المقابل سجل ميزان المدفوعات خلال العام 2020 عجزاً بقيمة 10.5 مليارات دولار. ما يعني ان صافي الأموال التي خرجت من لبنان تفوق تلك التي دخلت اليه بـ10.5 مليارات. وعدا عن أن هذا الرقم يشكل أكثر من ضعف ما ننتظره من قروض من صندوق النقد الدولي، فانه يعتبر سابقة لم يشهدها لبنان في عز أيام الاستيراد المفتوح وتسجيل الميزان التجاري عجزاً بنحو 17 مليار دولار.
الوضع السياسي
يراهن الكثير من المواطنين على انخفاض الدولار فور تشكيل الحكومة. وللغاية عمد بعضهم ممن يختزن مبلغاً من الدولار على بيعه عندما تخطى عتبة 10 آلاف ليرة، ظناً منهم ان هذا هو “سقفه”، وان بامكانهم شراء مبلغ أكبر من الدولار عند انخفاض سعر الصرف. هذه العملية التي ساهمت خلال الفترة الماضية بعرض الدولار، يبدو انها ستتوقف مع كسر الأخير الحاجز النفسي واتجاهه التصاعدي، وهذا ما سيعزز ارتفاعه أكثر. أمّا الرهان على تشكيل الحكومة لانخفاض سعر الصرف، فهو في غير مكانه لعدة أسباب، بحسب خلف، أهمها: “في حال ولادة الحكومة ستنتشر الاشاعات عن انخفاض سعره ما يؤدي إلى عرضه بكميات كبيرة فيشتريه المضاربون ولا يلبث أن يعود إلى الارتفاع بعد أيام قليلة. كما ان الحكومة العتيدة ستكون عليها مسؤولية استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وعدا عن ان القروض المنتظرة من الصندوق لن تتخطّى 4 مليارات دولار مقسطة على عدد من السنوات، فان أحد أهم الاصلاحات الموازية المطلوبة ستكون تحرير سعر الصرف ورفع الدعم. وهما عاملان لن يؤديا إلى انخفاض الدولار”.
2023 هي الأصعب
جميع التقديرات الحسابية تؤكد ان الاتجاه المقبل لسعر الدولار سيكون تصاعدياً. وما الأسعار هذا العام إلا المقدمة لقفزات أكبر بكثير من المتوقع ان يشهدها الدولار في السنوات المقبلة، و”تحديداً في العام 2023″، برأي خلف، “ففي هذا العام تكون احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية قد نفدت كلياً. إذ مهما حاولوا الحفاظ عليها بشق الأنفاس عبر ترشيد الدعم وغيره الكثير من الاجراءات، فان الحاجة الماسة ستدفعهم إلى استعمالها”. هذا في ما يتعلق بالشق النقدي، أما في الشق السياسي فان “التوقع بعدم الاتفاق على رئيس للجمهورية مع نهاية العهد الحالي في تشرين الاول 2022، سيحول مجلس الوزراء حكماً إلى تصريف الأعمال، ويفقده القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية، وأهمها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان الذي تنتهي ولايته في العام 2023″، يتابع خلف. “أما الكارثة الأكبر هذا العام فهي أن يكون هناك مجلس نواب منتهي الصلاحية بعد العجز عن إجراء الانتخابات في العام القادم. هذه العوامل مجتمعة ستكون كارثية على الوضعين السياسي والاقتصادي، وبالتالي النقدي”. عندها يكون قد سقط البلد فعلياً لا نظرياً في المجهول. الأمر الذي يدفعنا إلى الترحم على سعر 11 ألف ليرة مقابل الدولار.
الأفق المسدود واحد من أبرز العوامل المؤثرة على سعر الصرف. فالخوف من المستقبل وانعدام الثقة بالطبقة السياسية على اتخاذ القرارات الصحيحة التي تخدم الوطن، يزيدان الطلب على الدولار، ويمنعان المواطنين من صرف ما لديهم. وعلى هذا الأساس يستمر الطلب على الدولار في الإرتفاع والعرض في التقهقر والانخفاض، ما سيؤدي حتماً إلى استمرار انهيار سعر الصرف وعدم وجود سقف حقيقي لما يمكن أن يصل اليه سعر الدولار.