Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر March 22, 2018
A A A
15 عاما على غزو العراق… هل حان الوقت لمحاكمة بوش ؟
الكاتب: أحمد عبد الوهاب - سبوتنيك

العراق البوابة الشرقية للعرب، كان هدفا لعمليات غزو وتقسيم على مدار قرون طويلة في الماضي والحاضر، وقد كانت بغداد صخرة في وجه الغزاة رغم السيطرة عليها أكثر من مرة والتي كان آخرها التاسع من نيسان من العام 2003، على يد القوات الأميركية في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن.

لم تكن الذرائع التي ساقتها الولايات المتحدة الأميركية لدخول العراق تمثل واقعا على الأرض رغم تأكيدات الآلة الإعلامية الغربية بحيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل المزعومة، والتضخيم الهائل في قدرات العراق العسكرية، بل كان العراق وقت الغزو الأميركي في آذار 2003 منهكا هزيلا جراء حصار ثلاثة عشر عاما برا وبحرا وجوا، حتى أن سلاح الطيران الحربي لم يكن باستطاعته التحليق فوق بغداد.

لعبت الاستخبارات الأميركية خلال فترة الحصار الخانق دورا كبيرا، واستطاعت أن تخترق صفوف بعض القطاعات في الجيش، وتجنيدهم لصالحها عندما تحين “ساعة الصفر”، المعركة التي أكد الأمريكان أنه لا مفر منها، بل كانت عملية الغزو الأميركي إحدى الخطوات للسيطرة على المنطقة ومقدراتها بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد في العالم في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي السابق.

كانت هناك جهود دولية خلال فترة حصار العراق وضغوط على الرئيس العراقي الراحل للحصول على أكبر قدر من التنازلات؛ لمنع الحرب التي تلوح بها أميركا “بوش”، وبشكل خاص بعد أن أصبحت القوات الأمريكية على بعد كيلومترات من الأراضي العراقية في “أفغانستان”، لم يكن بوش بحاجة لجلب قوات كبيرة من الولايات المتحدة، بعد أن جمعت تحت طواعيتها تحالفا يضم عدد من الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا واليابان وعدد من الدول العربية.

كانت هناك مهلة أممية وشروط ينبغي على صدام حسين القبول بها لمنع نشوب الحرب، وكان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، يقوم بجولات مكوكية من أجل قبول صدام حسين بالشروط الأمريكية، التي كانت تمثل قيودا على العراق وانتهاكا لسيادته، وكانت الآلة العسكرية الأمريكية تنتظر الإذن بالبدء بعد أن حددت أهدافها منذ سنوات.

لم يتبق سوى ساعات قلائل وتنتهي المهلة الأممية، الأنباء تتوارد حول موافقة بغداد على الشروط الأميركية، وهنا يتنبه بوش “الابن” أن السيناريو الأمريكي والتوقيت الذي طال انتظاره قد يتأخر عشرات السنين لو أتيحت الفرصة لصدام حسين، لإعلان قبوله بشروط الأمم المتحدة، ساعات قليلة جداً متبقية على المهلة

انتهى يوم التاسع عشر من آذار 2003، وتعدت الساعة الثانية عشر ليلة 20 آذار 2003، بوش”الابن” يعطي إشارة البدء لضرب العراق وقبل أن تنتهي المهلة بساعات، وتتوالى بيانات الحرب، ويستمر القصف الجوي لتدمير البنى التحتية في العراق بالكامل، الجميع يترقب وينتظر رد الفعل العراقي، تصريحات عراقية رسمية تؤكد أن الجيش العراقي المتمرس على القتال والخبير بأرضه يخوض معارك برية كبيرة ضد الغزو الأميركي في معظم المناطق.

بوش الابن والذي صرح في وقت سابق أن العراقيين ينتظرون الجيش الأمريكي بالورود، ها هو اليوم في العراق وجنوده يلتقطون الصور التذكارية مع باقات الورود الأميركية في الزي العراقي، وتستمر عمليات القتال بين الجيش العراقي وبين الغزاة الأميركيين ما يقارب الثلاثة أسابيع من البطولات والإصرار على النصر وهم من ظلوا ثلاثة عشر عاما تحت الحصار، ومنعت عنهم الأدوية والأطعمة وقطع غيار المصانع والمعدات وغيرها من وسائل الحياة.

بدأت تنكشف القوات الأمبركية بعد عمليات الاقتحامات البرية، نظرا لتحييد سلاح الجو الأميركي نتيجة المواجهات المباشرة، فالعديد من عمليات القصف الجوي كان ضحاياها من التحالف الأميركي.

ثلاثة أسابيع من الحرب الأميركية على العراق دمرت فيها البنى التحتية بالكامل، بل وحولت الحياة إلى جحيم، بعد أن طال القصف كل شىء ولم يعد هناك مفر من القتل أو السجن أو المطاردة والتنكيل، بدأ صوت المعركة يخفت شيئا فشيئا، إلى أن جاء يوم العاشر من نيسان من العام 2003، ليخرج وزير الإعلام العراقي بنبرته الحادة لؤكد على الهواء أن مفاجئات تنتظر “العلوج” بعد قليل وكانت رحا معركة مطار صدام تدور رحاها، وكانت نبرات الصحاف تشير إلى أن هناك تخطيط وتأكيدات عسكرية من الجيش بأنه يمتلك زمام معركة المطار.

لم يمر وقت طويل حتى اختفت كل مظاهر تواجد الجيش العراقي في بغداد، وظهرت مجموعات عراقية تعتلي الدبابات الأميركية وتقوم بهدم كل مظاهر الدولة، وتفتح القوات الأميركية السجون والمعتقلات وتترك أبواب الهيئات والوازارات والمتاحف وكل تاريخ العراق للنهب والسرقة في سابقة خطيرة لم ترتكبها أكثر الجيوش همجية في العالم.

الكارثة الأكبر والتي لم تفعلها أيضا أي من قوى الغزو والاحتلال في العالم والتي هى جريمة دولية وإنسانية بكل المقاييس هو قيام بوش الابن بإعلان حل وتسريح الجيش العراقي وإنهاء أي وجود للدولة تحت الاحتلال، وتعيين حاكم أميركي، بول بريمر، والذي أعاد تشكيل الخريطة السياسية من “المنطقة الخضراء” وسط بغداد بما يخدم المصالح الأميركية.

الفاصل ليس كبيرا بين اختفاء الجيش العراقي وأسلحته في نيسان من العام 2003 وبين ظهور المقاومة العراقية، والبدء في حرب استنزاف ضد القوات الأميركية بشكل غير مسبوق، وتم إلقاء القنابل على وجه بوش الابن ومن معه بدلا من الورود التي كان ينتظرها، وهو ما دفع بوش إلى إعلان انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق في 2 آيار 2003، وقال في خطابه، الذي القاه أمام حشد من العسكريين الأميركيين على متن حاملة الطائرات إبراهام لنكولن، إن الحرب شنت بهدف تحرير شعب العراق وتحقيق السلام للعالم، وأكد بوش أن ديكتاتور العراق -حسب وصفه- قد سقط، وأن العراق قد حرر، وأن القوات الأميركية تقوم الآن فيه بعمليات حفظ الأمن وإعادة البناء.

بالفعل كان إعلان بوش عن تحرر العراق والتنمية يعبر عن الواقع الذي يراه، حيث ذكرت تقارير إعلامية أنّ حصيلة الضحايا العراقيين من المدنيين ومنذ بداية الاحتلال الأميركي عام 2003، وبحسب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي”، تكفي لأن تدخل بغداد موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، حيث أن عدد القتلى بفعل أعمال العنف كما قالت “يونامي” حتى الآن في العراق كما يلي:

— 12 ألفا و 133 سقطوا في 2003

— 11 ألفا و 736 في 2004

— 16 ألفا و 583 في 2005

— 29 ألفا و 451 في 2006

— 26 الفا و 36 في 2007

— 10 آلاف و 271 في 2008

— 5 الآف و 373 في 2009

— 4 آلاف و 167 في 2010

— 4 آلاف و 153 في 2011

— 4 آلاف و 622 في 2012

— 9 آلاف و 851 في 2013

— 20 ألفا و 169 في 2014

— 17 ألفا و 502 في 2015

لم تجف دماء العراقيين منذ العام 2003 وحتى الآن ما بين قتل طائفي “على الهوية”، وقتل في تفجيرات، وصراع طائفي غير مسبوق، وتمزيق البلاد ومسخ هويتها وتاريختها وتدمير اقتصاد هذا البلد النفطي الكبير، كما أتاح الغزو الأميركي وأعطى الفرصة لزرع الإرهاب بشكل مرعب، بل أن تنظيم داعش الإرهابي والذي استطاع خلال شهور قلائل بسط سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية والاستيلاء على أسلحة الجيش العراقي ومعداته وبطرق سهلة وبدون مقاومة.

وكما يقال أميركا جاءت بالداء واحتفظت هى بالدواء، ولن تترك والمنطقة إلا مجبرة على ذلك، وما الصراع الذي يحدث في سوريا اليوم إلا تخوف أميركي من انتهاء دورها في المنطقة وحلول قوى كبرى كروسيا والصين لتبوء مكانها الطبيعي في العالم، لذا تحاولت الولايات المتحدة اليوم برئاسة ترامب اشعال الصراعات في المناطق الحساسة في العالم من أجل إيجاد ذرائع للبقاء، وما قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية للقدس إلا أحد الأدوات التي تدير بها واشنطن الصراع في المنطقة.

لكن لن يسير العالم في الركاب الأميركي إلى ما لا نهاية وبوادر الانكماش الأميركي وإعادة تشكيل القوى في العالم، بدأت تظهر على السطح لتقول “لا” للابتزاز الأميركي والدور المشبوة الذي تلعبه في المنطقة، فهل حان الوقت لمحاكمة بوش.