Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 30, 2021
A A A
٢٠٢١ موازنة أمنيات عن عام حافل بالصعوبات والمطبات
الكاتب: ذو الفقار قبيسي - اللواء

في الكثير من بنود مشروع موازنة ٢٠٢١ تفهّم وترويض للصعوبات والنكبات في شفافية تبدو واضحة بشكل خاص في تأجيل مهل واعفاءات من غرامات وتقسيط على مدى سنوات لموجبات مستحقة ولاحقة، الأمر الذي يعطي الاقتصاد مهلة كافية ربما لإعادة ترتيب الأوضاع بانتظار مفتاح الفرج.

وبعض هذه الواقعية سببها ربما أن وزير المال قبل تولّيه المهمة الصعبة في هذه الحقيبة الوزارية المعقدة، سبق أن قدّم دراسات واحصاءات دقيقة عن الأوضاع الاقتصادية قبل انفجار الأزمة بما يسهل عليه إجراء مقارنات وتحديد فوارق بين ظروف الأمس واليوم.

 

ولكن..

إضافة الى معرفة الوزير بهذه الفوارق، يعرف أيضا كيف تختلف «روما من فوق عن روما من تحت» في موازنة للعام ٢٠٢١ ترسم أرقاما من أمنيات وتطلعات فوق ركام انهيارات. والعذر ربما أنه رغم كل الوقائع لا بد من موازنة على طريقة «تصميم الواجهة» أو Window Dressing كما يقال، ملائمة لنظرة المجتمع الدولي ولا سيما صندوق النقد ودول مساعدة لبنان ومؤتمر سيدر. وهذا رغم ان العجز في الموازنة جاء أكبر بكثير مما التزمه لبنان بخفض تدريجي يحوّل العجز الى توازن على مدى سنوات، لم يتحقق لا في هذه الموازنة ولا في الموازنة السابقة التي فصلت موازنة العام ٢٠٢١ بدقة ملفتة ما خطط لها من ايرادات فضفاضة لم يتحصل منها سوى ٦٠% منها إيرادات أملاك بحرية لم يحصل منها أكثر من ٢٥% ومخالفات بناء لم يحصل منها أكثر من 2,5%.. فكيف سيكون الحال في عام جديد بمؤشرات أكثر سوءا من سابقتها على أساس نظرية الأضعاف والمضاعفات Multiplier لا سيما مع استمرار جموحات الدولار واجتياحات الكارثة الوبائية وتداعيات الأزمة الحكومية، بما لن يسهل تغطية نفقات أكيدة في الموازنة الجديدة بحوالي ١٢ مليار دولار، بإيرادات غير أكيدة لا سيما إذا قورنت بما تحصل من واردات ميزانية ٢٠٢٠ وبما قد يرفع العجز عندها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة الى ضعف نسبة الـ٢٥% المقدرة خصوصا إذا أضفنا الى النفقات ما لم ترصده الموازنة من عجز الكهرباء الذي ورد بشكل «سلفة» بدلا من نفقة وخدمة دين عام لم يوضع له احتياطيات لعام حافل بالكوارث والمطبات!

يضاف انه بالمقارنة بين موازنة ٢٠٢٠ و٢٠٢١ يتبيّن ان الواردات المرصودة في موازنة ٢٠٢٠ لم يتحصل أو لن يتحصل منها بما يتناسب ما هو مرصود لها، بسبب الظروف الصعبة التي شهدها العام. ومع ذلك توقعت موازنة هذا العام الواردات نفسها تقرببا مع أنه كما يستدل حتى الآن سيكون أكثر صعوبة، وبالتالي كان يفترض أن تكون توقعات موازنة ٢٠٢١ بواردات أقل بكثير بالنظر الى انخفاض الناتج المحلي الاجمالي السنوي من حوالي ٥٥ مليار دولار حسب تقديرات صندوق النقد الى ١٨ مليار دولار، وفي أحسن الحالات إلى ٣٠ مليار دولار تقديرات البنك الدولي مقابل ٢٦ مليار دولار تقديرات معهد التمويل الدولي.

ومع ذلك لم تلتفت الموازنة الى هذا التراجع في تقديرات الواردات من ضريبية وغير ضريبية. إلا إذا أخذنا بالاعتبار أن الجزء الأكبر سيكون من الضريبة من الفوائد على الودائع، ولكن حتى في هذا البند لن يكون حساب الحقل منسجما مع حساب البيدر، بالنظر الى ان الودائع تراجعت. ومعدل الفائدة تراجع الى أقل من ١% وبالتالي لن يكون الوارد الضريبي من هذا البند بالحجم المرسوم في موازنة هذا العام التي رغم كل هذه الثغرات اختارت الحفاظ على الأمل المنشود من موازنة ٢٠٢٠ ولم يتحقق.

وعلى سبيل المثال في موازنة ٢٠٢٠ كانت الواردات المرصودة لمخالفات البناء ٣٠ ألف مليار ليرة وتحصل منها لغاية آب ٢٠٢٠ نحو ٧٨١ مليار. فكيف يمكن مع اشتداد الأزمات المالية والوبائية، توقع ما هو أفضل؟!

والشيء نفسه عن واردات الأملاك البحرية التي توقعت موازنة ٢٠٢٠ تكون ٦٠ ألف مليار ولم يتحصل منها لغاية آب ٢٠٢٠ سوى نحو ٢٤٠ مليار فقط!

وبالتالي كيف يمكن الإبقاء على أرقام سنوات نشاف على أرقام سنوات عجاف؟!

العذر ربما في إبقاء الأمور على حالها ضرورة إعطاء موازنة ملائمة ولو شكلا لطلبات صندوق النقد الدولي الذي يعرف على أي حال عن موازنة لبنان أكثر مما توحي به دولة لبنان. إضافة الى سبب آخر هو الإبقاء وسط طوفان عارم من اليأس على ما أمكن من الأمل.

وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! وعملا بالبيت الشهير لإيليا أبي ماضي، بتصرف:

قال التجارة في كساد مثل المسافر يكاد يقتله الظما قلت ابتسم فلربما

قال السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم… يكفي التجهم في السما.