Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 2, 2018
A A A
يوسف الغول … أسطورة الكرة اللبنانية
الكاتب: ابراهيم وزنة - البناء

تميّز حارساً ومهاجماً ورجل أعمال
*

قد لا تبصر كرة القدم اللبنانية يوماً، في مستقبلها لاعباً فذاً بمستوى يوسف الغول الذي كان يطلق عليه لقب «الدبّو» في بداياته الكروية. فهو الوحيد، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم الذي تألق في مركز حراسة المرمى، ثم في مركز الهجوم وكان البعبع لحراس المرمى، لقوة تسديداته بالقدمين وبالرأس. حياة الغول حافلة بالكثير من المحطّات، حزن وفرح وفقد للأحبة، تألق واعتزال بلا ضجيج، انتقاله بين أكبر الفرق اللبنانية، وربما هو الوحيد الذي لعب مع النجمة فقهر الأنصار ولما لعب مع الأنصار قهر النجمة، فمَن هو هذا اللاعب الأسطورة، المتميّز عن بقية لاعبي الكرة في لبنان؟ اليكم الحكاية …

في منطقة صبرا وفي بيت مجاور لأرض جلول حيث الملاعب الترابية كانت الملاذ الوحيد للصبية في تلك الأيام ولد يوسف علي الغول في 18 شباط من العام 1948، وكان والده «أبو صلاح» قد باشر بشق طريقه العملي منفرداً في العام 1950 بعد أن عمل لسنوات عند آل يموت في معمل الزجاج الأول في لبنان والشرق الأوسط، ويوسف هو الأبن الثاني في العائلة البيروتية المحافظة المؤلّفة من أربعة شباب، هم: صلاح الدين، يوسف، عبد الحفيظ ومحمد.

تعلّق يوسف بوالدته كثيراً، وكانت تُغدق عليه حبّاً واهتماماً زائداً، وفي ضوء مرضها وعدم قدرتها على الاهتمام اللازم بأولادها الأربعة اضطر الحاج أبو صلاح إلى تسجيل أولاده في مدرسة خاصة تابعة لجمعية المقاصد الاسلامية في صيدا، وفيها نالوا الشهادة الابتدائية.

انتظار «الصيفيات» لتفجير مواهبه
كانت سعدية حمزة والدة يوسف الغول تحرص على زيارة أبنائها أسبوعياً في مدرستهم الداخلية في صيدا، لكن الأولاد كانوا ينتظرون العطلة الصيفية على أحرّ من الجمر، لتمضية الأشهر الثلاثة في بيت العائلة. ويومها، كان يوسف يرتاد بشكل يومي إلى الملاعب الترابية المحاذية حيث برز في مركز حراسة المرمى، وخلال الدورات التي كان ينظّمها اللاعب التاريخي محمود البرجاوي «أبو طالب»، وجد محله محفوظاً مع رفاق الحي ولما يبلغ من العمر 16 عاماً، فراح يحرس عرين الفريق الذي يضمّه إلى جانب سعد الدين البرجاوي ومروان النيغرو واسامة الحسامي المعرّف بـ «الفولسفاكن» وسمير الديك وإبراهيم عيتاني، ولطالما لقي نتيجة إمعانه في اللعب قسوة من والده وكثيراً ما حرمه «الخرجيات والعيديات»، فأبو صلاح يريده متألقاً في العلم ومساعداً له في المعمل مستقبلاً.

الانطلاقة.. وإثبات الذات
وحده يوسف شقّ طريقه الكروي تاركاً مسألة مساعدة الوالد في عمله على عاتق أشقائه. فمن دورات أرض جلول كانت انطلاقته المجلية، ومن فريق التضامن بيروت، فريقه الرسمي الأول، وصل سريعاً إلى صفوف الراسينغ أحد أبرز الفرق اللبنانية حيث برز بشكل لافت. ومنه تمّ استدعاؤه إلى صفوف المنتخب الوطني، وفي ضوء هذا التألق الكروي تصدّر اسمه وصوره وانجازاته الصحف… عند ذلك اضطر والده إلى تغيير رأيه وقناعاته، فحصلت الانعطافة الإيجابية من الوالد تجاه ولده النجم الكبير الذي أصبح اسمه على كل شفة ولسان، لا بل راح يحضر مبارياته ويشجّعه، وفي ضوء البروز اللافت لـ «غول» الملاعب اللبنانية، سعت الفرق العربية الى ضمّه، فكانت له تجربة احترافية لأشهر عدّة في الكويت مع فريق الكويت، ومثلها في مصر مع ناديي «المقاولون العرب» والإسماعيلي.

والجدير ذكره في السياق الفنّي، أن مدرب الراسينغ الروماني بوغدان اكتشف فيه موهبة الارتقاء عالياً في الهواء، فكان يدفعه في ربع الساعة الأخيرة من كل مباراة، من حراسة المرمى الى قلب الهجوم بعد إعلام الحكم وتبديل قميصه مع أحد زملائه اللاعبين، وقلما كان يخرج من الملعب من دون أن يصدّ أكثر من كرة خطرة، ومن دون أن يسجّل هدفاً ولا أحلى، وذات مرّة صرّح بوغدان بأن الغول أفضل من بيليه، لكن الأخير ولد في البرازيل والأول في لبنان.

مع صعود التضامن بيروت الى مصاف أندية الدرجة الأولى في العام 1971 عاد الغول ومن باب الوفاء ليلتحق بالفريق الذي انطلق منه، ومعه سجّل أهدافاً لا تمحى من ذاكرة الزمن الجميل، ففي أول لقاء جمع بين النجمة والتضامن على ملعب بيروت البلدي فاز فريق «الغول» بنتيجة 5 ـ 1 يومها سجّل يوسف هدفين ورفيق دربه سعد الدين برجاوي ثلاثة.

بين النجمة والأنصار
مع نهاية موسم 1972 انتقل الغول الى نادي النجمة، ومعه أيضاً شكّل رباعياً مرعباً مع جمال الخطيب وطه بيومي ومحمود برجاوي المتخصص برفع الكرات العالية له، فأحرز لقب هدّاف الدوري، وفي الوقت نفسه صار يعمل مع والده آخذاً على عاتقه المسائل الإدارية والعلاقات العامة مستفيداً من اسمه الضارب في طول البلاد وعرضها وسمعته الكروية الأخلاقية بين جميع الأندية والمحافل الرياضية، وفي العام 1977 ولما كان يحمل استغناءه في جيبه وبعد عودته من سفرة غير موفّقة في السعودية تمرّن خلالها مع الهلال لشهرين ، حصل خلاف بينه وبين عرّاب فريق النجمة الفنّي الكابتن سمير العدو «أبو علي» ما جعله يخلع القميص النبيذي الذي ظل محتفظاً به لسنوات وسلّمه في مشهد وداعي إلى الإداريين الحاضرين في الملعب، وما هي الا أشهر معدودة حتى انتقل إلى صفوف غريم النجمة المباشر نادي الأنصار، وكان قد حظي «الغول» بشعبية واسعة قبل أن يوقّع على كشوفات الأنصار لينهي حياته الكروية فيه، وفي هذا السياق صرّح أبو جمال ذات يوم بانه اختار الأنصار بالذات خلال فترة الأحداث الأليمة لأن الأنصار كان أفضل ممثل للكرة اللبنانية في المحافل العربية والآسيوية، ولاحقاً خاض معه مباريات كثيرة جداً تحت لواء المدرب عدنان الشرقي، وذات رحلة الى السعودية حصل خلاف بين المدرب واللاعب لاختلاف واضح بين الشخصيتين، فقرر الغول اعتزال الكرة نهائياً في شهر ايلول من العام 1984 بعد عودته مباشرة من السعودية.

وخلال حياته الكروية اشتهر الغول بأنه لم يكن محبّاً للمال وغير أناني، فهو كان يشتري الأحذية الرياضية من جيبه الخاص، حتى لا يكلّف خزينة النادي فوق مخصصاته الشهرية، كما أن عفّة نفسه كانت تمنعه من الطلب من مسؤولي الفرق شراء أشياء رياضية خاصة به.

الزوج والوالد.. والمرض
تزوّج يوسف الغول باكراً، وهو في التاسعة عشرة من عمره، بناء لرغبة والده الذي كان يؤمن بان الزواج المبكر يحمي الأبناء من الانحراف ويدخل السرور إلى الأهل والرحمة إلى القلوب، أعجب بابنة الحي وفاء عز الدين فبادلها الحب والحنان والاحترام، ورزقهما الله بأربعة أولاد، هم: سعاد المولودة في العام 1969 أسمّاها تيمّناً بوالدته التي فارقت الحياة قبل سنة من ولادتها، جمال المولود في العام 1970 وأطلق عليه اسمه محبّة وإعجاباً بالزعيم العربي جمال عبد الناصر، وقد ولد جمال بعد أيام معدودة من رحيل ناصر العروبة، خليل المولود في العام 1972 تيّمناً بجد العائلة الأول ووسام 1974 .

وفي العام 2001 حلّت المصيبة الأولى على عائلة نجمنا الكبير، حين فقد ابنه جمال، ثم وقعت الصدمة الأكبر مع وفاة ابنته البكر سعاد 2006 ، ومن ارتدادات هذا الفقد الموجع تحوّل الغول إلى أجواء الزهد وبقي مواظباً على الإغداق على الفقراء والمحتاجين، وفي العام 2016 تعرّض الكابتن يوسف إلى جلطة دماغية، ثم تفاقمت حالته المرضية حتى أصبح بعيداً عن مخالطة الناس.

قريباً.. كتاب «يوسف الغول… حكاية كروية للأجيال»
تكريماً لمسيرته ووفاء من نجله خليل، عضو مجلس إدارة نادي النجمة، سيصار إلى إصدار كتاب يروي قصّة حياته ويوثّق إنجازاته تحت عنوان «يوسف الغول… حكاية كروية للأجيال» وقد تمّ إنجازه مؤخراً، إعداد وتحرير إبراهيم وزنه، وسيعلن عن حفل التوقيع الذي سيُقام خلال الأسبوعبن المقبلين تحت رعاية رئيس الحكومة سعد الحريري.