Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر November 29, 2024
A A A
يعودون لأنهم منذورون
الكاتب: فيرا يمين - موقع المرده


وهم يعودون الى أرضهم يمتدّ ظلّهم على طول الخارطة. حجارة بيوتهم وجوه أحبّائهم وركام منازلهم بيادر قمح صبرهم، حُفَرُ الطرقات تجاعيدُها والراياتُ هامات. يعودون محمّلين بالمحبة والنخوة مونةً لصقيع الدمار.يعودون والعودة آخر فصل من فصول الصمود، والصمودُ عصبُ النصر ومختبرُ الانتماء. يعودون ليبحثوا بين الركام عن صورة كانت مخبأة في الخزانة، عن مسبحة،عن كتاب، عن دفتر، عن تفاصيلَ كانت بالأمس مهملة لتصير اليوم كل القصة. يعودون وعلى متن سياراتهم أكوام ثياب مفصّلة على مقاس العودة وفي جيوبهم حبّات بخور من الكنائس والصوامع والجوامع ذخيرة لمواقيت الصلاة. يعودون ليتفقدوا قلاعهم وآثارهم وتراثهم وتراب أجدادهم ورخام مدافنهم وجذوع زيتونهم وعطر الأقحوان الطالع من صخورهم والعسل المعتّق في تبغهم. يعودون وقد لا يجدون بيتاً أو شرفة أو عتبة أو كرمةً لكنّ في الأرض دماء هي الكنز الذي منه سيزرعون ويسقون ويرمّمون ويبنون، ويحصدون القصائد باقاتِ حبّ لم يهزمه وجع ولا رحيل، حبّ نقي الا من خطيئة الحبّ. يعودون الى أرزاقهم ولو اجتاحها اليباس ففي قُرَبِ العودة ماء يروي أرضاً وحكاياتٍ وقصصاً حاكها الأحفاد عباءةً للبلاد. يعودون وكفّهم سهل الخيام وقبضتهم صخرة جبل عامل وصوتهم أجراس قانا. واذا يمّموا صوب البقاع رفعتهم بعلبك شجر لزاب وغار. يعودون فيتعمّد الانتصار ويُمسح جبينه بميرون العزّة. يعودون لأنّهم منذورون.