Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر February 16, 2021
A A A
“يحصدون الشمس”.. ما قصة الطاقة التي تتنافس أميركا والصين على نقلها الى الأرض؟
الكاتب: عربي بوست

رغم أن الأمر يبدو وكأنه خيال علمي، إلا أن نقل الطاقة من الفضاء إلى الأرض ممكن تقنياً فيما يعرف باسم الطاقة الشمسية الفضائية، وهناك منافسة محتدمة بين العديد من الدول من بينها أمريكا والصين لجلب الطاقة الشمسية من الفضاء مباشرة بغرض استخدامها في كوكبنا.

يمكن تشبيه تقنية الطاقة الشمسية الفضائية بحصاد الشمس مبكراً قبل وصولها للغلاف الجوي.

فهل يتحقق هذا الحلم العلمي وبأي وسيلة وما هي أضراره المحتملة، ومن يكون له السبق في حصد الطاقة الفضائية؟

 

 

فكرة تعود لمائة عام
تعود فكرة إرسال الطاقة بدون أسلاك إلى عام 1890 عندما جرب العالم الروسي نيكولا تيسلا أجهزة لنقل الطاقة باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية. بينما لم يكن تيسلا قادراً على تحقيق حلمه في تزويد العالم بالطاقة، لدينا اليوم أشياء مثل الشحن اللاسلكي للأجهزة القريبة من بعضها البعض.

ويرجع الفضل إلى كاتب الخيال العلمي إسحاق أسيموف في إبراز فكرة مشاريع الطاقة الشمسية الفضائية في عام 1941.

وحالياً، تستخدم المحطات الفضائية والأقمار الصناعية الألواح الشمسية لتلبية احتياجاتها من الطاقة، لكن ناسا تخلت عن مفهوم الطاقة الشمسية الفضائية المستقلة بعد عقد من الدراسات.

إن فكرة بناء مشاريع الطاقة المتجددة في الفضاء لإعادة طاقة الشمس إلى الأرض هي فكرة مثيرة للجدل، لكنها يمكن أن تعيد تشكيل الطريقة التي يتم استخراج الطاقة بها على وجه كوكب الأرض.

الطاقة الشمسية الفضائية SBSP هي مفهوم يقصد به تجميع الطاقة الشمسية في الفضاء الخارجي ونقلها إلى الأرض.

وتقوم الفكرة على أن تقوم أنظمة الطاقة الشمسية الفضائية التي سيتم بناؤها أو إرسالها إلى الفضاء بتحويل ضوء الشمس إلى موجات ميكروويف خارج الغلاف الجوي ثم ترسل لمحطات استقبال في الأرض، وهناك اقتراحات بأن تحول الطاقة لليزر قبل أن ترسل للأرض (ولكنها لم تصل لمراحل جدية).

ولكن المشكلة الرئيسية هي التكلفة كبيرة بسبب تكلفة إطلاق المنصات الحاصدة للطاقة الشمسية إلى الفضاء.

ويعتبر SBSP شكلاً من أشكال الطاقة المستدامة أو الخضراء، والطاقة المتجددة، ويُنظر إليه أحياناً بين مقترحات هندسة المناخ. وفي فكرة جذابة لأولئك الذين يبحثون عن حلول واسعة النطاق للتغير المناخي أو لمواجهة المخاوف من استنفاد الوقود الأحفوري.

 

 

المزايا
تشمل المزايا المحتملة لتجميع الطاقة الشمسية في الفضاء معدل تجميع أعلى وفترة تجميع أطول بسبب عدم وجود غلاف منتشر يمتص جزءاً من الطاقة، وإمكانية وضع مجمّع شمسي في موقع معرض للشمس دوماً حيث لا يوجد ليل.

من المعروف أن جزءاً كبيراً من الطاقة الشمسية الواردة يُفقد في طريقه عبر الغلاف الجوي للأرض بسبب تأثيرات الانعكاس والامتصاص (55-60%)، ففي الفضاء يكون ضوء الشمس أكثر كثافة لأنه لا يمر عبر الغلاف الجوي.

يمكن أن تتلقى أسطح التجميع في الفضاء المزيد من أشعة الشمس الشديدة مقارنة بألواح الطاقة الشمسية على الأرض، بسبب عدم وجود عوائق مثل الغازات الجوية والسحب والغبار ومؤثرات الطقس الأخرى. وبالتالي فإن الشدة في المدار تبلغ حوالي 144% من أقصى كثافة يمكن بلوغها على سطح الأرض.

كما يمكن أن تتعرض الأقمار الصناعية التي تدور في مدارها إلى درجة عالية باستمرار من الإشعاع الشمسي، لمدة 24 ساعة في اليوم بشكل عام، بينما تجمع الألواح الشمسية على سطح الأرض الطاقة حالياً بمعدل 29% من اليوم.

يمكن إعادة توجيه الطاقة بسرعة نسبياً مباشرةً إلى المناطق التي هي في أمس الحاجة إليها. حيث يمكن لقمر التجميع أن يوجه الطاقة عند الطلب إلى مواقع سطحية مختلفة بناءً على احتياجات طاقة الحمل القصوى.

إذ يمكن للنظام الشمسي الفضائي أن يستهدف أماكن مثل اليابان أو هاواي، حيث يمكن أن تكون أسعار الكهرباء من أربعة إلى خمسة أضعاف الأسعار في البر الرئيسي للولايات المتحدة.

 

 

ما هي الدول التي تجري أبحاث في هذا المجال؟
أبرز الدول التي تجري أبحاثاً أو مهتمة بمفهوم الطاقة الشمسية الفضائية هي اليابان والصين وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

ففي عام 2008 أصدرت اليابان قانون الفضاء الأساسي الذي وضع الطاقة الشمسية الفضائية كهدف وطني، ولدى وكالة جاكسا المعنية بالأمر، خارطة طريق للوصول إلى حصاد الطاقة الشمسية الفضائية بشكل تجاري.

وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، اقترحت الصين التعاون في مجالات الفضاء مع الهند وذكرت من بينها الطاقة الشمسية الفضائية (SBSP)، حيث تحدثت بكين عن مبادرة الطاقة الشمسية المستمدة من الفضاء التي قالت إنه يمكن لكل من الهند والصين العمل فيها جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى الراغبة في ارتياد الفضاء لجلب الطاقة الشمسية الفضائية إلى الأرض”.

في عام 2015، عرضت الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الفضاء خارطة طريقها في المؤتمر الدولي لتطوير الفضاء.

في مايو/أيار 2020، أجرى مختبر الأبحاث البحرية الأميركية أول اختبار له لتوليد الطاقة الشمسية في قمر صناعي.

تم البحث في العديد من مقترحات حصد الطاقة الشمسية الفضائية (SBSP) منذ أوائل السبعينيات ولكن لم يكن أي منها مجدياً اقتصادياً مع البنية التحتية لإطلاق الفضاء في الوقت الحاضر.

يتكهن بعض التقنيين بأن هذا قد يتغير في المستقبل البعيد إذا تم تطوير قاعدة صناعية خارج الأرض يمكنها تصنيع أقمار صناعية للطاقة الشمسية من الكويكبات أو الأجسام القمرية، أو إذا كانت تقنيات إطلاق فضائية جديدة جذرية غير الصواريخ يجب أن تصبح متاحة في المستقبل.

 

 

هل هي مضرة؟
يتحدث البعض عن أن هناك مشكلة ستنتج جراء تسليط أشعة ميكروويف قوية على الأرض، مما قد يخلق خطراً على كل شيء يحلق في السماء من الطائرات إلى الطيور المهاجرة. وقد يكون البديل هو استخدام الليزر، لكنه له مخاطره ومشكلاته الخاصة، وبالتالي فهناك من يقترح أن تكون المناطق فوق المحطات الأرضية مناطق حظر طيران.

ولكن يقول آخرون إنه على عكس مظهر الطاقة الشمسية الفضائية في الروايات الشعبية وألعاب الفيديو، فإن معظم التصميمات التي تقترح أفكاراً لحزم نقل الطاقة الشمسية الفضائية ليست ضارة إذا تعرض لها البشر عن غير قصد، في حال مثلاً إذا خرج مسار الشعاع المرسل من القمر الصناعي عن مساره.

كما يفترض أن يكون هناك قيوداً على البنية التحتية الخاصة بأنظمة نقل الطاقة الشمسية الفضائية وإجراءات احترازية تمنع أن تتسبب حزم نقل هذه الطاقة أي مخاطر على لبشر أو الحيوانات والنباتات.

 

 

العوائق والسلبيات
تواجه الطاقة الشمسية الفضائية عدداً من المشكلات أبرزها تكلفة إطلاق أقمار صناعية ملائمة للعملية، في ظل تكنولوجيا الإطلاق الحالية، والحجم الكبير والتكلفة المقابلة لمحطة الاستقبال على الأرض.

تاريخياً جعلت تكلفة إطلاق الصواريخ والوزن المطلوب لمشروع بهذا الحجم فكرة الطاقة الشمسية الفضائية غير مجدية. وهناك علماء لا يزالون يؤمنون بهذا الرأي اليوم.

يقول آخرون إن وجهة النظر هذه أصبحت قديمة بسرعة بسبب الانخفاض الكبير في تكاليف إطلاق الصواريخ من خلال الجهود التي تم تمويلها من قبل المليارديرات بما في ذلك المدير التنفيذي لشركة تيسلا إليون ماسك الذي أسي شركة SpaceX العاملة في مجال الفضاء، وجيف بيزوس المدير التنفيذي لأمازون الذي أسس شركة Blue Origin لنفس الغرض.

وفي الوقت نفسه، فإن التطورات في مجال الروبوتات والتصنيع المعياري (القدرة على إنتاج العديد من القطع المعيارية الصغيرة لصنع مجموعة كاملة بدلاً من قطعة واحدة ضخمة من المعدات)، يمكن أن تؤدي إلى طرق فعالة من حيث التكلفة لبناء هذه المشاريع في الفضاء دون الحاجة إلى بناء مصنع في الفضاء بمليارات الدولارات.

ومن المشكلات الإضافية ضرورة نقل حزم كبيرة من الطاقة وصعوبة صيانة الألواح الحاصدة للطاقة في الفضاء، كما يمثل الحطام الفضائي خطراً كبيراً على الأجسام الكبيرة في الفضاء، ولا سيما بالنسبة للهياكل الكبيرة مثل أنظمة SBSP.

كما يجب أن تكون الأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة الشمسية كبيرة جداً من أجل التقاط ما يكفي من الطاقة الشمسية، ويجب أن يكون لديها هوائيات كبيرة جداً لنقل الحزمة إلى الأرض. ستكون هذه الأعمال أكبر بكثير من محطة الفضاء الدولية، والتي هي نفسها أكبر من ملعب كرة قدم. وتبلغ تكلفة إنشاء محطة الفضاء الدولية 100 مليار دولار، مما يمنح فكرة عن تكلفة قمر صناعي أكبر- وإن كان أبسط- لنقل الطاقة الشمسية الفضائية إلى الأرض.

كما أن الحجم الهائل لهوائيات الاستقبال يتطلب شراء مساحات كبيرة من الأرض بالقرب من المستخدمين النهائيين.

كما يمكن أن تصبح مدة خدمة المجمعات الفضائية في مواجهة التحديات الناجمة عن التعرض الطويل الأمد لبيئة الفضاء، بما في ذلك التدهور الناجم عن الإشعاع والأضرار الناجمة عن النيازك الدقيقة، مصدر قلق ومشكلة إضافية.

إضافة إلى ذلك تتضمن تصميمات أنظمة الطاقة الشمسية الفضائية عموماً استخدام بعض طرق نقل الطاقة اللاسلكية والتي تعاني من عدم كفاءة عملية نقل الطاقة حتى الآن.

 

 

المنافسة بين الصين وأميركا
تصاعدت المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في محاولة إطلاق مشاريع للطاقة الشمسية الفضائية ضمن توسع المنافسة بينهما على الفضاء عامة.

فلقد أعلنت الصين مؤخراً أنها تتوقع خلال العقد المقبل إنهاء اختبارات نقل الطاقة عالية الجهد والطاقة اللاسلكية التي ستكون ضرورية لنظام الطاقة الشمسية الفضائي.

وفي المقابل قامت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإضفاء الطابع الرسمي في فبراير/شباط 2020 على خطط إنشاء فرع من الجيش الأميركي يُعرف باسم قوة الفضاء الأميركية.

وتتضمن خطط محطة الطاقة الشمسية التي تدرسها الصين إطلاق مشاريع طاقة شمسية صغيرة إلى متوسطة الحجم في الستراتوسفير لتوليد الكهرباء بين عامي 2021 و2025 (الستراتوسفير هو الغلاف الجوي الطبقي هي إحدى طبقات الجو العليا التي تعلو طبقة التروبوسفير وتمتد من ارتفاع 18 كيلومتراً إلى نحو 50 كم فوق سطح البحر).

يلي ذلك محطة طاقة شمسية فضائية يمكن أن تولد ما لا يقل عن ميغاواط من الكهرباء في عام 2030، ومحطة للطاقة الشمسية على نطاق تجاري في الفضاء بحلول عام 2050.

يقال إن هدف الصين الحالي هي “أنها تريد أن تكون قوة رئيسية مهيمنة في الطاقة الشمسية الفضائية بحلول عام 2050”.

 

 

مشاريع أميركية
بالفعل هناك مشاريع أميركية اختبارية في مجال الطاقة الشمسية الفضائية.

فهناك مشروع X-37 PRAM-FX يوصف بأنه سري، وهو عبارة عن طائرة فضائية عسكرية غير مأهولة تسمى X-37B، تشبه نسخة أصغر من مكوك الفضاء، والتي صممها باحثون في مختبر أبحاث البحرية الأميركية.

ويقال إن هذه الطائرة تحمل جهازاً يحول الطاقة الشمسية إلى موجات دقيقة يمكن بثها إلى الأرض لتوفير طاقة خالية من الانبعاثات.

وحلقت الطائرة الفضائية X37-B في الفضاء خمس مرات من قبل، وهي قادرة على البقاء في المدار لأكثر من عام. لكن الجيش الأميركي كان شديد الصمت بشأن ما كان تفعله هذه الطائرة بالضبط في الفضاء خلال معظم هذه المهام السرية للغاية، وآخر رحلة معروفة، تم إطلاقها في 17 مايو/أيار 2020.

ويعتقد أنه بينما تهدف هذه التجربة إلى اختبار كفاءة النظام في الفضاء، فإنها لن ترسل حزمة موجات دقيقة إلى الأرض.

ويرجع هذا المشروع إلى أن الجيش الأميركي مهتم بتطوير تقنيات مستقبلية من شأنها أن تسمح لهم بنقل الطاقة من الفضاء إلى الأرض لتوفير الطاقة التي تحتاجها القوات في ميدان القتال، وتحديداً الطاقة اللازمة لتسيير المركبات وحتى الطائرات بدون طيار وبالتالي لن تحتاج هذه الآليات إلى حمل الوقود الأحفوري، بما يشكله من ثقل وتعقيدات لوجستية

على الرغم من التحديات الهائلة، يقول العلماء إن واحداً فقط من هذه الأقمار الصناعية الناقلة للطاقة الشمسية الفضائية يمكنه تلبية احتياجات الطاقة الكهربائية لمدينة كبرى مليونية والمناطق المحيطة بها.

بالنظر إلى نتائج مشروع PRAM ، ستكون الخطوة التالية هي تصنيع نظام يعمل بكامل طاقته على مركبة فضائية مخصصة لاختبار نقل الطاقة الشمسية الفضائية إلى الأرض.

في تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بعنوان “الفرص والتحديات المتعلقة بالطاقة الشمسية الفضائية للتركيبات البعيدة”، استكشفت مجموعة دراسة NRL مفهوم توفير الطاقة للمنشآت العسكرية عبر طريق الطاقة الشمسية الفضائية. قالت الدراسة إنه لا تزال هناك تحديات تكنولوجية واقتصادية وقانونية وسياسية وتشغيلية وتنظيمية وجداول زمنية كبيرة لم يتم حلها متأصلة في تطوير القدرة على استغلال الطاقة الشمسية الفضائية بشكل قابل للاستخدام.

ومع ذلك نظراً للطبيعة المحتملة لتغيير قواعد اللعبة للطاقة الشمسية الفضائية، أوصى فريق الدراسة بالاستثمارات في تكنولوجيا إرسال الطاقة رغم مشكلاته المتعددة.