Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر July 30, 2020
A A A
“وهم المال”… لبنان على درب الدول الأكثر تخلّفاً!
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

يقال في الأمثال الشعبية “من جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب”، وهو ما ينطبق “حفراً وتنزيلاً” على سلوك هذه الحكومة. فعلى الرغم من عدم مَللِها من تحميل وزر الأزمة إلى النهج السابق، ها هي تستعد لتكرار الأخطاء المميتة نفسها. ففي إطار خارج عن أي سياق اقتصادي أو حتى منطقي، لحل أزمة انهيار سعر الصرف، طالبت وزيرة العمل لميا يمين بتصحيح الاجور. فما كان من رئيس الحكومة إلا تكليف وزير المال وضع دراسة حول الموضوع.

مع الأسف فان هذا المطلب المحق لا يراد به باطل للاقتصاد الوطني فحسب، انما للمستهلكين أيضاً. إذ ان أي تعديل للاجور، ويقصد به زيادتها، يعني مضاعفة عملية طباعة الليرة اللبنانية، وتوسيع القاعدة النقدية تحت الطلب او النقد المتداول M0 بشكل هائل، يتخطى معدل 1400 مليار ليرة شهرياً المعمول به حالياً. وهو ما يطلق عليه بحسب الباحثة في علم الاقتصاد د. ليال منصور بـ MONEY ILLUSION أو “وهم المال”. فيظن المستهلكون ان قدرتهم الشرائية ارتفعت فيما تكون الحقيقة البشعة تتلخص بقفزات في الاسعار بمعدلات أكبر بكثير من زيادة الاجور. فلا يخسر الموظفون الزيادة المحققة فقط، بل ايضاً جزءاً كبيراً من رواتبهم الاصلية.

وهكذا تستمر لعبة العصا والجزرة الحكومية التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى “السقوط الحر” من وجهة نظر منصور التي تؤكد أنّ “خلق الاموال لتشجيع الانفاق والاستهلاك لا يكون في أوقات الازمات وفي اقتصاد مفلس. ذلك ان مفاعيله التضخمية ستكون كارثية وسريعة جداً، حيث لا تعود الاهمية لاحتساب نسب التضخم بل لقياس سرعته”. فعلى الرغم من التضخم المفرط HYPER INFLATION الذي يعاني منه لبنان وتخطيه بحسب تقديرات بعض الخبراء 500 في المئة، فان السرعة التي يسير بها تتجاوز 50 في المئة شهرياً. وفي حال استمرار منوال طباعة الليرة وزيادة حجمها على وتيرته الراهنة، فانه من المتوقع، برأي منصور، و”صول سرعة التضخم إلى 5 في المئة يومياً”، وهو ما يشكل كارثة حقيقية على اسعار السلع والمنتجات، وبالتالي على سعر الصرف. هذه العلمية قد تدفع بحسب الخبراء إلى مضاعفة سعر الصرف مرة واحدة وليس تدريجياً، وترقب ارتفاعات قد تصل إلى رقم مؤلف من 5 أصفار.

“سياسة تعميق انهيار الليرة المتبعة تدفعني اليوم أكثر من أي وقت مضى الى المطالبة بـ CURRENCY BOARD أو صندوق تثبيت القطع، بشكل ألا نطبع من الليرة أكثر مما يدخل البلد من دولار. والانصراف الى اصلاح القطاع العام ومالية الدولة”، تقول منصور. وإلا فان لبنان سائر من دون هوادة على درب أكثر الدول تخلفاً وشقاءً.

يبقى أنّ كل ما تقدم لا ينفي الحاجة إلى تصحيح الاجور نتيجة تدني قيمة الليرة اللبنانية والارتفاع الجنوني في الاسعار… انما بعد ضمان تنفيذ جميع الاصلاحات والبدء بتحقيق معدلات نمو مقبولة، كي تكون هذه العملية تصحيحاً فعلياً وليس زيادةً في الاخطاء والتدهور.