Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر July 7, 2016
A A A
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وصفقات الأسلحة في الشرق الأوسط
الكاتب: ألكسندر كوزنستوف - ستراتيجيك كلتشر

9746d30e177212a0d5091a8a1f9e6bf8

تسببت الحرب في سوريا في أضرار بشعة بالشعب، والاقتصاد، والبنية التحتية، وفي صدمات نفسية للوعي الجمعي للأمة السورية. لقد قُتل ما يقرب من نصف مليون سوري، وفرّ ستة ملايين من البلاد بعد أن أصبحوا بلا مأوى. ويقدّر حجم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري بنحو 180 مليار دولار.

ولكن هناك أيضًا مَن استفادوا من هذا النزاع المسلّح مثل تجَّار السلاح الذين جنوا أموالًا طائلة من خلال إرسال الأسلحة إلى «المعارضة» السورية، التي تتراوح بين الجماعات المعتدلة اسميًا مثل “الجيش السوري الحر” إلى الإرهابيين مثل جبهة النصرة وتنظيم “الدولة الإسلامية”. ولكي نكون أكثر دقة، لقد حققوا ثروة ضخمة من خلال إعادة بيع الأسلحة للمتطرفين التي أرسلتها أجهزة الاستخبارات من دول الخليج ومنظمة حلف شمال الأطلسي إلى القوات «المعتدلة». على سبيل المثال، الصواريخ المضادة للدبابات التي أُرسلت إلى “الجيش السوري الحر” ظهرت بعد أسابيع قليلة فقط كجزء من ترسانة يتم نشرها من قِبل قوات داعش وجبهة النصرة.

المرة الأولى التي ظهرت فيها المناقشات عن شحنات كبيرة من الأسلحة يتم إرسالها إلى القوات المناهضة للحكومة السورية كانت في نيسان/أبريل عام 2012، عندما غادرت سفينة الشحن “لطف الله 2″، ليبيا متجهة إلى الميناء اللبناني بطرابلس لكن تمّ الاستيلاء عليها في الطريق واتضح أنها تحمل كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر المعدة للمعارضين للحكومة السورية. هذه الأسلحة جاءت في الأساس من مخازن الأسلحة العسكرية لمعمر القذافي، قبل أن يستولي عليها «الثوار» ثمّ شراؤها من الليبيين من قِبل قطر وإرسالها إلى سوريا.

في أوائل عام 2013، كان حزب الله قادرًا على إغلاق قناة لبنانية لتهريب الأسلحة إلى سوريا. وبالإضافة إلى التزاماته بموجب تحالفه مع الحكومة السورية، كان الدافع وراء حزب الله هو القلق على مصير معقله. قادة هذا الحزب كانوا على علم أنَّ ما يصل إلى ثُلث الأسلحة المهربة لم تصل إلى وجهاتها المقصودة، ولكن بدلًا من ذلك لم تخرج من البلاد الموجودة فيها. وهذا خلق خطرًا حقيقيًا من أنَّ تلك البنادق الهجومية وقاذفات القنابل سيتم توجيهها نحو اللبنانيين.

كما تمّ اكتشاف أصل ليبي أيضًا للمواد السامة التي استخدمتها المعارضة المسلّحة في هجوم كاذب غرب الغوطة في آب/أغسطس 2013، معلنةً بعد ذلك أنَّ الأسد يقتل شعبه بالأسلحة الكيماوية. أثارت مقالة «الخط الأحمر وخط الفئران: أوباما أردوغان والثوار السوريين»، الذي كتبه مراسل صحيفة واشنطن بوست سيمور هيرش، ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الغربية والعربية. يجادل هيرش أَّن جبهة النصرة مسؤولة عن استخدام غاز السارين في الغوطة.

نظّمت المخابرات التركية الهجوم بغاز السارين في محاولة لدفع الولايات المتحدة لبدء تدخل عسكري في سوريا. وبحسب هيرش، تمّ تزويد “الثوار” السوريين بالغازات بالإضافة إلى الأسلحة التقليدية من ترسانات الجيش الليبي وشحنها عن طريق تركيا. وقد عملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وجهاز المخابرات البريطانية، ووكالة الاستخبارات التركية معًا لتنسيق هذا الحادث. ونظرًا لمشاركة جهاز المخابرات البريطانية المسؤولة رسميًا عن العملية، لم يُطلب من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إخبار الكونغرس.

رفضت وكالة الاستخبارات المركزية المساعدة من الوسطاء اللبنانيين، وبدأت توريد أسلحة إلى المعارضة المسلّحة مباشرة عبر تركيا. وفي نيسان/أبريل عام 2014، كان الفصيل المعروف باسم “حركة حزم” يمتلك ترسانة مكّونة من عشرة من أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات “تاو”. وسرعان ما بدأ عدد هذه الأنظمة يتضاعف، وكانت الصواريخ نفسها تُستخدم بشكل متزايد من قِبل مقاتلي جبهة النصرة. من السهل تفسير ذلك. لقد أرادت الجماعات «المعتدلة» كسب بعض المال. وفي حالات أخرى، أخذ المتطرفون الأسلحة من أيدي «المعتدلين». وشرح أحد المسلّحين في تنظيم “الدولة الإسلامية” هذا الوضع قائلًا: «نحن نحب الجيش السوري الحر. عندما لم يكن لدينا ما يكفي من الأسلحة نذهب إليهم ونأخذ ما نريد، من دون استئذان».

وقبل أيام قليلة تفجّرت فضيحة في ضوء الأنباء التي تفيد بأنَّ الولايات المتحدة شحنت الأسلحة إلى القوات المناهضة للحكومة السورية عن طريق الأردن. ووفقًا للتقارير التي نشرتها قناة الجزيرة وصحيفة نيويورك تايمز، فإنَّ عملاء المخابرات الأردنية سرقوا الأسلحة الأمريكية التي أُرسلت إلى القوى المناهضة للأسد التي يجري تدريبهم في الأردن وباعوها في السوق السوداء. وقد تمّ استخدام واحدة من تلك البنادق في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما قتل كابتن أبو زيد خمسة أشخاص رميًا بالرصاص في مركز تدريب تابع لقوات الشرطة في عمّان. وبحسب ما ذكرته قناة الجزيرة، جنى الأردنيون المشاركون في مخطط تجارة الأسلحة ما يُقدّر بملايين الدولارات من الأرباح. أكبر أسواق الأسلحة في الأردن هي في مدينة معان، في الجزء الجنوبي من البلاد، وفي مدينة سحاب، خارج عمّان، وفي وادي الأردن.

قبل الصراع في سوريا، كان الأردن واحدًا من الدول الأكثر سلمًا واستقرارًا في الشرق الأوسط. وقد تغيّر ذلك تمامًا الآن؛ فالحادثة التي وقعت في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في شمال الأردن البقعة يوم 6 حزيران/يونيو كشفت عن ضعف المملكة الأردنية. كما قُتل خمسة ضباط من الأجهزة الأمنية الأردنية خلال هجوم على مكتبهم الذي يقع خارج هذا المخيم الذي يُعرف بأنّه أكبر مأوى للاجئين الفلسطينيين في الأردن. وكان هذا ثاني هجوم إرهابي خطير في هذا البلد هذا العام. وفي يوم 2 آذار/مارس اشتدت المعركة المدة 12 ساعة في مدينة أربد بين وحدات من الجيش الأردني والإرهابيين.

الوضع في الأردن يتدهور، وذلك لأنَّ حكومة الملك عبد الله، تحت ضغط من الولايات المتحدة، افتتحت مركزًا لتدريب للمتشددين المناهضين للحكومة السورية. كما يدعم القادة الأردنيون الجبهة الجنوبية المعتدلة، التي تنشط في محافظة درعا. ومنذ أواخر عام 2015 كانت هناك خطة جارية لشحن صواريخ “ستينغر” من المملكة العربية السعودية إلى “لواء شهداء اليرموك”. ووفقًا للتقارير التي كتبها الصحفي البريطاني باتريك كوكبيرن: «تُظهر العديد من أشرطة الفيديو أنَّ لواء اليرموك حارب إلى جانب جبهة النصرة».

لقد بلغ الصراع في سوريا درجة جلب الموت والدمار ليس فقط للسوريين ولكن أيضًا لسكّان الدول المجاورة، مثل لبنان وتركيا والأردن. مناطق جنوب شرق تركيا، التي يتمّ اختراقها من قِبل عصابات تنظيم “الدولة الإسلامية”، وحيث لا تزال القوات الحكومية تحارب المتمردين الأكراد، تذكّرنا بسوريا. ومن الممكن أن ينتظر الأردن مصيرًا مماثلًا لما تشهده سوريا.