Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 23, 2024
A A A
وقائع الميدان تخالف خطط العدو
الكاتب: يحيى دبوق

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

ينهي وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن زيارته لفلسطين المحتلة، التي جاءت لتنسيق الجهود الأميركية – الإسرائيلية في محاولة فرض الإرادات على الجانب اللبناني في مرحلة المواجهة الديبلوماسية التي تأمل تل أبيب وواشنطن أن تفضي إلى ما يحقق أقصى مصالحهما.

وإذا كانت شهية تل ابيب تقتصر على الجانب الأمني ومحاولة فرض واقع جديد يمنع ما أمكن تهديد المقاومة وترميم قدراتها لاحقاً، فإن شهية واشنطن أعمّ، وتشمل واقع لبنان السياسي ومستقبله وهويته. فهي ترى أن الفرصة مؤاتية لفرض إرادتها السياسية على بلد لطالما استعصى عليها. ولذلك، تبدو الحرب وما يؤمل أن تحققه من نتائج مصلحة أميركية أكثر مما هي مصلحة إسرائيلية.
ولدى الجانبين وقت ضيق لتحقيق أقصى ما يمكن رغم الشكوك في إمكاناتهما الفعلية، ما يثير شكوكاً إزاء قرار الحرب واستمرارها وإمكان تزخيم الاعتداءات فيها، تماشياً مع المساعي السياسية التي يتولاها الجانب الأميركي، حيث المفارقة واضحة جداً: من يعتدي ويشنّ الحرب من ناحية فعلية هو من يتولى الوساطة!
كيفما اتفق، الخطوة السياسية الأولى بدأت بالفعل، رغم أنها تحمل – وستحمل – شروطاً وإملاءات تصل سقوفها الى حد أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي لا يرجّحان أن يوافق الجانب اللبناني عليها، وهي خطوة قد لا تقف على زيارة واحدة بل قد تتكوّن من زيارات متلاحقة.
خطوة السقوف العالية جداً هي جزء من العملية التفاوضية ومقدمة لازمة لها، ويراد لها أن تشير إلى لبنان بأن أميركا أولاً وإسرائيل معنيّتان بأن لا يرفع حزب الله والمفاوض اللبناني سقف توقعاتهما بتسوية تتوافق مع المصلحة اللبنانية، وإلى أن أي خفض من تل أبيب وواشنطن لسقف الإملاءات سيبقى ضمن سقوف أعلى من النتائج الفعلية للمواجهة العسكرية نفسها.
أيضاً، كيفما اتفق، المرحلة الأولى من المفاوضات، ذات السقوف العالية، هي جزء من المفاوضات نفسها ومقّدمة لها، وفي العادة هي مرحلة يراد منها تظهير إرادة الحسم والصلابة وإرادة مواصلة المواجهة العسكرية ما لم يتلقّ المعتدي ما يريده.
المفاوضات بدأت، وهي إشارة الى أن الجهد العسكري وصل الى منتهاه، أو بعبارة أدقّ، هذا ما يمكن الوصول إليه عسكرياً. كذلك يعني أن مواصلة الحرب بلا نقطة تحوّل نحو الديبلوماسية، وهي ما يحذّر منها خبراء وكتبة إسرائيليون، ستؤدي إلى مراوحة ذات نتائج عكسية، وخصوصاً أن وقائع الميدان والمواجهات العسكرية المباشرة لم تتوافق مع الخطط الموضوعة على طاولة القرار في تل أبيب، وهو معطى لا يؤثّر فقط في القتال ونتائجه، بل أيضاً في نقطة التحوّل نحو الديبلوماسية، وسقف التوقعات منها، مع ربطها بمطالب العدوّ التي ستكون ابتداءً بلا سقوف أو من دونه.