Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 5, 2019
A A A
وقائع “الانهيار” في أدبيات المسؤولين!
الكاتب: روزانا بومنصف - النهار

لا تخفي مصادر رسمية مسؤولة انزعاجا ممن تعتبرهم “جهابذة” في الاقتصاد والتنظير الذي يسوقه بعضهم عبر وسائل الاعلام حول الاوضاع الاقتصادية والمالية والحلول التي يطرحونها.الا ان هذه المصادر نفسها تصحح الكثير مما ورد في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة والتي حملت الاعلام مسؤولية ما اعتبرته شائعات تتناول وضع العملة اللبنانية واثارة المخاوف من الانهيار على خلفية ان المسؤولين انفسهم هم من يتحمل مسؤولية اثارة المخاوف وليس الاعلام في الواقع الذي لا يمكنه الا الانطلاق من النقطة التي يتحدث بها المسؤولون للبناء عليها وتحليلها والتحدث عن الانعكاسات. تعود هذه المصادر بالذاكرة الى يوم خرج البطريرك الماروني بشارة الراعي من زيارة لرئيس الجمهورية في قصر بعبدا في 23 آذار من العام الماضي 2018 واعلن نقلا عنه ” ان الرئيس عون يقول ان البلد “مفلس” ما يعني اننا في حاجة الى الجميع لضبط المال والفساد”. وتردد يومذاك ان البطريرك الماروني خرج مستاء من رفض رئيس الجمهورية مساهمة الدولة في دفع مستحقات الاساتذة كما يطالب البطريرك لكن كان لهذا الكلام وقع صاعق اقتصاديا وماليا سارع الجميع الى لملمة انعكاساته. وتذكر هذه المصادر بالاشهر الطويلة لتعطيل تأليف الحكومة حين دأب رئيس مجلس النواب نبيه بري على التحذير من انهيار اقتصادي في معرض حضه الافرقاء على الانتهاء من عملية اخراج الحكومة الى النور. لكن الرئيس بري تحدث مرارا وتكرارا عن اسابيع لا اشهر تفصل البلاد عن انهيار اقتصادي ان لم تتألف الحكومة وان لم تأت الاموال التي وعد بها لبنان في مؤتمر “سيدر”. وهذا الالتزام الاخير لم يحصل بعد. ولم تنس الاوساط المالية بعد ما اعلنه وزير المال علي حسن خليل في كانون الثاني الماضي من اتجاه الى هيكلة الدين العام ما اثار صدمة على مستوى الكارثة بالنسبة الى السوق المالية وحتى حين عاد فعمد الى تصحيح ما قاله عبر الحديث عن اتجاه الى الجدولة وليس الى الهيكلة ما ادى الى انه وبدلا “من ان يكحلها عماها” وفق المثل الشعبي. وتداعيات هذا الموقف بقيت تجرجر طويلا وكانت مكلفة جدا. وحتى ان رئيس الحكومة سعد الحريري وفي معرض حضه على موازنة متقشفة في الربيع الماضي لدى اعداد موازنة 2019 حذر من مجلس النواب من سيناريو اليونان وذلك على خلفية التشديد على ان عدم قدرة الدولة على تسديد ديونها في المواعيد المحددة فان ذلك يعني افلاسها كما حصل في اليونان في 2015. وهذا التصريح اثار ايضا المخاوف لصدوره على لسان رئيس الحكومة.
هناك مواقف اخرى على غرار تحذير وزير الخارجية جبران باسيل من انهيار اقتصادي انما على خلفية “الاعباء الاقتصادية والامنية والمعيشية المترتبة على تدفق اللاجئين السوريين” ( في ايلول 2017 ) او “اذا لم يعالج عجز الكهرباء كما قال في اذار 2019.كما ان جميع الافرقاء السياسيين حذروا بطريقة او باخرى من انهيار اقتصادي وشيك وكانت لهم مواقفهم وتحذيراتهم ازاء ما يجب القيام به لتفادي المحظور.
والحسابات البسيطة التي يمكن ان يجريها المواطنون بناء على هذه المواقف وحدها كفيلة باثارة المخاوف مما تتجه اليه البلاد علما ان النواب والسياسيين جميعهم يساهمون ولاهداف شخصية او مصلحية او احيانا ايضا لاهداف تتعلق بمصلحة الدولة في اشعال الشائعات، علما انه ينبغي عدم اسقاط مجموعة عوامل لا يزال يلتقطها اللبنانيون باعتبار ان السياسيين لا يفون هؤلاء حق قدرهم. من بين هذه العوامل التصنيفات التي تصدرها الوكالات والمؤسسات المالية العالمية وقد ضجت وسائل الاعلام بالمساعي التي اجراها المسؤولون اللبنانيون مع وكالة “ستاندرد ان بورز” من اجل اعطاء لبنان فترة ستة اشهر اضافية قبل اصدار تصنيفها الجديد للبنان والذي كان مرتقبا تخفيض المستوى الى ما دون التصنيف السابق. ومن هذه العوامل ايضا مرور اكثر من شهر على المهلة الجديدة المعطاة للبنان فيما ان الخلافات السياسية لا تزال تأخذ مداها في ظل اوراق اقتصادية شعبوية ترفض الضرائب وتطالب بالاصلاح في حين انها لا ولن تنفذه لارتباطه بضخ الادارة بالازلام والمحاسيب في حين ان التعيينات الاخيرة التي جرت عادت واكدت هذا المعيار وحده سبيلا لملء الشواغر وليس الاعتماد على الكفايات الشابة والاستفادة منها بدلا من وهب قدراتها لخدمة الخارج. كما اعتقد اللبنانيون، وعن خطأ على الارجح، ان لملمة تداعيات الانقسامات بعد حادث قبر شمون وادراك المسؤولين بالانزلاق الخطير والمتسارع للبلد الى الهاوية اقتصاديا وماليا سيكون كفيلا بان يكون درسا كافيا لعدم فتح ملف الخلافات الطائفية والسياسية وحتى الدستورية على الصلاحيات اقله في المدى المنظور وحتى تمرير هذه الظروف الصعبة. وهناك عوامل اخرى مؤثرة هي تلك التي قد لا يراها جيدا المواطنون او لا يعرفون حيثياتها تماما وهي تتصل بالتأثيرات الاقليمية على لبنان وتفاعله مع ما يجري من ضغوط وتطورات ان على ضوء الصراع الاميركي الايراني او على ضوء الصراع العربي الايراني او تداعيات الازمة السورية.
هل يعتقد المسؤولون ان اللبنانيين غافلون عن هذه الوقائع وعن المسؤولية التي يفترض ان يتحملوها هم في الاتفاق على مقاربة اقتصادية واضحة ونهائية على الاقل من اجل وقف الانزلاق الى المحظور واظهار القدرة على استحقاق التزامات مؤتمر سيدر وسواه؟ ام ان تحميل الاعلام مسؤولية “الشائعات” سيدرأ عنهم هذه المسؤولية او سيدرأ عنهم غضب الشعب واستيائه من الواقع القائم سياسيا واقتصاديا وماليا ايا تكن الوسيلة التي يمكن ان يلجأ اليها للتعبير عن ذلك. حري بالمسؤولين الاستماع الى حقيقة ما يجري بدلا من السعي الى صم الاذان عن ذلك.