Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 2, 2019
A A A
وزراء ومديرون كسروا هيبة قانون التوظيف… ونسبة البطالة مخيفة
الكاتب: ناجي س. البستاني - الديار

عشيّة الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، أغدق الكثير من المُرشّحين الوُعود البرّاقة على الناخبين، بشأن مشاريع عدّة ستفتح فرص العمل أمامهم، وبلغ الأمر برئيس الحُكومة سعد الحريري نفسه بالحديث عن إلتزامه تأمين نحو تسعمئة ألف وظيفة عمل للشباب اللبناني… لكنّ ما حصل بعد الإنتخابات جاء مُخيّبًا تمامًا للآمال، حيث أقفلت العديد من المؤسّسات، وتضاعفت أرقام البطالة، وصار شبح الفقر مُنتشرًا بشكل كبير. والأخطر من ذلك، أنّ آلاف الأشخاص الذين جرى توظيفهم في الإدارات والمؤسّسات العامة، بشكل مُخالف للقانون في السنتين الماضيتين، يدفعون اليوم ثمن كسر عدد من الوزراء والمُدراء قرارات منع التوظيف، لغايات إنتخابيّة ضيّقة، حيث أنّ إجراءات فصل هؤلاء الموظّفين ووقف عُقودهم وبالتالي رواتبهم، باتت مسألة وقت، مع ما ستُسبّبه من أزمة إجتماعيّة خطيرة ستُضاف إلى باقي الأزمات الإجتماعيّة المُستفحلة! فما هي آخر التطوّرات في قضيّة مُخالفة قرار منع التوظيف؟
بحسب مصدر قانوني مُطلع، إنّ النيابة العامة لدى ديوان المُحاسبة التي أصدرت خلال الساعات الماضية سلسلة من القرارات المُرتبطة بملفّات التوظيف المُخالفة للقانون، أي تلك التي تمّت بعد صُدور القانون رقم 46 الخاص بسلسلة الرتب والرواتب، بتاريخ 21 آب 2017، ستواصل إجراءاتها الحازمة في المدى المنظور، مُذكّرًا بأنّ المادة 21 من القانون المذكور تنصّ على أن «تُمنع جميع حالات التوظيف والتعاقد بما فيها القطاع التعليمي والعسكري بمختلف مستوياته واختصاصاته… إلا بقرار من مجلس الوزراء بناءً على تحقيق تجريه إدارة الأبحاث والتوجيه». وأضاف المصدر أنّ المُدعي العام لدى ديوان المُحاسبة، القاضي فوزي خميس، الذي أصدر دفعة أولى من القرارات القضائية في ملفّات عدّة أحيلت إلى الغرف المختصّة في ديوان المُحاسبة، طالت مئات الموظّفين الجُدد، أغلبيّتهم في مؤسّسة أوجيرو، مُصمّم على إستكمال تحقيقاته في هذا الملف حتى النهاية، وبإصدار المزيد من القرارات الحازمة.
وأوضح المصدر القانوني نفسه أنّ المُخالفات لا تقتصر على توظيف 5473 شخصًا، بعد صُدور قانون وقف التوظيف فحسب، بل تشمل نحو 32000 شخص جرى توظيفهم في الماضي القريب من دون مُراعاة الحاجات الوظيفيّة، ولا القوانين المرعيّة الإجراء، حيث جاء في المادة 13 من قانون المُوظفين ما حرفيّته: «لا يُعين أحد إلا في وظيفة شاغرة في الملاك، ومرصود لها اعتماد خاص في المُوازنة، وفقاً للأصول التي يحددها القانون». ولفت المصدر إلى أنّ المُؤسسات العامة التي لا تخضع لقانون السلسلة، كما حاولت مؤسّسة «أوجيرو» الإيحاء به، بهدف التفلّت من قانون منع التوظيف، تخضع لمواد جرى إقرارها سابقًا، وتنصّ على أنّ التعيين والتعاقد في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة والمجالس والهيئات والصناديق العامة، يحصلان بموجب مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية، وفقاً للشروط المطلوبة للتعيين أو الاستخدام.
أزمة إجتماعيّة خطيرة…
في غضون ذلك، توقّعت أوساط إقتصاديّة مُطلعة أن تتسبّب القرارات التصاعديّة المُرتقبة بوقف دفع رواتب آلاف المُوظّفين الذين جرى «حشوهم» في إدارات الدولة، بأزمة إجتماعيّة خطيرة تُضاف إلى الأزمات الإجتماعيّة المُتراكمة والتي تضرب القطاع الخاص بالتحديد، وبشكل كبير. ونبّهت إلى أنّ قرار تجميد التوظيف والتطويع خلال عام 2019 تحت المُسميات كافة (تعاقد، مياوم، شراء خدمات، إلخ.) في الإدارات والمؤسّسات العامة والأسلاك العسكريّة والأمنيّة، على أن يكون التوظيف والتطويع في السنوات القليلة المُقبلة مُساويًا لنصف عدد المُتقاعدين السنوي بشرط خفض العجز، يعني عمليًا أنّ الناجحين في مجلس الخدمة المدنيّة والذين جرى تجميد ملفّاتهم لأسباب مُرتبطة بالتوازنات الطائفيّة والسياسيّة، لن يُوظّفوا في القريب العاجل، ويعني أيضًا أنّ آلاف الشُبّان الذين يلتحقون بالجيش والمؤسّسات العسكريّة سنويًا، سيُضافون إلى لوائح العاطلين عن العمل، ويعني كذلك الأمر أنّ أبواب القطاع الرسمي مُوصدة تمامًا أمام المُتخرّجين الجُدد من الجيل الشاب.
وتوقّعت الأوساط الإقتصاديّة المُطلعة نفسها أن ترتفع نسبة البطالة بشكل مُخيف في الأشهر والسنوات القليلة المُقبلة، لتبلغ ما لا يقلّ عن 42% بشكل عام، على أن تُلامس نحو 50% في الأطراف، مع ما تعنيه هذه الأرقام من إنعكاسات سلبيّة مُدمّرة على الدورة الإقتصاديّة في البلاد، ومن إرتفاع مُتوقّع لنسب الفقر وحتى العوز! وإذ أشارت إلى أنّ الجامعات في لبنان تُخرّج نحو 33 ألف شخص سنويًا، في سوق لا يؤمّن أكثر من 15 ألف وظيفة عمل سنويًا عندما تكون الأوضاع الإقتصاديّة طبيعيّة وليس كما هي اليوم، أكّدت أن عدد العاطلين عن العمل سيرتفع أكثر فأكثر في المُستقبل القريب، علمًا أنّ عدد العاطلين عن العمل يبلغ حاليًا نحو 700 ألف!
وختمت الأوساط الإقتصاديّة كلامها بالقول إنّ المسؤولين في الدولة، وبدلاً من إنجاز مسح شامل يُبين الوظائف الملحوظة في الملاكات، والوظائف التي تحتاج إليها الإدارات والمُؤسّسات العامة، لتنشيط ولتفعيل الإدارة الرسميّة، يقومون بحشو الإدارة الرسميّة بمحسوبيّات سياسيّة، وبعمليّات توظيف عشوائيّة لغايات إنتخابيّة ضيّقة، بشكل يزيد من عجز الميزانيّة ويُفاقم الأزمة الإقتصاديّة والإجتماعيّة والمَعيشيّة. وتمنّت هذه الأوساط أن تكون المُحاسبة جدّية هذه المرّة، وأن تطال المسؤولين الكبار بشكل فعلي وليس إعلاميًا، من دون الإنتقام من المُوظّفين الصغار الذين يبحثون عن وظيفة مُتواضعة تُنقذهم من حال العوز التي تضرب قُسمًا كبيرًا من الشعب اللبناني حاليًا – للأسف الشديد.