Beirut weather 15.21 ° C
تاريخ النشر August 8, 2025
A A A
ورقة برّاك… حصر السلاح وألغام المواقف الأميركية
الكاتب: نمر أبي ديب

كتب نمر أبي ديب في “البناء”

لم تكن إيجابيات المبعوث الأميركي توم برّاك سوى واجهة دبلوماسية لخفايا الموقف الدولي، القائم على ألغام خارجية خطيرة، منبثقة في الشكل والمضمون من سياسة مراوغة متجذِّرة تخاطب فيها ومن خلالها الولايات المتحدة الأميركية “حلفاءها التقليديين” قبل أخصامها التاريخيين، ما يؤكد في سياق المواقف، كما السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية على ازدواجية سارية المفعول، في زمن “الولادة العسكرية للشرق الأوسط الأميركي الجديد”، يؤكد أيضاً على أنّ الوعود كما التطمينات الأميركية، فاقدة للمصداقية التنفيذية التي كانت ولا تزال رهن المصالح الأميركية في المنطقة، وفي طليعتها ضمان أمن “إسرائيل”.
في سياقٍ متَّصل كشفت كتابات كما تعابير “المبعوث الأميركي توم برّاك حجم الأهداف السياسية المبطَّنة داخل الورقة الأميركية، فقد بدا واضحاً حجم المسعى الأميركي، الهادف إلى استكمال الحرب الإسرائيلية على لبنان، والسعي لإنجاز ما عجزت “إسرائيل” عن تحقيقه ألا وهو ترجمة التفوّق العسكري الذي فرضه سلاح الجو الإسرائيلي في الحرب الأخيرة ميدانياً من خلال نزع وتدمير سلاح حزب الله بعد أن نجح الحزب في تنفيذ الجزء اللبناني من القرار 1701، القرار الأممي الذي يُلزم لبنان بوقف إطلاق النار، مع انسحاب حزب الله الكامل من جنوب الليطاني.
يأتي كلام المبعوث الأميركي توم برّاك (الأسلحة التي نريد من حزب الله التخلي عنها هي تلك التي تهدّد إسرائيل)، ليؤكد المؤكَّد، ألا وهو أنّ الالتزام الأميركي محصور بضمان أمن “إسرائيل”، ولا يتعداه إلى تعافي لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والمعيشية.
في السياق ذاته، حملت ومواقف وتغريدات المبعوث الأميركي توم برّاك التي أكَّد من خلالها انّ (المسار يجب أن يبدأ من الداخل اللبناني فإذا أردتم أيّ اللبنانيين والكلام لتوم برّاك تغيير المشهد قوموا بذلك وسوف ندعمكم، وأكمل قائلاً “نحن الولايات المتحدة الأميركية نساعد فقط”، فقد حملت كلمات برّاك، دعوة أميركية واضحة لحراك داخلي لبناني، مؤسّس لحركة باتت تغييرية الهدف منها سحب سلاح الحزب ضمن تصادم داخلي في حدّه الأدنى لبناني لبناني، المنتصر الوحيد في هذا التصادم إضافة إلى تحقيق مطلب “سحب السلاح”، كيان الاحتلال الإسرائيلي.
أحد أبرز مؤشرات الشبهة، التي عكستها ورقة برّاك السياسية تتمثّل في أحادية الورقة المنبثقة من رؤية أميركية ناقصة، لا بل قراءة مجتزأة للمشهد اللبناني العام ومعه ملفات المنطقة دون أن تلحظ ورقة برّاك العدوانية التاريخية التي يمثلها الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وأيضاً سياسات القضم الجغرافي والاحتلال لكلّ من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، إضافة إلى الجزء اللبناني من قرية الغجر والنقاط الخمس، ما يفتح باب الاجتهاد السياسي والتساؤل عن استثنائية الدور الأميركي في المنطقة، أيضاً عن أبعاد وخلفيات المقاربة الأميركية للمشهد اللبناني العام، لتدخلات وحروب باتت مكشوفة بحكم الدور الإعلامي الكبير الذي تقوم به وما زالت فضائيات عالمية ومنصات إخبارية فاضحة للمقاربات الدولية المجتزئة، وأيضاً لأدوار عالمية تتدرَّج على أكثر من مستوى، اقتصادي وآخر أمني وعسكري، أدوار سقط عنها وشاح التعتيم الإعلامي، كما متدرّجات التضليل السياسي، وأحكام الدِّعاية الغربية المزيَّفة على مسرح الانتفاضات الشعبية الوجدانية والإنسانية، في مجمل دول العالم.
انطلاقاً من اعتراف المبعوث الأميركي توم برّاك بأبعاد وخلفيات المطالبة الأميركية بنزع سلاح حزب الله، فإنّ ما تقدّم ألقى الضوء بصورة استثنائية على جوانب مهمة كامنة ما وراء المطالب الأميركية المتَّشحة بحركة توم برّاك الدبلوماسية، ببروباغندا إعلامية خارجية وأخرى داخلية، طرحت إشكالية سلاح الحزب على طاولة بناء الدولة، دون الأخذ في عين الاعتبار تحديد الجبهتين، الجنوبية والشرقية.
مما لا شك فيه أنّ سعي الولايات المتحدة الأميركية لنزع قوة مواجهة لبنان لـ “إسرائيل”، ضمان بقاء أميركي مجاني لكيان الاحتلال الإسرائيلي، في مراحل الولادة العسكرية للشرق الأوسط الأميركي الجديد، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ سلوك الموقف اللبناني مسار التنفيذ الفعلي الحقيقي لنزع سلاح حزب الله تحت غطاء حصر السلاح، يستعجل إضافات سريعة لملفات حساسة ودقيقة، تبدأ في تعديل مهام اليونيفيل، ولا تنتهي في اجتياح الجيش الإسرائيلي قرى الجنوب، وهنا يجدر التساؤل والكلام موجَّه للداخل اللبناني قبل الخارج الإقليمي والدولي، من يضمن في مراحل الرفض الأميركي المتمثل في عدم إعطاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو إدارته، ضمانات بعدم تصعيد “إسرائيل”، والعمل على تقويض الجنوح الإسرائيلي الدائم الحضور والظهور بمعادلتين الحرب والاحتلال، اجتياح إسرائيلي للبنان كما حصل في سورية؟
في سياق متصل، مرّت كلمات، كما مواقف وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بكيان الاحتلال الإسرائيلي، والتي أعلن من خلالها أنّ مساحة “إسرائيل” صغيرة على الخريطة، وأضاف ترامب “لطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها”، مرّت مرور الكرام دون أن يلحظ أحد، أو يأخذ كثيرون في عين الاعتبار السياسي، جملة العوامل وحتى الأثمان العسكرية الباهظة، التي يمكن ان تدفعها المنطقة، وفي مقدمتها سورية ولبنان على مسار الترجمة الفعلية كما الميدانية، لعبارات وأفكار وطروحات الرئيس الأميركي ترامب، تحديداً تلك المتعلقة بتوسيع جغرافيا كيان الاحتلال.
انطلاقاً من ما تقدّم، أحد أبرز العوامل الضامنة في هذه المرحلة لعدم بلوغ الرغبة الأميركية الإسرائيلية المتمثلة بتحقيق الحلم كما الأسطورة التلمودية، مع قيام “إسرائيل” الكبرى والاستثمار الاستراتيجي بـ “ممر داوود” الذي يربط “إسرائيل” بنهر الفرات، وغيره من عناوين الساعة، تتمثَّل بمعادلة “بقاء السلاح”، مع توفّر إمكانية العمل والتصرّف بمقدَّراته الاستراتيجية، في كلّ من فلسطين المحتلة ولبنان.
لبنان في عين العاصفة الأميركية، سحب سلاح الحزب جزء لا يتجزأ من “نزع أوراق القوة” التي تختزنها المنطقة، ومدخل تكتيكي أميركي يهدف إلى إلحاق لبنان والشرق الأوسط الجديد، بملحق زمني “إسرائيلي”، يتربّع من خلاله بنيامين نتنياهو على عرش المنطقة، ومخطئ من يعتقد انه يملك في هذا الملحق، فرصة الفوز السياسي، أو حتى الشراكة الجزئية مع قوى الأمر الواقع، خارج إطار التبعية الكاملة والاستزلام…