Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر October 11, 2017
A A A
وداعاً… حفل الزفاف
الكاتب: نبيه البرجي - الديار

أن يقول لنا نائب زحلة الكتائبي ايلي ماروني، بلهجة واثقة، وربما متفائلة، ان اعلان النوايا بين التيار الوطني الحر وحزب «القوات اللبنانية» مات، وهو ينتظر تحديد ساعة… الدفن.

بدل حفل الزفاف، حفل التشييع. أهمية الكلام أنه جاء من نائب زحلي، أي بعيد عن لعبة الأقنعة كما عن اللغة المزدوجة. الأهمية الاستثنائية أنه أعقب زيارة الدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميل للرياض دون أن يلتقيا. هذا دليل آخر على الحالة الفرويدية التي تحكم العلاقة بين الحزبين.

هل كان الوزير ثامر السبهان يقصد حين قال «يجب على اللبنانيين» (وبالأحمر العريض كما لو اننا قطيع من الغلمان) أن يختاروا بين القصر الملكي في الرياض والقصر الجمهوري في بعبدا؟

لم يعد خافياً بأي عين حمراء ينظر أولياء الأمر في المملكة الى الرئيس ميشال عون. لاحقاً قد يدفع الرئيس سعد الحريري ثمناً باهظاً لأنه أوهمهم بأن الجنرال حين يصبح في القصر، ويكون على تماس مباشر مع المواقف الدولية، والمواقف الاقليمية، المعقدة لا بد أن يتغير كما تغيّر غيره.

المقصود أن يتحول من حليف استراتيجي لـ«حزب الله» في المسائل التي تتعلق بالأمن اللبناني الى عدوله. في هذه الحال، ما هي مصلحة لبنان، ومصلحة اللبنانيين، في أن يكون رئيس الجمهورية تابعاً للمسار السياسي لدولة ما، وعدواً لفئة لبنانية لا مجال لتجاوز امكاناتها (الشعبية بالدرجة الاولى) على الأرض.

لكنه المنطق القبلي الذي يحكم العلاقات بين العرب والعرب. الأمثلة أكثر من أن تحصى. واذ نعلم جميعاً ما هي المواصفات الشخصية للجنرال، كيف للرجل أن يتصدى للحزب، وهوالذي على بيّنة تامة مما تعنيه اسرائيل، وما هو هاجسها التوراتي حيال لبنان.

قناعتنا أن رئيس الجمهورية لا يمكن أن يكون ايرانياً، ولا سعودياً، ولا سورياً، ولا تركياً، ولا أميركياً. هو لبناني فقط ويدرك أين هي مصلحة لبنان أمام تلك الكمية من الزلازل، وسواء كانت الزلازل العسكرية أم الزلازل الديبلوماسية.

السبهان يريده أن يكون جزءاً من السيناريو الذي تصاغ حلقاته الأخيرة في الردهات المقفلة، وحيث رهان دونالد ترامب على أن يعقد الصلح بين نصف الله والنصف الآخر. وهذا اذ يكرّس التوطين قد يكون بحاجة الى تغييرات دراماتيكية في بعض الخرائط.

لا مناص من الواقعية في مقاربة الأمور. ها أن الملك سلمان بن عبد العزيز، وبلاده منذ عام 1945 (واللقاء الشهير بين عبد العزيز آل سعود وفرنكلين روزفلت)، هي القاعدة الكبرى

للاستراتيجية الأميركية في المنطقة، يذهب الى موسكو ويمشي على السجادة الحمراء، ليلتقي بالحليف الأكبر لسوريا، تالياً لايران و«حزب الله»، والى حد الاتفاق على تعاون عسكري.

لبنان لا يمكن أن يكون الدولة ـ القهرمانة لا لايران، ولا للسعودية، ولا لسوريا، ولا لاسرائيل. هذه هي نظرة الجنرال الذي لا يخفى على أحد أنه يتعرض لحملة تشكيك هائلة في سياساته وفي علاقاته.

والحال هذه، لماذا يفهمه ايمانويل ماكرون، ويشد من عضده، في حين يقال في محافل عربية ولبنانية ما لا يليق برجل يسعى لأن ينهي حياته باقامة الجمهورية الثالثة…

العلاقات بين التيار الحر و«القوات اللبنانية» مجرد تفصيل. المصالحة هي الأهم ولقد تحققت، وان كانت خلفياتها معروفة للقاصي والداني.

لا نتصور بل نجزم ان التيار الحر لا ينضوي في أي محور، الا اذا اقنعتمونا بأن الجنرال يؤمن بالولي الفقيه. ويبقى رهاننا على الدور المسيحي الفذ. المسيحيون هم عرابوالحداثة. لولاهم لما كانت الجمهورية، ومن دونهم لا تكون الجمهورية.

لطالما تحدثنا عن اختلافهم الخلاق عندما شاعت ثقافة الاستقطاب، والتعليب، غير أن العدوى، كما بات جلياً، انتقلت الى المسيحيين (كل واحد قسطنطين الأكبر)، وانتقلت معها القبلية التي هي آفة العرب وحتى قيام الساعة.

لا مشكلة أن يدفن اعلان «اعلان النوايا» بعدما تحوّل الى ظاهرة فولكلورية يغيب عنها الحد الأدنى من التفاهم حول السياسات، وحول الاستراتيجيات، وحتى حول التشكيلات. تتقاطع رؤيتنا مع رؤية النائب ايلي ماروني. لكننا ما زلنا نأمل بدور مسيحي، ونقل لبنان من جاذبية القبيلة (أو الطائفة) الى جاذبية الدولة. كل ما هنالك أننا ننتقل من مستحيل الى مستحيل!!