Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر December 10, 2024
A A A
واشنطن تستعجل حجز موقع في سوريا: فَلتكن «قصة نجاح» أميركية!
الكاتب: ريم هاني

كتبت ريم هاني في “الأخبار”

بعد الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا، خلال الأسابيع الماضية، وما أنتجته من أسئلة كثيرة حول مستقبل الحكم هناك، قد يكون الوقت وحده كفيلاً بتقديم إجابات واضحة عنها، يرى مراقبون أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين أهملوا هذا البلد لوقت طويل جداً، معتبرين أنّ نظام بشار الأسد «لا يتزعزع»، حتى اكتشفوا العكس. وطبقاً لهؤلاء، ولمنع سوريا من التحول إلى دولة فاشلة بفعل سنوات من العقوبات الدولية ووجود فصائل مسلحة غير متجانسة، وفي بعض الأحيا، معادية بعضها لبعض، ما ينذر بإمكانية حصول المزيد من الفوضى في البلاد وجميع أنحاء المنطقة، لا بدّ من أن تكون واشنطن وعواصم الخليج «على تواصل مع القادة الجدد» في دمشق، وتوجيههم «للحكم العملي، إن لم يكن الديموقراطي».
وتعتبر صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير، أنّ نتائج ما حصل في سوريا لن تؤثر فقط على اللاعبين الإقليميين الرئيسيّين، أي إسرائيل وإيران وتركيا، بل على القوى العالمية، من مثل الولايات المتحدة وروسيا. ويتابع التقرير أنّه فيما تُعدّ الحرب في غزة واحداً من أسوأ مظاهر «النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني المستعصي على الحل»، فإنّ المحللين يرون في القتال في سوريا «الصراع الأكثر أهمية» للسيطرة على «مفترق طرق إقليمي سيطبع الشرق الأوسط بأكمله»، ولا سيما أنّ الاستراتيجيين الإسرائيليين ينظرون إلى سوريا على أنها «محور المحاور»، وأنها كانت بمثابة قناة إمداد بالقوات والأسلحة لأماكن مثل جنوب لبنان.
وبالنظر إلى التحركات الديبلوماسية والعسكرية الأخيرة، من الواضح أنّ الولايات المتحدة لم تضيّع الكثير من الوقت لمحاولة استمالة الجماعات المسلحة في سوريا، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام»، المدرجة على «لائحة المنظمات الإرهابية» في واشنطن. وإذ يقرّ العديد من المصادر بأنّ شريحة واسعة في الحكومة الأميركية فوجئت بانهيار نظام الأسد، بمن فيهم المدافعون منذ فترة طويلة عن الإطاحة به، وفقاً لمسؤول أميركي كبير، تحدث إلى صحيفة «واشنطن بوست»، فإنّ الأخير تابع أنّ الأميركيين على اتصال بجميع الجماعات المشاركة في القتال، بما فيها «الهيئة». ورداً على سؤال عما إذا كانت الحكومة الأميركية ستزيل المجموعة عن لائحة الإرهاب، لتتمكن من تعميق الاتصالات والتعاون معها، فإنّ المسؤول لم يستبعد حصول هذا السيناريو، مشدداً على أنّ «علينا أن نكون أذكياء وواعين وبراغماتيين حول الوقائع التي تظهر على الأرض»، فيما أكّد مسؤول أميركي آخر أنّ الإدارة الأميركية بصدد إجراء «تقييم في الوقت الفعلي» حول «تحرير الشام» ومستوى استقلالها عن تركيا وآراء الأخيرة بشأن الأكراد السوريين، وما إذا كان ينبغي إزالة الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.

لم تضيّع واشنطن الكثير من الوقت لمحاولة استمالة الجماعات المسلحة في سوريا

وفي تقرير منفصل، تلفت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنّ الإطاحة بالأسد طرحت تحدّياً أساسياً أمام جو بايدن، في وقت متأخر من رئاسته، في ما يتعلق بآلية إقامة الولايات المتحدة لصداقات مع القوات الناشئة التي تسيطر على سوريا، في الوقت الذي تعتبرها فيه «إرهابية»، وما إذا كان يجب أن تفعل ذلك بالدرجة الأولى. على أنّه طبقاً للصحيفة نفسها، فقد باشر صنّاع السياسة الأميركيون القيام بهذا بالفعل؛ إذ تنقل الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وأتراك مطّلعين قولهم إنّ واشنطن كانت تمرّر رسائل عبر الحكومة التركية، في الأيام الأخيرة، إلى الجماعات المتمردة، تحذّرها فيها بشكل أساسي من التعاون مع مسلحين من تنظيم «داعش»، وهو ما ردّت عليه تلك الجماعات، عبر الأتراك أيضاً، بأنها لا تنوي السماح للتنظيم بأن يكون جزءاً من حركتها. وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ بايدن وكبار مستشاريه يناقشون الآن إلى أي مدى يجب عليهم التعامل مباشرة مع «المتمردين»، في وقت ينكبّ فيه محلّلو الاستخبارات الأميركية وصانعو السياسة على محاولة تحديد ما إذا كان أولئك قد تغيّروا بشكل كبير، أو ما إذا كانوا مستعدين لتغيير نهجهم بشكل يتيح معالجة مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بشأن «الجماعات الإرهابية». وكان بايدن قد أعلن أنه سيرسل مسؤولين من إدارته إلى المنطقة لـ»تقديم المساعدة لجيران سوريا»، بمن فيهم الأردن ولبنان والعراق، جنباً إلى جنب تقديم الإغاثة الإنسانية، بالتنسيق مع «الأمم المتحدة»، لمساعدة الشعب السوري «على بناء دولة مستقلة وذات سيادة». وبذريعة محاولة «الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، أعلنت واشنطن أنها استهدفت «تنظيم داعش بعشرات الضربات الجوية، وأنّها تراقب «المخزونات السورية من الأسلحة الكيميائية».
والواقع أنّه على الرغم من الانشغال الأميركي المزمن عن سوريا، فإنّ الأخيرة كانت أبعد ما يكون عن أن تصبح «خارج مصالح واشنطن»، وفق ما يرى مراقبون. فعلى الرغم من دعوة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، إلى «عدم التدخل» في الأحداث، فإنّ واشنطن متورطة بالفعل في سوريا؛ إذ لا يزال نحو 900 جندي أميركي وعدد لم يكشف عنه من المتعاقدين العسكريين موجودين في شمال شرق البلاد بالقرب من العراق، ويقاتلون «تنظيم الدولة الإسلامية»، ويدعمون القوات الكردية التي تقاتل نظام الأسد. كما أنّ «متشددين مدعومين من إيران استهدفوا بالصواريخ والطائرات المسيّرة القوات الأميركية 125 مرة منذ أكتوبر 2023»، بحسب إحصاءات المصادر الغربية.
وعلى أيّ حال، بدأ محللون غربيون يلوّحون، على جري العادة، بضرورة خلق «قصة نجاح» جديدة في الشرق الأوسط، من خلال الدفع ديبلوماسياً في اتجاه ولادة «بلد عربي ديموقراطي تعدّدي ملتزم بدعم حقوق الإنسان»، والمساعدة «في كتابة فصل تالٍ أكثر إشراقاً لهذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي، والذي طالت معاناته».