Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر March 25, 2018
A A A
هَل باتَت العاصِمة دِمشق آمِنة كُلِّيًّا ومُحصَّنة من قذائِف الهاون؟
الكاتب: رأي اليوم

الفَصائِل المُسلّحة تُغادِر الغُوطة الشرقيّة بالسِّلاح الفَرديّ نَحو إدلب.. ورِوايات مُؤلِمة للمَدنيين عن مُعاناتِهم تحت الأنقاض.. مَن الذي خَذَلَ مَن في هَذهِ المَعركةِ الدمويّة؟ وهَل باتَت العاصِمة دِمشق آمِنة كُلِّيًّا ومُحصَّنة من قذائِف الهاون؟
*

تتعرّض الفَصائِل المُسلّحة لنَكسةٍ كُبرى في الغُوطة الشرقيّة تتمثّل في عمليّات إجلائِها وعائِلاتها إلى مدينة إدلب المَلاذ الوَحيد الآمن، ولكن إلى حين، مِثلما أثبتت جميع التَّجارُب السَّابِقة، على مَدى سَبع سنواتٍ من الأزمة السوريّة.

قُوّات الجيش السوري، وبِغطاءٍ جويٍّ روسيٍّ، نجحت في السيطرة على أكثر من ثَمانين في المِئة على المِنطقة بعد حِصارٍ خانِقٍ وقَصف سجّادي مُكثّف، وتَقسيمِها إلى ثلاثة جُيوب، الامر الذي دَفع فصائِل المُعارَضة المُسلّحة إلى الانخراط مُجبَرة في مُفاوضات مَع الجانِبَين السوري والروسي، ولتَأمين الخُروج، ووَقف إطلاق النّار، لأن الاستمرار في القِتال باتَ انتحارًا، والنِّهاية مَكتوبةٌ بِوضوح على الحائِط.

قُوّات “فيلق الرحمن”، وأُخرى تابِعة لحَركة “أحرار الشَّام” وافَقت على تسليم أسلحَتها الثّقيلة والمُتوسِّطة، والخُروج من مدينة حرستا، وقَبلهم خَرَجَ عَشرات الآلاف من المَدنيين للنَّجاةِ بِحياتِهم عبر ممرّات آمِنة إلى مُعسكَرات اللُّجوء وفي أحوالٍ مُؤلِمة.

الخارِجون من وَسَطِ الأنقاض، وبعد أن كُتِبَت لهم الحياة، قدّموا رواياتٍ مُرعِبة عمّا تعرّضوا له من قَصفٍ جويّ، أرغَمهم على الحَياة لأسابيع تحت الأرض، حيثُ لا طعام، ولا ماء، ولا حتّى الشّعير، وكانوا هَدفًا سَهلاً للأوبِئة مِثل الجَرب والحَشرات وعلى رأسِها القَمل.

المُجتَمع الدَّولي خَذَلَ أهالي الغُوطة، وكذلك الدُّول التي دَعمت المُعارضة المُسلّحة بالمالِ والسِّلاح، أميركيّة أوروبيّة كانت أو دُولاً عربيّة، فالغَضب لم يُوجَّه نحو الرُّوس والنِّظام فقط، وإنّما إلى هذهِ الدُّول وحُكوماتِها أيضًا وبِصُورةٍ أكثر قُوّة.

اقتراب معركة الغُوطة الشرقيّة من نِهايتها، وخُروج المُعارضة المُسلّحة منها، يُشكِّلان إنجازًا مُهِمًّا للسُّلطات السوريّة وحُلفائها الرُّوس والإيرانيين، الأمر الذي يعني عَودة الأمن إلى العاصِمة دِمشق ومُعظَم احيائها، وإزالة خَطر قصفها بقذائِف الهاون الذي أدَّى إلى زعزعة أمنِها واستقرارِها، وقَتل وإصابة العَشرات من سُكّانِها.

هيبة النظام اهتزّت كثيرًا بسبب تَعرُّض العاصِمة دِمشق للقذائِف والصَّواريخ من مَناطِق الفَصائِل المُسلّحة، وأيًّا كانت الجِهة التي تَقِف خلف هذا القَصف، وتَعكِس كثافة الغارات الجويّة على الغُوطة حَجم الغَضب السُّوري والروسي، واتّباع نظريّة الأرض المَحروقة للقَضاء على هذا الخَطر الذي يُهدِّد العاصِمة ومرافِقها الحيويّة مِثل المطار الدَّولي قضاءً تامًّا، ومن غير المُعتَقد أن هُناك نِظامًا يَسمَح بِتَعرُّض عاصِمته وأحيائها للقَصف من جماعاتٍ مُسلّحة تُريد إسقاطه.

المدنيون الأبرياء كانوا الضحيّة الأكبر لهذهِ المَعركة، مِثل جميع المعارك الأُخرى في حلب وحمص ودير الزور وحماة، وربّما قريبًا في إدلب وجِسر الشغور، وقصص الخارِجين من تحت الرُّكام تُدمي القُلوب من شِدّة مأساويّتها، فهؤلاء لم يَختاروا مُطلقًا هذا المصير، وفضّلوا البقاء في أرضِهم ومنازِلهم على الهِجرة إلى بُلدانٍ أُخرى، وهذا يُحسَب لهم، ووِسام على صُدورِهم.

توقّعنا في هذا المكان هذهِ النّهاية المأساويّة، وأكّدنا أنّ سيناريو حلب الشرقيٍة سيتكرّر في الغُوطة الشرقيّة، وقُلنا أن الحافِلات الخَضراء ستكون في انتظار المُسلّحين لنَقلِهم إلى إدلب في نِهاية المَطاف، ليس لأننا عرّافون ونَضرُب في الرَّمل، ونَقرأ الطَّالع، وإنّما لأنّنا نسترجع التَّجارب السِّابِقة المُماثِلة ونهاياتها، ولأنّنا كُنّا واثِقين من أنّ أصحاب الإمبراطوريّات الإعلاميّة الضَّخمة لن يُرسِلوا قوّاتهم وطائِراتهم للدِّفاع عن مُواطني الغُوطة الشرقيّة، وإنقاذ أرواحهم وأطفالهم، تمامًا مِثلما تخلّوا عن أبناء حلب وحمص وكُل المُدن السوريّة الأُخرى التي واجَهت المَصير نفسه.

بعد أن يتم إسدال السِّتار نهائيًّا على هذا الفَصل المأساوي في الغُوطة الشرقيّة يَظَل السُّؤال الذي يَفرِض نفسه ويَبحث عن إجابة، هو أين سَتكون المعركة المُقبٍلة في المَشهد السُّوري.

نَترُك هذهِ الإجابة للأسابيع المُقبِلة، ونترحّم في الوَقت نفسه على أرواح الضحايا السوريين الذين سَقطوا في هذهِ المُواجهات من الجانِبين، ونَتمنّى شِفاءٍ عاجِلاً للجَرحى.