Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر July 29, 2021
A A A
هل يُترجم تفاؤل التشكيل على أرض الواقع… فتولد الحكومة قبل 4 آب المقبل؟
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

يعلو منسوب التفاؤل لتشكيل الحكومة الجديدة، لا سيما بعد أنّ سلّم الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تصوّره الأولي لحكومته الثالثة، بعد انتهاء الإستشارات النيابية غير المُلزمة التي أجراها الثلاثاء في ساحة النجمة. وضمّ تصوّر ميقاتي 24 وزيراً، على ما كان متوقّعاً، وزّع فيه الحقائب على الطوائف والأحزاب من دون إسقاط الأسماء عليها. هذا فضلاً عن اجتماعه بالرئيس عون بعد ظهر الأربعاء، وخروجه معلناً عن الإيجابية التي سادت اللقاء، وعن أخذه بملاحظات عون على تصوّره، إمكانية ولادة الحكومة سريعاً.. فهل تنعكس الإيجابية التي يوحي بها ميقاتي منذ اللحظة الأولى لتكليفه، ترجمة على أرض الواقع، سيما وأنّ الرئيس عون بدا أكثر حماسة للتعاون مع ميقاتي على التشكيل، من سلفه سعد الحريري، كونه يُحسن التفاوض والتحاور وتدوير الزوايا، فضلاً عن أنّ الإنسجام قائم بين الرجلين؟ وماذا لو تمسّك ميقاتي بشروط الحريري، على ما تمّ الإتفاق عليه خلال اجتماع «نادي رؤساء الحكومات السابقين» قبل التكليف، في ظلّ تمسّك عون بما طالب به الحريري خلال الأشهر السابقة، وإن كان الأداء والتصرّف من قبل الرجلين يبدوان أكثر مرونة؟ّ
مصادر سياسية عليمة قالت بأنّ ميقاتي لم يقبل القيام بهذه المهمّة الإنقاذية ليفشل أو ليعتذر في نهاية المطاف، وصحيح بأنّه متمسّك بحقوق طائفته، غير أنّه لن يقبل بتهميش حقوق أي طائفة أخرى، ولا باختزال دور رئيس الجمهورية في المشاركة في تأليف الحكومة الجديدة، على ما كان يفعل الحريري. ولهذا فإنّ منسوب التفاؤل ارتفع فور اعتذار الحريري وتكليف ميقاتي، بعد أن أبدى الرئيس عون استعداده للتعاون مع ميقاتي كونه يتقن الأخذ والعطاء، ولا يتشبّث بموقف معيّن ويستقرّ عليه لفترة طويلة، بل يُجيد تدوير الزوايا، وهذا ما هو مطلوب في المرحلة الراهنة…

حتى الآن، تبدو الأمور جيّدة، ولكن كيف ستتمّ ترجمة هذا التفاؤل في تشكيل الحكومة الجديدة، تُجيب المصادر، من خلال التشاور بين ميقاتي والرئيس عون أولاً على توزيع الحقائب لا سيما السيادية منها، ومن ثمّ على الأسماء من التقنيين وغير الحزبيين التي سيتمّ إسقاطها على الوزارات. فميقاتي الذي سيسير، كما الحريري، على مبدأ المداورة الذي تنصّ عليه المبادرة الفرنسية، وباستثناء وزارة المال التي ستبقى بيدّ «كتلة التنمية والتحرير» لمرة واحدة فقط، لا بدّ وأن يقوم بتسوية ما فيما يتعلّق بالوزارات الثلاث الأخرى أي «الداخلية والبلديات»، و«العدل» و«الخارجية والمغتربين»، ولا يُمكن معرفة إذا ما كان سيُعطي «الداخلية» للرئيس عون، على ما كان يُطالب، ام ستكون للطائفة السنيّة، فيما يُسمّي عون من سيتولاها. وهذا يعني بأنّ عقدة «الداخلية» لا تزال على حالها، غير أنّ ميقاتي مستعدّ للتفاوض بشأنها، على عكس الحريري الذي لم يُتقن هذا الأمر، وقد يتوصّل الى تسوية ترضيه وتُرضي الرئيس عون في الوقت نفسه، سيما وأنّ ليس من عقدة لا حلّ لها، إذا كانت النوايا الحسنة موجودة، ويريد الرجلان فعلاً التوصّل الى حلحلة هذه العقدة.

وفيما يتعلّق بالثلث المعطّل، فإنّه مع إعلان رئيس «التيّار الوطني الحرّ» عدم المشاركة في حكومة ميقاتي، فلا بدّ من إيجاد حلّ له، على ما اضافت المصادر، سيما إذا ما كانت الثقة قائمة بين الرئيس عون وميقاتي، وأكبر من تلك التي كانت مفقودة بين عون والحريري خصوصاً بعد أخذه موقف الإستقالة بمفرده من دون التشاور مع رئيس الجمهورية، رغم أنّ التسوية الرئاسية كانت تسود العلاقة بينهما، وهذا الثلث المعطّل أو الضامن والذي يُعطيه البعض أكثر من حجمه بالإمكان أن يتغيّر فور توافق كتلتين أو أكثر، الأمر الذي يجعل حصول فريق واحد عليه لا يُعطيه أي ميزة إضافية. فمتى توافق عدد معيّن من الوزراء على الإستقالة من الحكومة «تطير الحكومة» من دون أي إنذار.

من هنا، أكّدت المصادر نفسها، أنّ الأكثر أهمية من «الثلث المعطّل» هو توافق الوزراء ووجود الإنسجام فيما بينهم، لأي طوائف أو كتل انتموا، وسعيهم معاً للعمل بجديّة لإنقاذ البلاد من الأزمات الإقتصادية والمالية والمعيشية التي تتخبّط بها. وهذا هو المهم بالنسبة للداخل، لا سيما للشعب اللبناني ككلّ الذي يضيق ذرعاً من المشاكل اليومية من عدم توافر الماء والكهرباء، ومن غلاء أسعار المحروقات والسلع الغذائية وسواها بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، مقابل انخفاض القيمة الشرائية لليرة اللبنانية من دون وضع حدّ لهذا الأمر وتثبيت سعر صرف الدولار.

وإذا كانت الشياطين تكمن في التفاصيل كما يُقال، لهذا يُراهن البعض على أنّ تفاؤل عون- ميقاتي سيصطدم بعراقيل سلفه نفسها، أوضحت المصادر أنّ الضمانات الخارجية التي أعطيت لميقاتي لن تذهب سدى، سيما وأنّ الجميع كان ينتظر مجيء الفرج، من الخارج أو من الداخل لا فرق. ولهذا يجب أن يُلاقي الداخل خطوة دول الخارج الداعمة لتسهيل وتسريع تشكيل الحكومة قبل حلول الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب، سيما وأنّ تحذيرات عدّة تصدر على لسان أهالي وضحايا المرفأ الذين لم يحصلوا حتى الساعة على أي معلومة عن أسباب دخول باخرة نيترات الأمونيوم الى مرفأ بيروت في العام 2011 في عهد ميقاتي، وصولاً الى انفجار أطنان منها أدّى الى تدمير المناطق المحيطة بالمرفأ ومقتل 217 شخصاً وجرح أكثر من 6000 وتشريد أكثر من مئتي ألف عائلة.

وتقول المصادر عينها، بأنّ فرنسا التي كثّفت دعمها للبنان بعد انفجار 4 آب، وأطلقت المبادرة الفرنسية لحلّ الأزمة السياسية فيه، تودّ أن تولد الحكومة فعلاً قبل 4 آب الجاري. والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قام بالمبادرة، وبدعم من الأمم المتحدة، ودعا الى عقد المؤتمر الدولي الثالث لدعم الشعب اللبناني في 4 آب المقبل، بعد أن أرجأه من 20 تمّوز الجاري، على ما كان مقرّراً، لما لهذا التاريخ من رمزية وطنية، يجد بأنّ مشاركة عدد كبير من دول المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية والجمعيات غير الحكومية فيه، تكون فاعلة أكثر إذا ما كان للبنان حكومة فعلية، وليس حكومة مستقيلة، لا تقوم حتى بتصريف الأعمال، ولا تحلّ أي مشكلة يُواجهها الشعب اللبناني.

فهذا التاريخ سوف يُشكّل محطّة جديدة من محطّات الأخوّة الدولية، بعد المؤتمرين السابقين اللذين عُقدا لدعم الشعب اللبناني، وأتاحا جمع 250 مليون يورو من المساعدات المباشرة، بما فيها 80 مليون يورو من فرنسا، على ما سبق وأعلنت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو. وهذه المساعدات سوف تشمل قطاعات عدّة تربوية، وصحيّة، وثقافية ومعيشية، ولهذا لا بدّ للوزارات اللبنانية المختصّة التعاطي مع كلّ هذه الأمور بهدف تحسينها وتطويرها وتقديم المساعدة للمحتاجين من الشعب اللبناني. فهل تضغط فرنسا عبر موفديها الى لبنان خلال هذا الأسبوع لولادة الحكومة قبل 4 آب؟!