Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر October 28, 2019
A A A
هل يهدّد عون بالاستقالة إذا لم ينفّذ خطاب القسم؟
الكاتب: اميل خوري - النهار

عندما قال الرئيس ميشال عون إن عهده يبدأ مع أول حكومة تؤلَّف بعد الانتخابات النيابية، كان يظن أن ما بعد هذه الانتخابات سيكون غير ما قبلها، واذ تبيّن أن لا فرق بين قبل وبعد. فالحكومات عادت تتشكل من أضداد ومتناحرين باسم “الوحدة الوطنية” الكاذبة، ولو أن حكومة اختصاصيين واحدة تشكّلت لكانت أنجزت في سنة ما لم تنجزه غيرها في سنوات. واذا كان لبنان قد وصل اليوم الى ما وصل اليه من أزمات ومعاناة فلأن “الحكي” كان كثيراً والفعل كان قليلاً جداً، سواء بالنسبة الى خطاب القسم أو بالنسبة الى البيانات الوزارية أو بالنسبة الى الخطط التي لا يحصى عددها، لأن أسوأ العادات في لبنان الدولة هي الكثير من الخطط والقليل من التنفيذ. فلو أن الرئيس عون جعل الحكومات تلتزم في بياناتها تنفيذ ما جاء في خطاب القسم، لما كان لبنان يواجه اليوم ما يواجهه. فالخطاب حظي باجماع وطني قلَّ نظيره، ووُصِف بالبرنامج السياسي للعهد، وقد نال إعجاب الجميع حتى غلاة المعارضين لانتخابه رئيساً. فاذا تعذَّر تنفيذ ما فيه خلال السنوات الثلاث الأولى من عهده، فليتم تنفيذه خلال السنوات الثلاث الباقية منه، فيكون عهده عندئذ عهد انجازات مهمة تعوّض السنوات العجاف الماضية.
إن أهم ما جاء في خطاب القسم ويجب العمل على تنفيذه هو الآتي:
“أولاً: تأمين الاستقرار السياسي باحترام الميثاق والدستور والقوانين ومن خلال الشركة الوطنية التي هي جوهر نظامنا وفرادة كياننا، وتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون انتقائية ولا استنسابية، وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني، ومن خلال المناصفة الفعلية باقرار قانون للانتخاب يؤمّن عدالة التمثيل.
ثانياً: تأمين الاستقرار الأمني بأن تكون الوحدة الوطنية أولى مقوماته، وبالانفتاح بعضنا على بعض وقبول كل منا رأي الآخر ومعتقده.
ثالثاً: إن لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة، ومن أولوياته منع انتقال أي شرارة اليه، وذلك بابتعاده عن الصراعات الخارجية والتزامه احترام ميثاق جامعة الدول العربية، واعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا، واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاقٍ.
رابعاً: ألّا نألو جهداً في الصراع مع اسرائيل، ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو لا يزال يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية.
خامساً: معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة بالتعاون مع الدول والسلطات المعنية.
سادساً: تأمين تنسيق كامل بين المؤسسات الأمنية والقضاء، فالأمن والقضاء مرتبطان بمهمات متكاملة ومن واجب الحكم تحريرهما من التبعية السياسية وضبط تجاوزاتهما لتستعيد الدولة وقارها وهيبتها والمواطن الاطمئنان. وكذلك تعزيز الجيش وتطوير قدراته ليصبح قادراً على ردع كل أنواع الاعتداءات على الوطن وليكون حارساً أرضه وحامياً استقلاله وحافظاً سيادته.
سابعاً: اصلاح اقتصادي يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات. فالدولة من دون تخطيط لا يستقيم بناؤها. والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والانمائي والصحي والبيئي والتربوي يمر بأزمات متلاحقة بل متواصلة لأسباب داخلية وخارجية تفرض نهجاً تغييرياً لمعالجتها، وخطة اقتصادية شاملة مبنية على خطط قطاعية وعلى استثمار الموارد الطبيعية في مشاريع منتجة تؤسس لتكبير حجم اقتصاد حر قائم على المبادرة الفردية وعلى اشراك القطاع العام مع القطاع الخاص ضمن رؤية مالية هادفة ومتطورة، وكذلك الاستثمار في الموارد البشرية والطبيعية لا سيما في قطاع التربية والتعليم والمعرفة لبناء أجيال يعوَّل عليها.
ثامناً: اللامركزية الادارية لتأمين حاجات الناس وخماتهم ضمن صيغة العيش الواحد.
تاسعاً: إن الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي لا يمكنه أن ينجح الا بارساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد، وتعيين هيئة لمكافحته وتفعيل أجهزة الرقابة لتمكينها من القيام بكامل أدوارها”.
إن هذه البنود المهمة لو نفّذت لما كان لبنان يواجه اليوم ما يواجهه، بل كان العهد يسلّم لبنان الى خَلَف أفضل مما تسلّمه هو من سلفه. فهل يصل الأمر بالرئيس عون الى حدّ التهديد بالاستقالة اذا لم يتحقق كل ذلك؟