Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر November 19, 2020
A A A
هل يكون انقاذ العالم من الوباء على يد لبنانيين؟
الكاتب: جودي الأسمر - أساس ميديا

الخبر السار الذي نقلته شركة مودرنا (Moderna) هو تأكيدها أنّ لقاحها ضد كوفيد-19 كان فعالاً بنسبة 94.5% في تحليل أوّلي لتجربة سريرية كبيرة في مراحلها الأخيرة، متجاوزة شركة “فايزر” التي قدمت نتيجة إيجابية بنسبة 90%.
فوراً ارتفعت قيمة أسهم الشركة 15% في بورصة نيويورك. وقد أشارت وكالة “بلومبيرغ” إلى أنّ خمسة مشاركين فقط ممن تلقوا جرعتين أصيبوا بالمرض من أصل 95، وفقًا لمراجعة أجراها مجلس مراقبة سلامة البيانات المستقلّ المعيّن من قبل معاهد الصحة الوطنية الأمريكية.
المؤسس التنفيذي للشركة هو نوبار أفيان، الريادي وأستاذ الجامعة الأميركي، وهو لبناني – أرمني الأصل، ولد في بيروت بتاريخ 25 تموز من العام 1962، هاجرت عائلته إلى مونتريال في كندا العام 1976.
حاز من جامعة “ماكغيل” على إجازة في الهندسة الكيميائية العام 1983. وحصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية الحيوية من معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” في عام 1987. وهو اليوم رجل أعمال، وريادي، ومخترع، وتقني، ومدير تنفيذي.
في العام 2000 أسّس أفيان شركة Flagship Pioneering لإنشاء وتمويل شركات ناشئة في مرحلة مبكرة لتلبية الاحتياجات غير المنظورة في مجال الرعاية الصحية. وهو محاضر أول في “معهد ماساتشوستس – كلية سلوان للإدارة”. يحاضر في الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي حول موضوعات تتنوّع بين ريادة الأعمال والابتكار ورأس المال الاستثماري، وصولاً إلى الهندسة البيولوجية واكتشاف الأدوية والتقنيات الطبية والطاقة المتجددة.
من خلال عمله كرائد أعمال عبر شركة Flagship Pioneering، أسس أفيان، أو ساعد في إنشاء، العديد من الشركات، بما في ذلك Moderna.
لقاح “مودرنا” أظهر فعالية في الوقاية من أخطر حالات عدوى كوفيد-19. ووفقًا لبيان الشركة، لم تكن هناك حالات خطيرة بين الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح، مقارنة بـ11 من المتطوّعين الذين تلقوا حقناً وهمية.
وحالياً تسعى كل من مودرنا وفايزر للحصول على إذن استخدام طارئ من إدارة الغذاء والدواء الأميركية إذا أظهرت دراسة أخرى أنّ لقاحيهما آمنان. وقالت مودرنا في بيانها إنها قد تسعى للحصول على الضوء الأخضر من المنظمتين في الأسابيع المقبلة.
من خلال عمله كرائد أعمال عبر شركة Flagship Pioneering، أسس أفيان، أو ساعد في إنشاء، العديد من الشركات، بما في ذلك Moderna
وأشار أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف مع المراسلين: “نتائج هذه التجربة مذهلة حقًا. الفعالية ضد المرض الحادّ رائعة حقًا”.
الجدير بالذكر أنّ شركة مودرنا، ومقرّها كامبريدج بولاية ماساتشوستس، تلقّت 955 مليون دولار من عملية Warp Speed المموّلة من الحكومة الأمريكية، لتطوير لقاحها، ووافقت الدولة على دفع ما يصل إلى 1.53 مليار دولار لشراء إمدادات اللقاح. في حين قالت شركة فايزر إنّها لم تتلقّ أي تمويل فيدرالي لتطوير لقاحها، على الرغم من إبرامها اتفاقية توريد مع الولايات المتحدة تبلغ قيمتها ملياري دولار.
تتوقع مودرنا تصنيع 20 مليون جرعة من لقاحها بحلول نهاية العام، تكفي لتحصين 10 ملايين شخص. ستذهب هذه الدفعة الأولى إلى الولايات المتحدة.
وبمجرد اعتماد اللقاح، من المتوقع أن يشكل التوزيع تحديًا كبيرًا. يعتبر التعامل مع بعض الجرعات قيد الدراسة أمرًا معقدًا: على سبيل المثال، يجب تخزين لقاحات فايزر في درجات حرارة شديدة البرودة حتى بضعة أيام قبل استخدامها، وهو معيار يضيف عقبات لوجستية للدول التي ستكون مسؤولة عن الإشراف على جهود التلقيح.
يذكرنا هذا الخبر بالإعلان الشهير على شاشة MTV “رغم كل شي”.
“إنقاذ العالم”، الذي كان دائماً “أميركياً” على طريقة أفلام هوليوود، سيكون لبنانياً هذه المرّة. فبعدما كان “أساس” أوّل من أعلن عن ريادة لبنانية– أرمنية، من خلال شخصية رئيس مجلس إدارة شركة “موديرنا” نوبار أفيان، ها هو دمياني اسم جديد، يتولّى منصب “الرئيس التنفيذي للتميّز الرقمي والتشغيلي” في الشركة.
ابن مدينة طرابلس، المنكوبة والمحرومة، والأكثر فقراً على شاطىء البحر الأبيض المتوسّط، مجتهد وعصامي، تدرّج في أعرق الجامعات وتولّى مناصب إدارية وعلمية رفيعة في أكثر من دولة، وسيكون له بصمة في أعظم اكتشافات البشرية خلال القرن الواحد والعشرين.
في طرابلس سنجد آل دمياني، الموزّعين بين الزاهرية والميناء، وبين القبّة والنوري، وهم من أعرق العائلات الأرثوذكسية في المدينة.
وبعد محاولات للتواصل مع دميان أجاب على رسالة استفسار، عرضنا من خلالها مسودة مقالنا بما تضمنه من المعلومات الأوّلية التي انتشرت في الإعلام اللبناني. وكان الردّ مرحّباً، متواضعاً، أصيلاً، “طرابلسياً” لم يغيّره الوقت ولا المسافة، ولا الإنجاز.
يقول مارسيلو دمياني لـ “أساس”: “تشرّفت بمقابلتك على وجه التحديد، لأنك واحدة من أقراني في طرابلس!”، ويضيف: “على الرغم من أنّ قراءتي للغة العربية ليست سلسة كما كانت سابقاً، أؤكد أنّ جميع المعلومات التي جمعتموها عني تبدو دقيقة”، معلّقاً على مسودة المقال.
ويوضح: “بالفعل هاجرت من لبنان في العام 1988، لألتحق بدراستي الجامعية في فرنسا”، حيث تابع ماجستير في هندسة نظم المعلومات في جامعة تولوز.
هو يفضّل أن يبقى في الكواليس (Low Profile). يعمل في الخفاء بمثابرة لا تترك مجالاً للعلن والإعلانات. لا وقت لديه. يفعل كثيراً ويتكلّم قليلاً. الكلام للفعل لا للدعاية. هذا ما يشي به حسابه المهجور على “تويتر” ومقابلاته القليلة جداً التي تشكّل نوعاً من “السكوب” الصحافي لمن استطاع إلى لقائه سبيلاً.
وقد أكّد لـ “أساس” أنّه تولّى منصب الرئيس التنفيذي للتميّز الرقمي والتشغيلي في الشركة منذ انضمامه إليه في العام 2015، قبل بين عامي 2009 و2015. كان لا يزال مستقرّاً في فرنسا، حيث شغل مناصب عليا في شركة “بيو ميريو” الفرنسية العالمية، أهمّها منصب النائب الأوّل للرئيس.
وعلاوة على الماجستير في هندسة نظم المعلومات، أكمل دمياني برنامج ماجستير إدارة الأعمال التنفيذية الدولية من خلال TRIU، التحالف الذي يضمّ كليّة لندن للاقتصاد، وكلية نيويورك ستيرن للأعمال، وكلية HEC Paris للإدارة، وهي من المدارس العليا التي خرّجت العديد من صنّاع القرار في فرنسا.
وبحسب تقييم “فوربس”، فإنّه “يتمتع بخبرة واسعة في الأعمال التجارية الدولية”. وهو يذكر في صفحته على موقع LinkedIn عن نقاط قوته المهنية أنّه “قائد رؤيوي تغييري، شغوف وحيوي للغاية، يحقّق باستمرار ما يفوق التوقّعات ويستثمره بشكل روتيني في: أدوار التحوّل، والبناء، مع مزيج غير عادي من العلاقات، والمعرفة التكنولوجية، والصرامة العملية والفطنة التجارية”. ويحدّد اختصاصاته بـ “القيادة والاتصال”.
كان مارسلو دمياني قد كشف في شهر أيلول الفائت، خلال مقابلة على موقع مؤسسة SME، أنّ أحد أهم ميزات شركة “موديرنا” التي تساعد على تطوير اللقاحات هي أنّها أوّل شركة تكنولوجيا حيوية “نشأت في السحابة” ((cloud-based، وتعتمد على خدمات موقع Amazon للتكامل السلس عبر أعمالها والبحث والتطوير وعمليات التصنيع والجهود التجارية المستقبلية.
وقال مارسيلو دامياني: “قرّرنا منذ البداية أن نبني من الألف إلى الياء تكنولوجيا حيوية رقمية”، وأضاف: “نتأكد من أنّ الشركة تتمحور حول البيانات، وأنّه يمكننا الحصول على رؤى من قاعدة البيانات هذه لمساعدتنا على تحسين الجودة والكفاءة وتسريع تعلمنا”، قائلاً: إنّ”الكأس المقدسة لكلّ هذا هي التحليلات التنبؤية والتعلّم الآلي”.
أخيراّ، من نافل القول إنّ بطولة دامياني الأولى هي خطوته الأولى خارج منابر الطموح اللبنانية. فكبير مسؤولي التميز الرقمي والتشغيلي في “موديرنا” يضيف الكثير إلى سردية “المهاجر العبقري” وترحيب أميركا وأوروبا ودول القانون والإنسان وتقديرها الكفاءات اللبنانية.
وفي هذا الصدد، وعن رغبته بالعودة الى لبنان والروابط بأرضه الأم، يختم: “آمل أن أزور لبنان بمجرّد تلقينا اللقاح”.
تتركنا هذه الأخبار في مزيج من الفخر والمرارة، بنسخة خاصة ومكثفة في طرابلس. لأنّ دامياني هو نقطة أخرى وليست أخيرة في بحر الأدمغة الطرابلسية، الذين يلمعون خارج طرابلس، مدينتهم التي تشاكس صورها المنمّطة البشعة والتهم الإرهابية، إلى حيث تفخر بهم مدينتهم، كأنّها تجد عزاءها الوحيد في من أنقذوا أنفسهم، وأسرهم، وشركاتهم، وبلادهم… جديدهم: إنقاذ العالم.