Beirut weather 15.77 ° C
تاريخ النشر October 7, 2019
A A A
هل يفكر الاميركيون باخلاء قاعدة ” العِديد ” الجوية في قطر ؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

للوهلة الاولى، وبعد مشاهدة غرفة العمليات الجوية المشتركة في قاعدة العديد الأميركية في قطر خالية من مئات المراقبين والخبراء الجويين (بحسب صحيفة الواشنطن بوست )، يتخيل للمتابع ان هناك خطأ ما في نقل المعلومة، اذ لا يعقل ان يعمد الأميركيون، وفي هذا الوقت بالذات حيث التوتر مع ايران على اشدِّه، وحيث الحاجة لتلك القاعدة اليوم هي اكثر من اي يوم مضى، ان يقوموا باخلاء قاعدتهم الجوية الاضخم في المنطقة، التي تحضن حوالي 10 الاف جندي وضابط، والتي تعتبر القاعدة الاكثر امكانية لتنفيذ اغلب العمليات الجوية الاستراتيجية، في دائرة واسعة من الشرق، ما بين البحر الابيض المتوسط حتى عمق المحيط الهندي مع تغطية لكامل اسيا الوسطى حتى دول جنوب روسيا.
عمليا، حدث ذلك وتم اخلاء غرفة العمليات التي تمارس القيادة والسيطرة التامة على حوالي 300 قاذفة استراتيجية، من مختلف الانواع والنماذج، وعلى رأسها: بي 52 واف 35 واف 22 وعدة أسراب من المقاتلات المتعددة المهمات: اف 15 واف 16، ليتبين أن هذه القيادة والسيطرة تم ممارستها من غرفة عمليات جوية في ولاية ساوث كارولينا الأميركية، وبقيت القاذفات التي تراوح عددها حوالي 300 تحلق في طلعاتها الروتينية: دفاعية او تدريبية او استعلامية، في سماء سوريا وافغانستان والخليج وبحر العرب وسلطنة عمان والكويت، ولاحقا في اليوم التالي، اعيدت جميع طواقم المراقبة الجوية والخبراء وعناصر القيادة والسيطرة الأميركية الى قاعدة العديد، وتابعت غرفة العمليات الجوية من قطر ممارسة عملها كالمعتاد، ليصرح مسؤولون أميركيون ان الخطوة كانت لتجربة ادارة العمليات الجوية في الشرق من داخل البلاد، والمقصود طبعا من داخل الولايات المتحدة الأميركية.
في الحقيقة، من غير المنطقي ان يخلي الأميركيون قواعدهم العسكرية وخاصة الجوية، من اماكن تمركزها في المنطقة، حيث الصراع الاستراتيجي على النفوذ والسيطرة او الهيمنة يتزايد، ما بين روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية، على صعيد دول عظمى، وما بين ايران والسعودية وتركيا والهند وباكستان على صعيد دول قادرة غير عظمى، وحيث تُعتبر منطقة الشرق الاوسط وبالتحديد منها منطقة الخليج، البقعة الاكثر حماوة وحساسية … ولكن هل يكون هذا هو الهدف (تجربة ادارة العمليات الجوية في الشرق من داخل الولايات المتحدة الأميركية ) ام ان هناك اهدافا اخرى، لا تبتعد عن فكرة مستقبلية أميركية تقوم على سحب اغلب القواعد الجوية والبرية من الشرق الاوسط ؟ وفيما لو صحت هذه التوقعات، ما هي الاسباب المحتملة وراء ذلك؟
السبب الاول الذي يبدو اكثر واقعية هو الخوف من ايران، وذلك بعد ان ظهرت نقاط الضعف في القواعد الأميركية في الخليج بعد عملية ارامكو، والتي اتهموا فيها ايران، وما بين ايران او انصار الله اليمنيين، تبقى حقيقة فشل هذه القواعد في منع تلك الهجمات حقيقة واقعة وثابتة، وتبين للأميركيين، وباعلان ايراني صريح، ان تلك القواعد سوف تكون باكورة بنك اهداف الصواريخ والطائرات المسيرة الايرانية، عند اي مواجهة محدودة او واسعة، مع الأميركيين او مع الاسرائيليين او حتى مع السعوديين، الامر الذي يضع تلك القواعد حكما في دائرة الخطر الاكيد.
السبب الثاني الذي يمكن أن يتبادر للاذهان هو تقني عسكري، فقد تغيرت القدرات الاستراتيجية لدى اغلب الدول الفاعلة والقادرة في المنطقة، وعلى رأسها ايران، وذلك منذ 13 عاما حتى اليوم، تاريخ تواجد قاعدة العديد الأميركية في قطر، واصبح الاعتماد في اية مواجهة خاطفة او استراتيجية على الطائرات المسيرة المختلفة القدرات والمهمات، وعلى منظومات الدفاع الجوي الغامضة، والتي اسقطت من خلالها ايران طائرة الاستطلاع الأميركية الاغلى والاحدث في العالم ” إم كيو 4 سي ترايتون ” ، الامر الذي اخرج الى حد ما الاعتماد الكلي الأميركي على القاذفات التقليدية، والتي اصبح تواجدها في قواعد قريبة من ايران، يشكل نقطة ضعف اولا، وثانيا يعتبر من الناحية العملية غير مناسب لاية مواجهة طارئة ومن نوع جديد.
السبب الثالث وهو اقتصادي مالي وغير بعيد عن استراتيجية الرئيس ترامب المعروفة، ويدخل اولا من جهة للضغط على قطر لتغطية وتمويل اوسع لتلك القواعد، والتي شكلت وما زالت للدوحة نقطة حماية غير مباشرة، في ظل التوتر القطري الحالي مع اغلب الدول الخليجية الفاعلة بالاضافة لمصر، ومن جهة ثانية، يمكن ان يدخل من ضمن الضغط على السعودية حيث التهديد غير المباشر باخلاء قاعدة جوية او اكثر سوف يخلق اليوم خوفا سعوديا، هو في محله طبعا، الامر الذي يدفع بالرياض للطلب وبالحاح مغطى ماديا، بابقاء تلك القواعد الأميركية منتشرة في الخليج مع طلب زيادة امكانياتها اكثر.
من هنا ، لا يمكن استبعاد المناورة الأميركية بالايحاء باخلاء القاعدة الاهم في المنطقة ( العديد في قطر ) ، وبهدف ممارسة السياسة الثابتة الدائمة بالاستغلال المادي لدول المنطقة، وخاصة في ظل حكم الرئيس ترامب: ” ملك تلك السياسات المادية ” .