كتب ناصر قنديل في “البناء”
الإعلان الأميركي عن إخلاء قواعد عسكرية ونوايا إخلاء سفارات في المنطقة يوحي بأن ثمة قلقاً أميركياً من اندلاع حرب يخشى أن تتحول القواعد الأميركية والسفارات الأميركية إلى أهداف لها، ويستحيل قراءة هذه الفرضية إلا باتجاه واحد، هو ذهاب رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى عمل عسكري كبير ضد إيران، وقيام إيران بتفعيل معادلة الرد التي حذرت من أنها سوف تلجأ إليها في هذه الحالة، ومن ضمنها استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، فهل يفعلها بنيامين نتنياهو؟
في أصل التهديد الإيراني بالرد على القواعد الأميركية في المنطقة، قناعة إيرانية يشترك معها فيها كثيرون قوامها استحالة قدرة نتنياهو على توجيه ضربة لإيران دون موافقة ومشاركة أميركية، سواء لأن ما جرى خلال عملية الرد الايرانية على كيان الاحتلال التي حملت اسم الوعد الصادق 2 في أول تشرين الأول عام 2023، كان واضحاً أن «إسرائيل» أضعف من أن تتحمل الرد الإيراني دون حماية أميركية واسعة النطاق، وهذا ما قاله الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، موجهاً كلامه للإسرائيليين، لولا دفاعنا عنكم لدمّرتكم إيران، أو لأن الحاجات العسكرية واللوجستية اللازمة لتنفيذ الضربة لا تملكها «إسرائيل» مثل طائرات التزوّد بالوقود بعددٍ كاف لعملية كبيرة، أو صواريخ العمق القادرة على الوصول إلى أعمق ما هو ممكن في مناطق المفاعلات النووية الايرانية، فهل يتجاهل نتنياهو كل ذلك ويفعلها؟
مع انعقاد جلسة مفاوضات معلنة الأحد المقبل بين وفدين أميركي وإيراني، وكلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تراجع ثقته بالقدرة على التوصل إلى اتفاق، واتجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتصعيد بوجه إيران، وعرض روسي بالدخول على خط التوسّط وتقديم صيغة لحل مسألة اليورانيوم المخصب وتسلّمه بموافقة الطرفين الأميركي الإيراني، وقائع تقول إن الأرض رخوة حول المسار التفاوضي ولا يمكن البناء عليها للاستنتاج بأن المسار يتقدّم، وفي هذه الحالة يصبح ثمّة مكان لتوقع تصعيد قد ترتكب فيه حماقة القيام بعمل عسكري ضد إيران وبموافقة أميركية، فإن أجاز ترامب ذلك هل يفعلها نتنياهو؟
العقبات التي تحول دون تورّط أميركي أو إسرائيلي بالخيار العسكري كثيرة أهمها استحالة تدمير كل البرنامج النووي الإيراني دفعة واحدة، وبقاء ما يلزم لإعلان إيران الانتقال إلى إنتاج سلاح نووي كما صرّح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غوسبي نقلاً عن الإيرانيين عما سوف يفعلونه إذا تعرّضوا للحرب، هذا إضافة إلى أن إيران سوف تكون قادرة على الردّ سواء باستهداف القواعد الأميركية أو بتعريض كيان الاحتلال لزلزال عسكري غير مسبوق، وهذا كله يعني حرب استنزاف لا يمكن التحكم بمساراتها ولا مدتها ولا نهايتها، لن تكون أزمة طاقة تجتاح الأسواق العالمية إلا إحدى أولى نتائجها، فهل يترك ترامب يد نتنياهو طليقة كي يفعلها؟
من العقبات أيضاً انفجار أزمات داخلية بنيوية في كل من أميركا و»إسرائيل»، تضعف القدرة على الذهاب إلى حرب، وتفرض الحاجة للتفرّغ لمعالجة الأوضاع الداخلية، لكن البعض يعتقد أن هذه الأزمات أعقد من القدرة على إدارتها والتحكم بها، وأن استعادة الوحدة الداخلية وحصار المعارضة الداخلية يستدعي حرباً يمكن تحقيق الإجماع حولها، والحرب على إيران مشروع نموذجي لتحقيق ذلك، وربما يكون الحديث عن وقف الحرب على غزة لتحقيق وحدة الغرب الأميركي والأوروبي وراء هذه الحرب أحد مؤشرات هذا الاتجاه، بحيث يصبح ذلك سبباً لنتنياهو كي يفعلها.
يبقى احتمال أن يكون ذلك كله ضمن سياق الضغوط التي يراد منها الإيحاء بجدية خيار الحرب، لاستكشاف النتائج على طاولة التفاوض.