Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 20, 2020
A A A
هل يفسّر الغضبُ العنفَ؟
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

– عندما يكون العنف الذي تشهده التظاهرات منذ يومين، ناتجاً عن محاولات اقتحام مقار رسمية لإحراقها وتكسير محتوياتها، فقرار الصدام متخذ عند المجموعات التي تقود المتظاهرين وتزجّهم في هذه المواجهات، وليس نتاجاً لعنف الأجهزة الأمنية، وعندما نسمع المتحدثين بلسان المجموعات المنظمة والإعلاميين المؤيدين لها عن الانتقال من مرحلة السلمية إلى مرحلة العنف، لا يعود من معنى للقول إن الغضب هو الذي يولد العنف، خصوصاً أن العديد من المشاركين في هذه الأعمال يأتي مزوداً بعتاد مناسب لذلك، ونسبة غير قليلة منهم تنتمي لبقايا من المعارضة السورية، وبعض الجماعات المشبوهة التي ظهرت في قيادة قطع الطرقات، والتي اضطرت جماعات مشاركة وفعالة في الحراك إلى التبرؤ منها.
– اللجوء إلى العنف هو قرار. وهذا القرار لا يمكن أيضاً تفسيره بصفته طريقاً لفرض مطالب، لأن أيّ حساب بسيط للموازين السياسية والميدانية سيصل لنتيجة استحالة قدرة مجموعات على فرض روزنامة لا تمتلكها للتغيير بواسطة أعمال التخريب، ولا يعوّض هذا العجز محاولة دغدغة المؤسسة العسكرية بشعارات انقلابية لا يمكن أن تلقى صدىً، ومعلوم أن أعمال التخريب لا تلقى قبولاً شعبياً لتحتمي به، رغم كثرة الحديث عن «ثوار» وعن «الشعب» في تبرير التخريب. فمن يقرأ تاريخ الانتفاضات الشعبية عبر التاريخ ويقارن بما يجري عندنا، يكتشف بسهولة كيف أن الأيام المئة الأولى تتكفل بانفضاض الشعب بسبب السقوف المرتفعة وغياب خريطة طريق واضحة، والابتعاد عن السعي لتحقيق تراكم واقعي في المكتسبات بالتناسب مع ارتفاع منسوب الزخم الشعبي، فلا يبقى إلا الفوضويون ودعاة العنف يعوّضون بذلك ما بات مؤكداً لديهم من غياب التلبية الشعبية لنداءاتهم، والشعب اللبناني الذي صوّت في 17 تشرين الأول ضد الحكم والحكومة والسياسيين، بالنزول إلى الشارع، يصوّت منذ 17 كانون الأول ضد قيادة الحراك بعدم النزول إلى الشارع، والتراكم السلبي بدأ مع قطع الطرقات وتوسّع مع إدخال الحراك في متاهات الانقسام السياسي والسعي لتوظيفه، وركب موجته لتعديل التوازنات بين أطراف السلطة وليس بين السلطة والشعب.
– هناك جوع. وهناك تململ من التباطؤ في معالجة الملف الحكومي في أوساط الشعب، لكن مثله هناك أسئلة عن الهوية الحقيقيّة للمشروع الذي يطل برأسه من المواجهات باسم الشعب، والحديث عن «ثورة»، والأسئلة ترجمت ذاتها بخسارة الجماعات التي تقود المواجهات القدرة على تحشيد الناس. فنحن أمام جماعات منظمة بالمئات على ضفتي اليسار الذي يواجه المصارف، واليمين الذي ينقل المعركة إلى ساحة النجمة. وإن كان هناك بعض من التعاطف الشعبي فهو محصور بالشباب الذي يحتجون أمام المصارف والمصرف المركزي، بعدما تعرّض الناس للإهانة والإذلال في هذه المصارف، إضافة لوضع اليد على حريتهم بالتصرف بودائعهم.
– العنف الذي يجري الإصرار على تقديمه كعنف ثوري وليس كردّ فعل على عنف الأجهزة الأمنية، أي التباهي بصفته مبادرة ذاتية من أصحابه، يشكل محاولة لعرقنة الحراك اللبناني، وما يجري في العراق واضح، بدأ بالتخريب وتحوّل إلى إحراق المؤسسات العامة، وتسللت تحت ظلامه مجموعات تغتال وتطلق النار بين المتظاهرين وعليهم، وأمس سمعنا عن تسجيل صوتي لانشقاق دركي، تبين لاحقاً أنه ملفق، لكنها إشارة لاستنساخ تجربة التخريب الذي تعرّضت له سورية، بمعونة الذين خططوا الخراب لسورية ذاتهم وفشلوا، وكأن هناك مَن يموّل ويخطط لتظهير انشقاقات في الأجهزة الأمنية لنسمع غداً بدرك لبنان الحرّ، وها هو الاستنفار الدولي حاضر، وتختصره تدخلات سافرة للممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش، مرّة بالحديث حول حاكم مصرف لبنان كخط أحمر في رد فعل على عنف المتظاهرين أمام المصرف، ومرّة بتبنيه المتظاهرين العنفيين في ساحة النجمة، بربط العنف بغياب الحكومة.
– العودة لسلميّة التحركات الاحتجاجية وبقاؤها في الساحات هو حرص على تصحيح مسار الحراك بعدما انحرف نحو تسييس غير مشروع، وفوضى غير مشروعة، ليستعيد ثقة الناس ويبقى عامل ضغط على الحياة العامة لتسريع الحلول وتصويب المسارات.