Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر March 2, 2022
A A A
هل يعود هوكشتاين هذا الشهر لتبلّغ الردّ اللبناني… وكيف يختار لبنان الخط 23 بدلاً من الـ 29 ؟!
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

 

كان الخلاف الداخلي مستمرّاً بين المسؤولين اللبنانيين والخبراء والناشطين من المجتمع المدني حول تبنّي لبنان للخط 23 كخط نهائي لحدوده البحرية، أو التمسّك بالخط 29 الذي عرضه الوفد العسكري على طاولة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود كخط قوي وقانوني، للحفاظ على حقوقه وثروته النفطية في المنطقة الإقتصادية الخالصة، الى أن جاء الموقف الأخير لرئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمّد رعد بشأن الترسيم، لينسف كلّ ما قيل ويُقال حول الحدود والخطوط والوساطة الأميركية. حتى أنّ عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الثالثة المرتقبة الى لبنان خلال شهر آذار الجاري لتبلّغ الردّ اللبناني الرسمي على الطرح الأميركي الذي اقترحه على المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته السابقة في 9 شباط الفائت، قد تكون باتت على المحكّ بعد وصول ما قاله رعد الى مسامعه.

مصادر سياسية عليمة رأت بأنّ كلام النائب رعد يُمثّل حزب الله، والذي هو ليس موقف الدولة الرسمي، وإن سمعنا منه لغة جديدة بعد أن كان يقف وراء موقف الدولة اللبنانية في موضوع ترسيم الحدود البحرية. ولكن لا يُمكن منذ الآن معرفة خلفيّات ومؤشرات وتوقيت هذا الموقف، لهذا لا بدّ من انتظار موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يقود مفاوضات الترسيم منذ انطلاق التفاوض غير المباشر بين لبنان والعدو الإسرائيلي في الناقورة في 14 تشرين الأول من العام 2020، فضلاً عن موقف الحكومة التي تقوم بدرس اقتراح الوسيط الأميركي.

وتؤكّد المصادر بأنّ هوكشتاين سيعود خلال الشهر، سيما وأنّه كان قد حدّد منذ جولته المكوكية الأولى شهر آذار، كآخر مهلة لإنهاء الإتفاق البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي. وبالطبع سيأتي لتبلّغ الموقف اللبناني الرسمي على اقتراحه الأخير، وسيكون هذا الردّ جاهزاً خلال الأسابيع المقبلة، أكان سلبياً أو إيجابياً. علماً بأنّ هوكشتاين قد سبق أن صرّح خلال زيارته الماضية بأنّنا «لسنا نحن من نُبرم الإتفاق، وعلى لبنان و «إسرائيل» أن يُقرّرا القيام بذلك»، ملمّحاً الى أنّه نقل «أخباراً جيّدة» من « الإسرائيلي». وقد فسّر البعض هذه «الأخبار الجيّدة» بموافقة العدو على الخط 23 كحدود لبنان البحرية، مقابل قبول لبنان بصفقة تقاسم الموارد النفطية في الحقول المكتشفة حالياً، والتي قد تُكتشف لاحقاً في المنطقة البحرية الحدودية، بواسطة شركة عالمية نفطية، قد تكون أميركية على الأرجح، من دون ترسيم أي خط، بل إمكانية أن يُصار الى رسمه بعد عملية التقاسم وتوزيع الموارد.

في المقابل، تجد أوساط ديبلوماسية مواكبة لمسألة الترسيم البحري بأنّ فيما يتعلّق بما أثير في الإعلام أخيراً عن حذف الرسالة التي أرسلها لبنان الى الأمم المتحدة بتاريخ 28 كانون الثاني 2022، والتي تجعل المنطقة بين الخطين 23 و29، منطقة نزاع، عن الموقع الرسمي لقسم شؤون المحيطات وقانون البحار، ثمّ توضيح وزارة الخارجية والمغتربين في بيان لها بأنّه لم يتمّ حذف الرسالة، وأنّ ما قيل هو مجرّد شائعات، وأنّ الرسالة «شكّلت «ردّاً ملائماً» على المزاعم «الإسرائيلية» ودفاعاً عن حقوق لبنان في حدوده البحرية وثروته النفطية، كما أنّه لم يرد فيها، كما هو واضح، أي ذكر للخطوط التي تداولها الإعلام. تجد الاوساط أنّه يبدو واضحاً أنّ الرسالة هي «حمّالة أوجه ديبلوماسية»، ويمكن إيجاد تفسيرات عدّة لها، ولكنّها حتماً تعني أنّ لبنان لا يتبنّى الخط 23، ولا أي خط آخر أي الخط 29.

وأشارت الاوساط نفسها الى أنّه بعض وسائل الإعلام عادت لتكشف فيما بعد مغادرة هوكشتاين وحصول الخلاف الداخلي على الخطين 23 و 29، وجود خرائط «إسرائيلية» تعترف بالخط 23، وبأنّ «الإسرائيلي» كان هو وراءه. كما أنّ الخبراء اللبنانيين كانوا على علم بأنّ لجنة 2009 كانت في اختيارها لهذا الخط تتماهى مع رسوم البلوكات «الإسرائيلية»، الى جانب اعتراف «الإسرائيليين» ضمناً بالخط 29، ومحاولتهم تجاهل هذا الأمر خلال المفاوضات، لكي لا يخسروا ثلاثة أرباع «حقل كاريش» الذي يدخل ضمنه، وكلّ «حقل قانا» الواقع ضمن البلوك 9 والذي ينوون الحصول على القسم الجنوبي منه.

وتساءلت الأوساط الديبلوماسية نفسها: إذا كان المسؤولون يعلمون، فلماذا اختاروا الخط 23؟ وإذا لم يكونوا يعلمون، فمن أوحى لهم بهذا الخط؟ ألم توحي الدول الكبرى وشركات الإستشارات الأجنبية لهم باختيار هذا الخط إرضاء للرغبات «الإسرائيلية»، وقامت الدولة اللبنانية بإتباع هذه النصائح بشكل أعمى؟

ولكن لماذا أثير هذا الكلام الآن، تُجيب الاوساط: لأنّ لبنان لا يُمكنه أن يُضاهي الدول الكبرى وربيبتها «إسرائيل» في تقنيات رسم الخرائط والإحداثيات، نظرا لتراكم خبراتهم عبر عقود من الزمن ولإمكانيتهم اللامحدودة. ونحن أيضاً لدينا الخبراء، ولكنّهم تلّقوا علومهم في معاهد الدول الكبرى. كما أننا لا زلنا نعتمد على مشورات ونصائح الأصدقاء من الدول الكبرى والتي لنا معها صلات وثيقة. ونظراً لضعفنا في هذا المجال، دعونا كثيراً إلى توسيع دائرة المشاورات، وعدم اللجوء إلى المفاوضات الجانبية والسريّة ومن تحت الطاولة، لأنّ ممثلي الدول الكبرى سيتمكّنون من التلاعب بنا نظراً لقدراتنا المتواضعة.

ولفتت الاوساط الى أنّ الفارق بين اليوم والأمس، هو أنّه قد أصبح لدى الجيش وفداً إحترافياً قام بإجراء الدراسات المطلوبة من جميع النواحي التقنية والقانونية، كما أجرى المسح الجغرافي على الأرض وتقدّم بالإحداثيات الدقيقة. ولكن للأسف الشديد، فإنّ أركان الدولة لا زالوا يرون أن كلّ واحد منهم أنّه يحق له أن يجري محادثات جانبية بشكل مستقل للتوصل إلى «صفقة» ما، غير مدركين أن الأمر يتطلّب جهداً وتعاوناً أكبر بكثير مما يجري حالياً، وأنّه لا بد من شرح تفاصيل المفاوضات إلى الشعب أولاً بأول لأنها معقدة وشائكة وطويلة ولأننا نجري مفاوضات غير مباشرة مع عدو شرس لا يستكين.

كما أنّ كلّ الدراسات التي تمّت الإستعانة بها ونشرت في وسائل الأعلام هي من قبل شركات أجنبية متخصّصة، على ما أضافت الأوساط عينها، ومن المؤكد أنّ التكاليف التي صرفت عليها قد جاءت من أموال المواطن اللبناني. فهي ليست «صناعة محلية صرفة». ومن ذا الذي يؤكد لنا بأنّ هذه الدراسات لم يتمّ تسريبها إلى جهات أخرى؟ فبدلاً من أن تقوم الدولة بتثقيف وتوعية الشعب اللبناني حول مسألة الحدود البحرية، تحتفظ بهذه الدراسات في الأدراج المغلقة.

وعقّبت الاوساط: أما بخصوص أنّ الترسيم البحري هو مسألة تخصّ الأمن القومي، ولهذا يجب مقاربتها بتكتّم وسريّة، فهو أمر لا يستقيم. هل اختيار الخط 29 لأنّه يسهل الدفاع عنه أكثر من الخط 23؟ الجواب كلا بالطبع. هل إنشاء محطات الضخ العائمة في المنطقة المتنازعة عليها سيسهل ضربها من العدو الإسرائيلي؟ وهل عكس ذلك صحيح؟ إنّ ترسيم الخط البحري وحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة هما بموجب القانون الدولي وليس بموجب الاستراتيجيات العسكرية، والتي تصبح ملزمة بعد حصول الترسيم وليس قبله… ولنا في اتفاقية القاهرة عام 1969 أسوة عندما أصر القادة اللبنانيون أنهم لا يستطيعون الإفصاح عن مضامينها للناس ولنواب الأمة لأنّها تخص الأمن القومي. فكانت نتيجتها أنّ الجنوب تحوّل إلى ساحة مجابهة عسكرية، وهجّرت «إسرائيل» معظم سكان القرى الحدودية ليُشكّلوا حزام بؤس حول العاصمة، وتنازلت الدولة عن سيادتها لأجزاء من أراضيها لمنظمة التحرير الفلسطينية ممّا مهّد الطريق لإنفجار الحرب اللبنانية والتي لا نزال نعيش آثارها حتى يومنا هذا.

وتقول الاوساط لهذا يُنادي العديد من الناشطين والخبراء اليوم بعدم اللجوء الى المفاوضات السريّة في موضوع وطني وسيادي مثل مسألة ترسيم الحدود البحرية، وهذا الأمر ليس من اختراعنا، وتاريخياً، أدان الرئيس الأميركي توماس ويلسون بين نقاطه الـ 14 في مؤتمر السلام في باريس 1919، الديبلوماسية السريّة التي تتسبّب بالحروب، فيمكن إيجاد طريقة للمواءمة بين التفاوض في الغرف المغلقة وبين الديبلوماسية المعلنة والشفافة. وشدّدت الاوساط على أنّه لا بدّ من التنسيق بين الأجهزة اللبنانية المعنية كافة لبلورة موقف لبنان الرسمي من عرض هوكشتاين لتبليغه به فور عودته، في حال لم يعمد الى تأجيلها لسبب أو لآخر.