Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر March 5, 2022
A A A
هل يعود العالم محكوماً بـ«الجبّارين»؟
الكاتب: طارق ترشيشي - الجمهورية

هل ستؤدي الحرب الروسية ـ الاوكرانية الى قيام نظام عالمي جديد على أنقاض النظام الاحادي القطب الذي نشأ إثر انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي وتفرّدت به الولايات المتحدة الاميركية؟ ام انّ هذا العالم سيعود محكوماً بمعادلة «الجبّارين» الاميركي والروسي وبينهما الصين وفرنسا وبريطانيا بحيث يبعث الاتحاد السوفياتي السابق مجدداً ليعود «توازن الرعب» بين الشرق والغرب ويدخل العالم معه في حرب باردة جديدة؟

باتَ من المؤكد لدى الجميع انّ عالم ما قبل الحرب الروسية ـ الاوكرانية سيكون غيره ما بعدها، لأنّ هذه الحرب خلطت كل الاوراق والمعادلات على الساحة الدولية وكشفت كل النيات والخيارات المرحلية والمستقبلية لدى كل عواصم القرار والاحلاف الدولية.

 

غير انّ ديبلوماسيين خبراء في الشؤون الدولية يقولون انّ طبيعة النظام الدولي الجديد المرتقب قيامه تتوقف على مدى الوقت الذي ستستغرقه هذه الحرب وكيف ستنتهي. أتنتهي باتفاق روسي ـ أوروبي أم باتفاق روسي ـ اميركي؟ فهي ستستمر في شكل من الاشكال أم تتحول حرب عصابات لا تنتهي قريباً، فالعقوبات على روسيا ستتزايد وهي في أجزاء منها طويلة الامد، واذا طالت الحرب ولم يحصل اتفاق يوقِفها فقد لا تتمكن روسيا من تحمّل هذه العقوبات التي يمكن ان يؤدي الى إضعافها وإضعاف حلفائها، ولا سيما منهم حلفاء روسيا في الشرق الاوسط في ضوء حياد الصين وايران الدعامتين الاساسيتين الى جانبها في»السّيبَة» الاساسية المقاومة للنفوذ الاميركي والغربي.

ولذلك، يقول هؤلاء الديبلوماسيون، ان الروس لا يمكنهم تحمّل حرب طويلة. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرفع وتيرة التهديد دافعاً الى حصول نهاية قريبة لهذه الحرب لأنّ إطالتها، في رأيهم، سيكون تأثيرها كبيراً على الجبهة المواجهة للغرب ونواتها روسيا والصين وايران، وأول نتائجها يمكن ان تكون إضعاف هذه الجبهة، وثانيها انها ستدخل العالم في حرب باردة جديدة لأنّ طبيعة العقوبات المفروضة والتي تفرض على موسكو ليست من النوع الذي ينتهي بمجرد توقف الحرب، فهي عقوبات من شأنها ان تضعف الاقتصاد الروسي، وقد تُحدِث مشكلات داخلية لبوتين فهي ليست من النوع الذي فُرضَ على روسيا بسبب ضَم شبه جزيرة القرم الى الاتحاد الروسي عام 2014، حتى انها ليست من نوع العقوبات المفروضة على ايران التي لا يمكن المقارنة بينها وبين روسيا من حيث الامكانات والقدرات.

 

لذلك، يرى الديبلوماسيون ان العالم وعلى ضوء نيران الحرب الروسية ـ الاوكرانية بدأ يشهد بداية حرب باردة مختلفة كلياً عن سابقتها التي كانت تقوم على عدم التعاون وعدم التواصل بين أربابها ولم يكن هناك خلالها أي عقوبات.

ويلفت الديبلوماسيون الى قول الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي للاوروبيين والاميركيين: انكم اذا لم توقفوا الرئيس الروسي عند حدّه فإنه سيتجاوز اوكرانيا الى الدول الاخرى التي كانت منتمية الى الاتحاد السوفياتي السابق. ذلك انّ حلم بوتين هو اعادة إحياء هذا الاتحاد ولكن تحت اسم الاتحاد الروسي الذي يترأسه حالياً، وقد عبّر صراحة عن هذا الحلم عام 2000 عندما قال: «انّ اكبر مصيبة حصلت في القرن العشرين كانت انحلال الاتحاد السوفياتي». ولذلك يسعى بوتين عملياً الى اعادة احياء هذا الاتحاد، وهذا مصدر قلق الرئيس الاوكراني الذي يدفعه الى القول «اننا اذا لم نوقِف بوتين هنا فإنه سيكمل زحفه في اتجاه بقية الدول السوفياتية السابقة بدءاً بدول البلطيق ليتوانيا واستونيا ودول اوروبا الشرقية وصولاً الى جدار برلين». ويشير الديبلوسيون الى قلق هذه الدول الذي يدفعها في هذه الايام الى حَض الدول الغربية على العمل لوقف الزحف الروسي لأنها تخشى ان تكون هدف بوتين التالي بعد اوكرانيا.

ويبدو انّ هذا الواقع هو الذي جمعَ الاتحاد الاوربي بحماسة كبيرة لأول مرة على فرض عقوبات على الاتحاد الروسي وعلى رئيسه بوتين شخصياً.

غير ان الموقف الذي يتسلّح به بوتين في حربه على اوكرانيا هو انه يريد الحفاظ على الامن القومي الروسي من اي خطر يكون مصدره حلف «الناتو» الذي تسعى اوكرانيا للانضمام اليه، ويرى الرئيس الروسي انّ هذا حق مشروع له في الوقت الذي تخوض الولايات المتحدة الاميركية حروباً هنا وهناك في الشرق الاوسط وعلى مساحة العالم تحت عنوان «الحفاظ على امنها القومي، وبالتالي لا يحق لها ولا لحلفائها منع روسيا او غيرها من الدول من حماية امنها القومي».

على انّ ما يريده بوتين هو ان تكون حدود روسيا عند اوروبا بحيث يستعيد دول اوروبا الشرقية (السوفياتية سابقاً) الى الاتحاد الروسي بصيغة ان تكون على الاقل صديقة غير متحالفة مع الغرب ضمن حلف الناتو وغيره، فسابقاً استعاد بيلاروسيا وكازاخستان والآن يريد استعادة اوكرانيا (السوفياتية سابقاً) كونها أقرب دولة الى روسيا، وهي كانت صديقة له قبل ان تتحول في العام 2014 ضده، ما جَعله يقلق من تصرفات حكومتها الراهنة الساعية الى الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وحلف «الناتو»، ولذلك كانت حربه عليها.