Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر July 9, 2021
A A A
هل يحقّ للحكومة المستقيلة تعيين عضوين بديلين في المجلس الدستوري؟
الكاتب: الدكتور وليد عبلا - النهار

انتخب مجلس النواب في الجلسة التي عقدها بتاريخ 30 حزيران المنصرم القاضي المتقاعد ميشال طرزي عضواً في المجلس الدستوري بدل العضو المتوفى المرحوم أنطوان بريدي. ومعلوم أن المجلس الدستوري يتألف من عشرة أعضاء، خمسة ينتخبهم مجلس النواب وخمسة يعيّنهم مجلس الوزراء (المادة 2 من القانون الرقم 250 تاريخ 14/7/1993- قانون إنشاء المجلس الدستوري). وبذلك يكون مجلس النواب قد حلَّ أزمة المجلس الدستوري الذي فقد ثلاثة من أعضائه فتعطّل عمله موقتاً على اعتبار أن المادة 11 من القانون 250/1993 المذكور أعلاه تفرض لانعقاد المجلس حضور ثمانية أعضاء على الأقل. وإلى ذلك، فإن المادة 21 من القانون ذاته تحدد للمجلس مهلة إلزامية لإصدار قراراته في المراجعات المتعلقة بمراقبة دستورية القوانين وهي خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد المجلس للتداول في الطعن. فإذا لم يصدر القرار ضمن المهلة المذكورة يُعتبر النص موضوع المراجعة مقبولاً (حول الحكمة من نص المادة 21، أنظر كتابي: دراسات في القانون الدستوري اللبناني، منشورات الحلبي الحقوقية، 2018، ص 730). نشير أيضاً إلى أن جميع قرارات المجلس الدستوري تُتخذ بأكثرية سبعة أعضاء على الأقل.
لا شك في أن مجلس النواب بانتخابه عضواً بديلاً أنقذ عمل المجلس الدستوري من الشلل، ولكن لا بد من تعيين عضوين آخرين ليكتمل عدد أعضاء المجلس، إذ يكفي حالياً أن يتخلف عضو واحد عن الحضور فلا ينعقد المجلس، أو أن يخالف عضوان أي قرار فيتعطل صدوره. وهنا يبرز سؤال مهم: هل يحق للحكومة المستقيلة أن تعيّن عضوين بديلين؟
قد يبدو الجواب لوهلة أنه لا يحق لحكومة مستقيلة أن تعيّن عضوين جديدين بدلاً من العضوين اللذين توفيا لأن مثل هذا التعيين لا يدخل في نطاق تصريف الأعمال. لكننا نعتقد، بل نجزم، أنه يحق لها ذلك، ومن واجبها القيام بهذا التعيين، للأسباب الآتية:
1- إن تعيين أعضاء في المجلس الدستوري هو عمل ملحّ وضروري ليكتمل عدد أعضاء المجلس، فلا يكون المجلس مهدداً بالتوقف عن العمل في حال تغيّب أحد الأعضاء الثمانية عن الحضور لأي سبب كان. وما يبرر هذا التعيين – بل يفرضه – هو أنه لا يوجد في الأفق أي مؤشر الى قرب تأليف حكومة جديدة، بل كل الدلائل تشير إلى أن تأليف الحكومة متعثر للأسباب المعروفة.
2- إن مجلس الوزراء ملزم بتعيين العضو البديل خلال شهر من تاريخ أخذ العلم بشغور المركز (المادة 4 من القانون 250/1993)، أي أنه مقيّد بمهلة. وقد حدد المشرّع مهلة لسلطة التعيين لتفادي النقص في عدد أعضاء المجلس منعاً لتعطيل عمله. وعلى افتراض أن مهلة الشهر هي مهلة “حث” وليست مهلة “إلزام”، فالهدف منها لا يتغيّر ألا وهو عدم حصول نقص في عدد الأعضاء قد يؤدي إلى شل عمل المجلس في حال اضطر أحد الأعضاء الى التغيّب.
3- والأهم: ان تعيين أعضاء المجلس الدستوري ليس عملاً إدارياً كي نتساءل عما إذا كان يدخل في نطاق تصريف الأعمال أم لا، بل هو “صلاحية خاصة” أعطيت لمجلس الوزراء (ولمجلس النواب أيضاً) بمقتضى القانون الرقم 250/1993. وهذا القانون صدر بتفويض من المادة 19 من الدستور التي تنص على أن: “تحدد قواعد تنظيم المجلس وأصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته بموجب قانون”. فلا مجال للحديث عن “تصريف أعمال” لأن التعيين عملٌ يفرضه القانون.
4– لا يمكن الزعم أن تعيين أعضاء المجلس الدستوري من قِبل حكومة مستقيلة غير جائز لأنه يلزم الحكومة التي ستخلفها. فأعضاء المجلس مستقلون عن السلطتين الإجرائية والتشريعية، ولا علاقة لهم بسلطة التعيين. وبالتالي، فإن الحكومة التي عليها أن تعيّن العضو البديل عند شغور مركز أحد الأعضاء وضمن المهلة القانونية، هي الحكومة التي تكون موجودة عند حصول الشغور سواء أكانت مستقيلة أم غير مستقيلة. وعليه، على مجلس الوزراء أن يبادر، كسلطة تعيين، إلى إكمال النقص في عدد أعضاء المجلس الدستوري في أسرع وقت ممكن لئلا يكون المجلس مهدداً بالتوقف عن العمل في أي لحظة كما ذكرنا. وهذا التعيين يفرضه مبدآن أقرهما الاجتهاد الإداري والدستوري في فرنسا ولبنان. الأول، هو مبدأ “استمرارية عمل المرفق العام” (قرار المجلس الدستوري الرقم 1/2005 تاريخ 6/8/2005). والمبدأ الثاني، هو أنه لا يحق لأي مؤسسة دستورية أن تعطل عمل مؤسسة دستورية أخرى (القرار ذاته). والمجلس الدستوري هو “هيئة دستورية مستقلة” (المادة الأولى من القانون 250/1993) ومرفق عام مهم لا يجوز تعطيله.