Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر July 23, 2019
A A A
هل يؤسس ارتفاع التوتر في الخليج للمواجهة ام يدفع للتفاوض؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

ربما لم يكن ينقص منطقة الخليج حادث مثل احتجاز إيران ناقلة نفط بريطانية، حتى تتراكم العناصر المسببة للمواجهة العسكرية التي يتوقعها الكثيرون يوما بعد يوم، وفي الوقت الذي لم تنته فيه حتى الان تداعيات إسقاط إيران لطائرة استطلاع أميركية متطورة فوق حدود مياهها الإقليمية في الخليج، جاء احتجاز الحرس الثوري الإيراني للناقلة البريطانية ليزيد من إمكانية هذه المواجهة.

إذن هكذا وبكل بساطة، وبسبب مخالفتها لقواعد الملاحة البحرية، لناحية اتجاه الإبحار المعتمد او لناحية وجوب تشغيل جهاز التتبع والتعريف، اوقفت وحدات الحرس الثوري الإيراني الناقلة البريطانية ستينا امبرو في مضيق هرمز اثناء عملية نقل نفط في الخليج بين ميناء اماراتي وميناء سعودي، واللافت أن الاحتجاز نفذته وحدات كومندوس بطريقة سريعة وصاعقة وعلى مقربة من سفينة عسكرية بريطانية، كان من المفترض ان تحمي إنتقال الناقلات الغربية وخاصة البريطانية منها.
حساسية العملية انها حصلت في توقيت حساس جدا وفي ظل وضع متوتر، تتأرجح فيه خيارات الدول الغربية وخاصة الولايات المتحده الأميركية بهدف حماية أمن الخليج وحرية الملاحة من النفوذ والسيطرة الايرانية ( كما يدعون )، بين عملية عسكرية او نشر منظومة قطع بحرية دولية لفرض الحماية عبر دوريات عسكرية بحرية.

في الحقيقة، بعد هذا الاحتجاز للناقلة البريطانية، لم يعد ممكنا التكهن بما سوف تؤول إليه الأمور في الخليج، وستكون طبعا مفتوحة على كافة الاحتمالات، بين المواجهة من جهة او بين اعتراف جميع الأطراف بالزامية التفاوض، بعد التنازل المدروس والمتبادل عن بعض الشروط، من جهة اخرى، وحيث تتأرجح الامور بين الاتجاهين : مواجهة او تفاوض، لا بد من تقديم دراسة مقتضبة وسريعة عن المعطيات التي تتحكم بكل اتجاه وهي:

لناحية المواجهة العسكرية، اصبح واضحا انها لن تكون محدودة، وسوف تتوسع لتطال اسرائيل حتما وعددا من الدول الخليجية التي يعتبرها محور المقاومة متورطة في العدوان على ايران، والكلام الاخير لامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يؤكد ذلك، وما يمكن ان يحصل من تداعيات كارثية اقليميا ودوليا لتلك المواجهة يرفع من نسبة استبعاد حصولها، دون ان يلغيها.

لناحية التفاوض، على الرغم من حساسية الوضع بعد احتجاز الناقلة البريطانية، يبقى خيار التفاوض ممكنا وواردا وبنسبة معقولة ايضا، والسبب ان الاميركيين ينادون به علنا، وطبعا بشروطهم لذلك لا يتجاوب الإيرانيون معهم حول ذلك، والسبب الآخر ان الأوروبيين يحلمون به ( بالتفاوض ) كونه اولا يقيهم شر الانزعاج الأميركي منهم بسبب عدم انصياعهم لواشنطن في ملف الانسحاب من الاتفاق النووي، وثانيا، طمعا بما يمكن ان يقدمه لهم الاتفاق من فرص وعقود مالية واقتصادية، كانت باساس انحيازهم لهذا الاتفاق.

النقطة الأخرى التي ترفع من منسوب إمكانية اقتناع وذهاب الجميع للتفاوض، هو أن ايران حتى الآن وفي كافة مراحل المواجهة، لم تتجاوز القانون الدولي، وقد نجحت وايضا حتى الآن باجتياز حقل الغام واسع وضعه الاميركيون، من دون أن تعمد الى التعثر او الانزلاق نحو الخطأ الإستراتيجي الذي ممكن ان يؤدي إلى استهدافها عبر مجلس الامن، بدأً من الالتزام بالاتفاق النووي الذي له طابع قانوني دولي، إلى فشل اي طرف إقليمي أو دولي في اثبات مسؤوليتها عن احداث الخليج الاخيرة، في تفجيرات الفجيرة او في استهداف ناقلات النفط بالالغام البحرية، واخيرا ايضا، نجحت في احتجاز ناقلة النفط البريطانية من دون مخالفة القانون الدولي، حيث الاخيرة كانت تعبر بشكل مخالف لقوانين البحار.

انطلاقا من كل ذلك، لناحية استبعاد المواجهة العسكرية، أو لناحية إثبات إيران لعدم إمكانية فرض منظومة حماية دولية في الخليج من دون مشاركتها الأساسية، أو لناحية تراكم الأسباب التي تزيد من امكانية اقتناع اغلبية الأطراف بخيار التفاوض، ربما ينتهي هذا التوتر المتصاعد حاليا في الخليج بالخيار الاخير، والذي ينتظر من احد الأطراف الاساسية فيه، التنازل و فتح ثغرة في جدار الشروط الجامدة.