Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر November 20, 2020
A A A
هل هناك خطّة ممنهجة للإفلاس؟
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

– خلال أقلّ من سنة أنفق مصرف لبنان من دولارات اللبنانيّين قرابة تسعة مليارات دولار تحت عنوان دعم السلع الأساسيّة التي يستهلكها المواطنون من كهرباء ومحروقات ودواء وخبز وغذاء ومنها قرابة مليار دولار للدواء فقط. والمقصود بالدولارات المنفقة هنا المبالغ التي باعها مصرف لبنان للمصارف التجارية بسعر الـ 1500 ليرة للدولار مهما كان سعر السوق التداوليّة المسمّاة بالسوداء، وعمليات البيع تمّت لحساب مودعين وزبائن هم تجار ومستوردو هذه المواد، تحت شعار الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود منهم، والنتيجة التي ظهرت منذ الشهور الأولى لهذا الدعم كانت واضحة، وهي أن العمليّة تستنزف ما لدى مصرف لبنان من دولارات قدّرت قيمتها ب30 مليار دولار منها أكثر من النصف تشكل الاحتياط الإلزامي للمصارف الذي لا يمكن المساس به، وكان الواضح أن كل ما لدى مصرف لبنان معرّض للنفاد خلال أقل من سنة ونصف، وبالتوازي كان واضحاً أن الأسعار المتداولة للسلع المدعومة تراوحت بين نجاح في فصل التسعير عن سوق صرف الدولار في قطاعات كالمحروقات والخبز والدواء، ولكن المستفيد كان المستحق وغير المستحق، وبين المستفيدين تجار التهريب، بينما لم يثبت تسعير السلع الغذائيّة وخضع مباشرة لتسعير دولار السوق، وحرم المواطن من أي فائدة عملية تذكر من الدعم المزعوم، وتوزّعت عائداته بين التجار والموزعين والمستوردين والمصارف.
– خلال الشهور الماضية لتطبيق فلسفة الدعم وآلياتها، بدا واضحاً أيضاً أن البديل الوحيد الذي يبشر به أصحاب الفلسفة هو وقف الدعم وترك السوق واللبنانيين تتوزّع بين خياري فقدان سلع وخدمات كالكهرباء والمحروقات والدواء أو تأمين الدولارات اللازمة للاستيراد من الطلب في السوق ما يعني ارتفاع الدولار إلى ارقام خيالية، وبالتالي تسعير السلع والخدمات على هذا السعر للدولار، ومنذ بداية ظهور النتائج الكارثيّة لفلسفة الدعم المعروفة النهايات باستنزاف الموجودات بالعملة الصعبة من جهة، ودفع لبنان نحو الانفجار من جهة مقابلة خلال فترة قصيرة، أصمّ أصحاب الفلسفة آذانهم عن كل سؤال حول سبب اعتماد فلسفتهم، التي تعجز عن مجاراتها دول غنيّة ومقتدرة، بينما هناك أساليب وآليات للدعم تسهم بحفظ الموجودات لتكفي خطط الدعم لسنوات، بدلاً من شهور، وتضمن وصول الدعم لأصحابه ومستحقيه، فهل كانت فلسفة الدعم مستنسخة عن فلسفة الدين بلا حدود لإيصالنا إلى هذه الهاوية، وفرض شروط تفاوض سياسية يكون لبنان فيها على حافة السقوط الكبير؟
– المعنيون بالدعم يعرفون أن نسبة المستحقين للدعم إذا حصرت بها عمليّة التمويل، ستخفض الكلفة من جهة، وتخفض فاتورة الاستيراد من جهة أخرى، وهذا هو الترشيد، لكنهم يتذرعون باستحالة معرفة هؤلاء بغياب الإحصاءات، والتجربة الفاشلة لتوزيع المساعدة المالية التي تم إقرارُها للفئات الأشدّ فقراً، في الشهور الأولى للإقفال الناجم عن تفشي وباء كورونا، لذلك سألنا المعنيين ونسألهم هنا، كم يحتاج الأمر من وقت وكلفة لإعداد برنامج للمستفيدين يستند إلى معايير سهلة ومبسطة، تقول إن كل مواطن لا تزيد فاتورة الكهرباء عنده عن مئة الف ليرة خلال شهور ماضية، ولا تزيد فاتورة هاتفه الخلوي عن القيمة ذاتها شهرياً، وليس لديه خادمة أجنبية، ولا يملك أكثر من سيارة، هو مستهدف بالدعم عليه أن يتقدّم بطلب ملء إستمارة مخصصة للمستفيدين لدى مختار محلته، يضمنه اسم محطة محروقات يريد اعتمادها وسوبر ماركت وصيدلية، وتستصدر له بطاقة يقوم بموجبها بشراء المواد المدعومة، مقابل بيع الدولار المخصص للاستيراد للمواد المدعومة بسعر المصارف أي 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة، وتسعيرها للسوق على هذا الأساس باستثناء حاملي بطاقة المستفيدين من الدعم، الذين يحصلون على المواد المدعومة من العناوين التي قاموا باختيارها لتجار ومحطات بنزين وصيدليات تسدد في حساباتهم فوارق الدعم عن المستفيدين لقاء جداول موقعة من المستفيد شهرياً، مع تحديد السقوف التي يتمّ تحديدها لعملية الدعم في كل باب، بحيث لا تتعدّى كلفة المواد المدعومة المليون ليرة شهرياً عن المستفيد الذي يشكل الدعم قرابة نصفها.
– تطبيق الترشيد كان ممكناً ولا يزال، ويترتب عليه وقف التهريب علمياً، بسبب تضييق الفوارق بين السعر غير المدعوم للسلع، والأسعار التي يراهن عليها المستفيدون من التهريب، كما انها تخفض فاتورة الاستيراد لارتفاع كلفة الحصول على السلع من غير المستفيدين من الدعم، وتتيح الرقابة على المواد المستوردة ومطابقاتها لأرقام المبالغ المشتراة للدولارات عن طريق مصرف لبنان، حيث ليس هناك ما يؤكد اليوم بأن المصارف والتجار لا يتقاسمون جزءاً كبيراً من هذه المبالغ لغير أغراض الاستيراد ويتمّ عبرها تحويل أموال مودعين للخارج، كما يتم تمويل استيراد لبضائع لا تصل الى لبنان، وفقاً لكثير من الاتهامات المتداولة، والتي لا ينفيها الا وجود رقابة غير موجودة على مطابقة المستوردات وتوزيعها في السوق مع أرقام المبالغ المشتراة لهذا الغرض.
– السؤال لا يزال مطروحاً، هل هناك خطة إفلاس ممنهجة للبلد؟