Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 14, 2017
A A A
هل نَحن أمام صُعودٍ جديدٍ لتنظيم “القاعدة” بقِيادةٍ جديدة؟
الكاتب: رأي اليوم

ماذا يَعني ظُهور حمزة بن لادن على “السّاحةِ الجِهاديّة” في هذا التّوقيت؟ هل نَحن أمام صُعودٍ جديدٍ لتنظيم “القاعدة” بقِيادةٍ جديدة؟ ولماذا اختار اعتراف ترامب بيَهوديّة القُدس المُحتلّة كأرضيّةٍ للهُجوم على الأُسرةِ الحاكمة في السعوديّة؟
*

أن يَظهر حمزة بن لادن نجل الشيخ أسامة بن لادن زعيم تنظيم “القاعدة” في شريطٍ مُصوّر بثّته مُؤسّسة “السّحاب” وينتقد فيه المملكة العربيّة السعوديّة وتَحالفِها مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، ويُطالب بإطاحة أُسرتها الحاكمة، فإنّ هذا الظّهور، وتَوقيتِه يُثير العَديد من علاماتِ الاستفهام، ويَطرح العَديد من الأسئلة حول الدّوافع والنّتائج والتطوّرات المُستقبليّة.

هُناك تَشابه في الظّروف والمَناخات السياسيّة التي بَدأ فيها حمزة بن لادن في البُروز على السّاحة السياسيّة والجِهاديّة، وتِلك التي بَرز فيها والده بَعد غزو الكويت عام 1990، ومُغادرته إلى الخُرطوم بعد “تحايله” على حُكومة بِلاده، التي وضعته تحت الإقامةِ الجبريّة، ومَنعته من السّفر، وبَدأ تجميع “المُجاهدين العَرب” في مَزارعه وشَركات مُقاولاته، تمهيدًا لتأسيسِ التّنظيم، الذي عُرف بعد ذلك باسم تنظيم “القاعدة”.

بن لادن الأب، بَدأ عَمله السياسيّ الجديد انطلاقًا من الخَرطوم بعد انتهاء دوره في “الجِهاد الأفغاني” بانسحاب القوّات السوفييتيّة مَهزومةً في نِهاية الثمانينات من القَرن الماضي، من خلالِ تَشكيل “هيئة النّصيحة”، وإصدارِ بياناتٍ باسمها تنتقد المملكة العربيّة السعوديّة واستعانتها بقوّاتٍ أميركيّة بَقيت على أرضِها بعد تحرير الكويت، واستفحالِ الفساد فيها، ونَجح من خلال هذهِ الخُطوة في استقطاب عددٍ من الدّعاة الشبّان الجُدد الذين عُرفوا باسم “نُجوم الصّحوة”، وكان من بينهم سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعوض القرني، والقائمة تطول، وأعلن بعضهم تأييده لتحرّك بن لادن الجديد وأُطروحاتِه، بينما فَضّل البعض الآخر التّعاطف عن بُعد.

الشاب حمزة بن لادن كان الأقرب إلى والده وفِكره بين أولاده الآخرين، وكان يُلازمه في الكَثير من جَولاتِه وتَحرّكاته، واختياره السّير على الطّريق نفسه يُؤكّد تأثّره بالعقيدة الأيديولوجيّة التي يتبنّاها والده والمَنضويين تحت مِظلّة تنظيم “القاعدة”، وتَمثيله، وربّما قيادته، للجيل الثّاني الذي من المُعتقد أنّه قد يكون الأكثر خُطورةً وتَطرّفًا في تنفيذ هجماتٍ إرهابيّة، سواء في داخل المملكة أو في عواصم غَربيّة.

لا نَعتقد أن تزامن صُعود نجم حمزة بن لادن، وظُهوره مُجدّدًا على السّاحة خليفةً مُحتمل لوالدِه، مع تداول تسجيل للدكتور أيمن الظواهري، زعيم تنظيم “القاعدة” يَفُك فيه “البَيعة” مع جبهة “النصرة” وزَعيمِها أبو محمد الجولاني، وخسارة تنظيم “الدولة الإسلاميّة” لآخر مَواقِفها في سورية والعراق، كان من قبيل الصّدفة، فهُناك ترابطٌ واضح بين هذهِ الظّواهر الثّلاث.

هزيمة “الدولة الإسلاميّة” في سورية والعراق وانهيار “الخِلافة” التي أعلنها قائدها أبو بكر البغدادي من مِنبر الجامع النوري الكبير في المُوصل قبل ثلاثة أعوام، ولو مُؤقّتًا، وانكماش جبهة النصرة، وتَراجع حَجم قوّتها في سورية، وحُدوث انشقاقاتٍ مُتعدّدةٍ في وَسطها، ربّما خَلق فراغًا اعتقد حمزة بن لادن وشيخه أيمن الظواهري، أن تنظيم “القاعدة” بقِيادته الشابّة الجديدة قادرٌ على مَلئِه، خاصّةً أن وجوده ما زال قويًّا في عِدّة بُلدانٍ مثل اليمن، وأفغانستان وباكستان والقوقاز، ومِنطقة السّاحل الأفريقي، إلى جانب العِراق والجزيرة العَربيّة.

المُقارنة بين بن لادن الأب وبن لادن الإبن على صَعيد “الكاريزما” والإمكانيّات الماديّة، وشبكة العلاقات التنظيميّة ليست في مَحلّها، لكن هُناك نُقطةٌ مُهمّة لا يَجب تَجاهلها، وهي وجود أكثر من خمس دول فاشلة في الشّرق الأوسط والعالم الإسلامي، ممكن أن تُشكّل حواضن دافئة لتنظيم “القاعدة” في مَرحلة نُشوئه الثانية المُفترضة، واتساع دائرة الإحباط والغَضب في أوساطِ شَريحةٍ من الشبّان المُسلمين نتيجة الهزائم المُتناسلة على أيدي إسرائيل والغَرب، وتَسارع تَطبيع حُكومات عربيّة وإسلاميّة معها.

ما يُميّز تنظيم “القاعدة” عن “شَقيقه” “الدولة الإسلاميّة” هو أن الأوّل لم يَكن مُتطرّفًا طائفيًّا ولم يُعلن العَداء للشيعة ورسالة الدكتور الظواهري التي انتقد فيها أبو مصعب الزرقاوي ومُمارساتِه ضِد الشّيعة في العِراق، ربّما تُؤكّد هذهِ الحَقيقة.

لا نَعرف طبيعة الفِكر الأيديولوجي الذي يَتبنّاه حمزة بن لادن، وهل هو مُتطابقٌ مع فِكر والده وقناعاتِه، أم جرى إدخال بعض المفاهيم والتفسيرات والتوجّهات الجديدة عليه، وخاصّةً فيما يتعلّق بالمَسألة الطائفيّة، ومَدى استعداده، أي حمزة بن لادن، للتّنسيق والتعاون، باعتباره يُمثّل “القاعدة الأُم” مع تنظيم “الدولة الإسلاميّة” الفِرع الأقوى، وجبهة “النصرة” وتنظيماتٍ إسلاميّةٍ أُخرى، خاصّةً أن هُناك مُؤشّرات تُؤكّد أن تنظيم “الدّولة” لن يَختفي كُليًّا، وسَيعود للعَمل السّري تحت الأرض، واتّباع نَهج الهَجمات الإرهابيّة للانتقام من خُصومِه والقوّة الإقليميّة العُظمى التي تَكتّلت للإطاحةِ بدَولتِه.

الأمر المُؤكّد أن حمزة بن لادن، الذي تُرجّح مُعظم التقارير الإخباريّة وجوده في أفغانستان، سَيكون مِثل والده، هَدفًا للاغتيال من قِبل أجهزة الاستخبارات الغربيّة والأمريكيّة خاصّة، وفي أسرعِ فُرصةٍ مُمكنةٍ حتى لا يُعيد تجميع التّنظيم وقُدراتِه العملاتيّة تحت قِيادته.

استخدام بن لادن الابن وَرقة الاعتراف الأمريكي بتَهويد القُدس، ومُحاولة تَوظيف حالة الغضب العارمة التي تجتاح العالم الإسلامي ضِد أميركا بِسَببها، واتّهام المملكة العربيّة السعوديّة أرض الحَرمين بعدم اتّخاذ مَواقف قويّة، حَسب رأيه، للتصدّي لهذهِ الطّعنة الأمريكيّة، تُوحي بأنّ ظُهوره مُجدّدًا عَملٌ مَدروس، وأن هُناك آلة سياسيّة وإعلاميّة تَقف خَلفه، وأن الرّسالة التي يُريد تَوجيهها تَقول بأنّ القضيّة الفِلسطينيّة قد تَكون على قِمّة اهتمامات التّنظيم في المَرحلةِ المُقبلة..