Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 11, 2017
A A A
هل نحن في عهد التناسي والتغاضي عن المستقبل؟
الكاتب: مروان اسكندر - النهار

اجتمع مهنيون بالرئيس ميشال عون وهم يؤكدون ان الرئيس ملم بالمشاكل القائمة ويدرس الحلول الناجعة لها وانه يسعى جهده للتوصل مع اعضاء الحكومة الى القرارات المفيدة سواء على صعيد تطبيق السياسات أو اختيار المسؤولين الرئيسيين عن مهمات ملحة.

حتى تاريخه انقضى 14 في المئة من فترة رئاسة ميشال عون أي تسعة أشهر وأسبوع من أصل 72 شهرًا هي فترة الرئاسة الكاملة لست سنوات، ولم نشهد حتى تاريخه تطوراً واضحاً نحو التحسن إن على صعيد المشاريع الحيوية أو التنظيمات الادارية.

– مشكلة التلوث لا تزال ملحة وخصوصاً في الطقس الخانق. فمياه الانهار ملوثة، كذلك مياه البحر، والهواء يعبق بالعوامل المضرة، ومشكلة النفايات التي عايشناها منذ 30 شهرًا لا تزال تواجهنا من غير ان نشهد حلولاً جذرية وعسى ان نشهد ذلك في وقت قريب.

– التحسين في الادارة المالية للقطاع العام لا يزال بعيد المنال. فمشكلة الكهرباء التي تسهم بـ50 في المئة من عجز الموازنة لا تزال قائمة، ووعود البنك الدولي بتأمين 1.2 مليار دولار للمشاريع الانشائية في لبنان سنويًا، معلقة على معالجة مشاكل الكهرباء المزمنة، وقد اقترح البنك الدولي برنامجًا منذ 1999 ولقي استجابة من الصناديق العربية، لكن المعاندة في الاستعانة بالتمويل من الصناديق العربية كانت من المسؤولين اللبنانيين الذين اعتبروا، ويبدو أنهم لا يزالون يعتبرون، ان موارد الدين وتزايد الدين العام هي السبيل الافضل. وهذا المنهج يخالف منطلقات البنك الدولي الذي لن يتحرك المسؤولون فيه لمساعدة لبنان، قبل ان يساعد نفسه بانتقاء الخيارات الاقل كلفة والاوسع منفعة. وهذه تتجلى في اعتماد استيراد الغاز لقيماً لمعامل انتاج الكهرباء في الشمال والزهراني وانجاز معمل الكهرباء المتعاقد عليه بطاقة 500 ميغاوات والذي عرضت الصين تمويله وتشغيله، وتوفير انتاج الكهرباء بكلفة تساوي 30 في المئة من الكلفة المتعاقد عليها على امدادات كهرباء من سوريا.

– الدين العام مرتفع الى مستوى يتهدد امكانات النمو ومستويات التصنيف الدولي للبنان كدولة مقترضة. لكن الدين العام لا يبلغ 120 مليار دولار بل هو أقرب الى 80 ملياراً، وهذا رقم مرتفع. والاشارة الى دين عام على مستوى 120 مليار دولار استندت الى ضم ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، الى لائحة الدين العام، وهذا التوجه في أحسن الاحوال بعيد عن الصحة والعلم، والقصد منه تحميل مصرف لبنان مسؤولية الدين العام. والمسؤولية في المقام الاول لدى وزارة المالية، ومجلس النواب، وديوان المحاسبة الخ. فحسابات القطاع العام خاضعة لشروط وتنظيمات ليس منها على الاطلاق رمي حزمة الدين العام على المصرف المركزي، وعلى المسؤولين اذا ارادوا بالفعل معالجة الوضع في لبنان ان يخفضوا أولاً النفقات العامة ويخصصوا النفقات الانشائية بالمشاريع المفيدة.

لبنان اليوم يعاني اغفال تكريس الجهود لتحليل منافع الانفاق العام، وكأننا في الحكم على سطح نهر جارف يبحر فينا الى المحيط أو البحر فنذوب في المياه التي لا حدود لها ونترك اللبناني يعاني ندرة التجهيزات البنيوية، واغتصاب حريات التعبير.

الوضع في لبنان فقد جاذبيته للمواطنين. فالمبادرات حتى تاريخه لم تظهر اهتمامًا بشؤون معيشة اللبنانيين وصحتهم. صندوق الضمان الإجتماعي الذي تأسس عام 1964 في عهد الرئيس فؤاد شهاب للاعتناء بطبقة العمال، اصبح بالفعل عاجزًا عن تأمين تعويضات نهاية الخدمة لغالبية المضمونين. ولم يتمكن هذا الصندوق حتى تاريخه من تبني مشروع ضمان صحي لغير المضمونين من المسنين والفقراء، وأموال ضمان نهاية الخدمة في الصندوق انفق منها جزء غير بسيط على حاجات الضمان الصحي، ولدى استحقاق القسم الاكبر من ضمانات نهاية الخدمة لن تكون الاموال متوافرة، وهذا ما بيّنه عضو في مجلس ادارة صندوق الضمان الاجتماعي بوضوح.

المدير العام بادر الى مباحثة فريق في اتخاذ اجراءات اصلاحية تكفل استمرار خدمات الضمان وتوسيعها، لكن انجاز البرنامج يستوجب سبع سنوات، هذا اذا انتهى، والصندوق قائم منذ عام 1964، وبعد 53 سنة على تأسيسه يشكو من شبه الافلاس، فكيف يمكن الاقتناع بالمناهج الجديدة؟

البلد لم يواجه منذ تاريخ استقلاله، نظريًا عام 1943، أي منذ 74 سنة أوضاعًا سيئة على المستوى الذي نشهده اليوم، وذلك سواء في ما يخص:

– امدادات المياه النظيفة.

– توافر الكهرباء دون انقطاع وبتكاليف معقولة.

– نظافة البيئة من التلوث الذي بات يصيب جميع المواطنين.

– تلوث المياه الجارية ومياه البحر، بحيث يصيب تلوث المياه الجارية صحة المواطنين بأضرار، وتلوث مياه البحر يضر بصحة السياح، ويبعد هؤلاء عن لبنان كما من يمارس السباحة في البحر من اللبنانيين.

– كثافة السير التي تسهم في التلوث الى حد كبير، تتآكل من أوقات عمل المواطنين من الطبقة العاملة أو تلاميذ المدارس وراحتهم ساعتين يومياً. بكلام آخر، كل يوم يهدر 1,3 مليون لبناني، ساعتين على الطرق أو في الباصات، ولو احتسبنا فقط الكلفة على البالغين القاصدين أعمالهم، توازي الخسارة مليوني ساعة عمل يوميًا، وأكثر من ربع مليون صفيحة بنزين تنفق خسارة بسبب كثافة السير، فتكون الخسارة موازية – على افتراض ان تعويض ساعة العمل يساوي أربعة دولارات فقط – أربعة ملايين دولار للمواطنين العاديين، يضاف اليها مليون ونصف مليون دولار استهلاك اضافي غير ضروري لولا زحمة السير، فتكون الخسارة اليومية 5,5 ملايين دولار، أي ما يوازي ملياري دولار سنويًا، ويفوق كلفة سلسلة الرتب والرواتب، وهذه الخسارة مستمرة يوماً بعد يوم.

لبنان اليوم فاشل في رعاية صحة ابنائه، ومداخيلهم، وتوقعات المستقبل، فهل نشهد تحكيماً للعقل والضمير ومسعى حقيقياً للتحسين؟