Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر July 23, 2025
A A A
هل من شروط إسرائيلية لاحترام السيادة؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

يستطيع مَن يدعو لنزع سلاح المقاومة أن يقول ما يشاء عن أسبابه ورؤيته لمفهوم بناء الدولة والسلاح الواحد، فهذا حقه في حريّة التعبير والمعتقد، لكن أن يناقش باعتبار نزع السلاح طريقاً لضمان وقف الاعتداءات الإسرائيلية واحترام إسرائيل لسيادة لبنان، فذلك أمر لا يملك فيه حق الحديث المنفرد، وعليه أن يقبل إخضاع منطقه للفحص، لأن ذلك يلزمه بالإجابة عن سؤال من أين جاء بالشروط الإسرائيلية لاحترام سيادة الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، وقادتها لا يستطيعون تحمّل مصر التي ترتبط مع كيان الاحتلال بمعاهدة سلام لم تخل بها منذ توقيعها قبل قرابة نصف قرن، ولا ينفكّون يتحدّثون عن الأردن كوطن بديل للفلسطينيين يريدون تهجيرهم إليه، رغم أن الأردن ملتزم بمعاهدة سلام مع كيان الاحتلال قام بقمع تظاهرات شعبه التي طوّقت سفارة الكيان، وساهم بالتصدّي للصواريخ الإيرانية والعراقية واليمنية التي استهدفت الكيان.

ثلاث ساحات تعني “إسرائيل” لا تربطها اتفاقات سلام معها، هي سورية ولبنان وفلسطين، فهل يمكن استخلاص معايير وشروط إسرائيلية لاحترام سيادة الدول، خصوصاً أن الخداع البائن في تطبيق اتفاقات أوسلو واستخدامها غطاء لتمرير الاستيطان في الضفة ثم الانقلاب عليها واستخدام أجهزة أمن السلطة كمجرد أدوات لدى الأجهزة الإسرائيلية دون أي تقدم في الملفات السياسية، بل مجاهرة قادة الكيان بتصديق قانون يمنع قيام دولة فلسطينية ويعتبرها تهديداً وجودياً للكيان، واعتبار السلطة الفلسطينية دون مستوى الثقة، وبما أن البعض يجد لـ”إسرائيل” أعذاراً وتبريرات في الملف الفلسطيني باعتبار صلته المباشرة بالجغرافيا التي يقوم عليها الكيان، يصبح التساؤل هل وضع الضفة الغربيّة هو الخصوصيّة ام النموذج القابل للتعميم بنظر “إسرائيل”؟

ما تقدّمه التجربة السورية في هذا المجال ربما يكون استثنائياً في قيمته، لأنه يتيح الحصول على أجوبة غير قابلة للتأويل ولا تحتمل الالتباسات التي قد يحملها حال لبنان أو فلسطين، حيث الحكم الجديد في سورية لا يشبه بشيء حركة حماس وحزب الله المغضوب عليهما عربياً وأميركيا، فهذا النظام في الشام يحظى بالدعم والرعاية عربياً وأميركياً، ويكفي مشهد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس النظام الجديد في سورية أحمد الشرع، الذي أعلن ترامب بعده رفع العقوبات عن سورية تلبية لطلب ولي العهد السعودي، لمعرفة حجم ونوع الرعاية التي يحظى بها نظام الشرع.

نظام الشرع قدّم لـ”إسرائيل” كل ما يمكن توصيفه بطلبات وضمانات الأمن الإسرائيلي، ولم يرفع صوته طلباً لاستعادة الجولان السوري المحتل، وقام بتحقيق أحلام إسرائيلية بإخراج حزب الله وإيران من سورية، وفتح أجواء سورية للطيران الإسرائيلي خلال الحرب على إيران، والتزم بمنع أي عمل عدائيّ لـ”إسرائيل” من الأرض السورية وقام بتفكيك بنية التنظيمات الفلسطينية في سورية، ومنع أيّ عمل تضامني مع غزة، وعبر عن رغبة بالتعاون مع “إسرائيل” أمنياً، ولم يرفع اعتراضه على توغلات جيش الاحتلال في الأراضي السورية الى مرتبة النزاع القانوني والدبلوماسي المفتوح، ولا يسمح بحركات شعبية احتجاجية أو مقاومة لهذه التوغلات، وأتاح لجيش الاحتلال كل منشآت الجيش السوريّ لتدمير كامل مقدراته النوعية التي كانت تشغل بال “إسرائيل” وتقلق أمنها.

عندما أراد هذا النظام إرسال وحدات عسكرية الى منطقة السويداء كتعبير عن ممارسة شكليّة للسيادة قياساً بالموقف من الاحتلال، تعرّضت هذه الوحدات للقصف الإسرائيلي، ولم تتورّع “إسرائيل” رغم الدعم الأميركي لنظام الشرع، عن قصف مقار سيادية حساسة مثل المقر الرئاسي ومقر وزارة الدفاع، وهذا يعني أن شروط “إسرائيل” في التعامل مع سيادة الدول المجاورة يقوم على مبدأ واحد هو دعوة هذه الدول للتنازل عن هذه السيادة، وقبول معاملتها كما تعامل الضفة الغربية، شرطة بدلاً من الجيش ولو تمّت تسمية الشرطة بالجيش، فممنوع امتلاك أي أسلحة تمتلكها الجيوش الطبيعيّة مثل الدفاع الجوي والطائرات والسفن الحربية والصواريخ، التي كانت سورية تمتلكها أصلاً، وأن تتقبل أن السماء تحت السيادة الإسرائيلية المطلقة، وأن الأرض تقسم جغرافياً كما الضفة الغربية إلى مناطق أ وب وج، مناطق محتلة لا نقاش حولها، ومناطق أمنيّة لا وجود عسكري فيها للدولة، تدخلها “إسرائيل” وتخرج منها كما تشاء ومتى تشاء، ومناطق سيطرة الدولة تطبق عليها آليات التنسيق الأمني، حيث تلاحق أجهزة الدولة من ترغب “إسرائيل” بملاحقته، دون ان تتنازل “إسرائيل” عن صلاحية القيام بضربات استباقية لكل ما تعتبره تهديداً محتملاً.

يستطيع اللبناني الذي يدعو لنزع سلاح حزب الله أن يقول ما يشاء عنه، لكنه لا يستطيع أن يقول إن ذلك يجعل احترام “إسرائيل” لمفهوم سيادة الدولة اللبنانية أقرب، لأنه بمعزل عن سلاح حزب الله فإن مفهوم “إسرائيل” للأمن يعني أن الأجواء اللبنانية يجب أن تبقى متاحة لطيران جيش الاحتلال، وأن شريطاً تسيطر عليه قوات الاحتلال غير قابل للتفاوض، وأن منطقة بحجم جنوب الليطاني لا ترى “إسرائيل” مبرراً لبقاء الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل فيها، وأن لها صلاحية الدخول والخروج منها كما تشاء ومتى تشاء، وأنه في عمق لبنان فإن ما هو قائم الآن تحت عنوان ملاحقة حزب الله سوف يستمرّ تحت عنوان ملاحقة أي تهديد محتمل، ولـ”إسرائيل” وحدها الحق بتقدير ماهية التهديد المحتمل، وليس لأحد أن يسألها.

أميركا الديمقراطية والجمهورية تحبّ السلطة الفلسطينية وحكم سورية وحكم لبنان، وتحب أن ترى “إسرائيل” تشاركها هذا الحب وأن تحترم “إسرائيل” حفظ ماء وجه حكومات لبنان وفلسطين وسورية، لكن أميركا الديمقراطية والجمهورية تعتذر سلفاً عن أي طلب للضغط على “إسرائيل” لاحترام سيادة هذه الحكومات، وتنصح بتلبية طلبات “إسرائيل” كترجمة لمفهوم التهدئة.