Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 9, 2020
A A A
هل للترسيم علاقة بمزارع شبعا… وماذا يقول فيلتمان؟
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

مع الإعلان عن اتفاق إطار التفاوض لترسيم الحدود قفزت الى الواجهة قضية مزارع شبعا المحتلة من مصدرين لا يبدوان على اطلاع بالملف رغم مواقعهما العالية في السياسة والإعلام، المصدر الأول هو من مناوئين للمقاومة واستطراداً لعلاقتها بسورية، طرح فوراً قضية مزارع شبعا داعياً لتسريع ترسيم حدودها مع سورية كي يتسنى استرجاعها ضمن أطر التفاوض الحدودي المقبل. والمصدر الثاني من مناصرين للمقاومة أبدى خشيته من فخ في التفاوض فلم يجد الا القلق من أن يتم الانسحاب من مزارع شبعا لإخراج المقاومة وطرح مصير سلاحها بناء على ذلك. وبالرغم من أن المطالبين بالترسيم مع سورية يدركون أن القرار الإسرائيلي بالانسحاب منها أكبر من مجرد القناعة بكونها لبنانية لأن الحسابات الإسرائيلية للبقاء في المزارع استراتيجية وعسكرية، كما يدرك القلقون على مستقبل السلاح من الانسحاب أن له مهام ووظائف لا ينهيها الانسحاب بل يؤكدها طالما أن الانسحاب ما كان ليتم لولا هذا السلاح؛ يبدو أن نقاش النظريتين حول فرضيات علاقة مفاوضات الترسيم بمزارع شبعا باتت ضرورية.
القضية التي يتجاهلها او يجهلها الفريقان، هي أن رفض الأمم المتحدة الأخذ بالوثائق والخرائط اللبنانية التي تثبت لبنانية المزارع، لضمها إلى ولاية القرار 425 الذي ينص على انسحاب الفوات الإسرائيلية من كامل الأراضي اللبنانية حتى الحدود الدولية للبنان، لم يقم على تشكيك أممي بلبنانية المزارع، ولا بعدم تعاون سورية مع لبنان في تقديم الإثباتات اللازمة للبنانية المزارع، والموقف الإسرائيلي الرافض للانسحاب من المزارع كان مشابهاً للموقف الأممي ان لم يكن سبباً له. فالرفض الأممي والإسرائيلي ينطلقان من معادلة مختلفة، هي ربط مصير مزارع شبعا التي احتلت عام 1967 مع احتلال الجولان السوري بولاية القرار الأممي 242 ووقوعها تحت مهام الأندوف الذي يشكل قوة المراقبين الأمميين لفك الاشتباك في الجولان، وليس القرار 425 الذي صدر عام 1978، ولا ضمن مهام قوة اليونيفيل التي تشرف على تطبيقه في جنوب لبنان، ولذلك فإن كل المراسلات الأممية والإسرائيلية متطابقة لجهة أن ملف الانسحاب من مزارع شبعا المحتلة لن يفتح إلا مع البحث بتطبيق القرار 242 وعندها سيكون للوثائق اللبنانية والتأكيدات السورية عليها معنى ودور في تسهيل استعادتها من قبل لبنان.
الموقف الإسرائيلي لم يخض أي جدال حول لبنانية المزارع والتشكيك بوثائق وخرائط قدّمها لبنان مدعومة بتأييد سوري، بل كان ينطلق دائماً من ربط مصير المزارع بمصير القرار 242، وفي خلفية الموقف حسابات عسكرية استراتيجية تجعل الانسحاب من المزارع من الزاوية العسكرية إضعافا للانتشار العسكري في الجولان، وإخلالاً بتوازنات القوة العسكرية، حيث الترابط الجغرافي بين الجولان والمزارع، يجعل احتلالها ضرورة عسكرية لتثبيت احتلال الجولان، والانسحاب منها خلخلة للقدرة العسكرية على الاحتفاظ بالجولان، أما في الاعتبار الاستراتيجي وهو الأهم، فإن الإسرائيلي عندما ينسحب من المزارع يسلم بأن تطبيق القرار 242 قد فتح من بابه الواسع، فنص القرار واضح لجهة الدعوة للانسحاب من الأراضي التي تم احتلالها إلى خلف خط الرابع من حزيران عام 67، والمزارع تقع ضمن هذه الأراضي، وكل الوثائق الإسرائيلية في المراسلات الأممية تؤكد هذا المنطلق الإسرائيلي، ما يحول دون أي تراجع قانوني، عن الترابط بين المزارع والجولان، ولذلك سورية التي أيدت وثائق لبنان للمطالبة بالمزارع كانت تقوم بما تستدعيه علاقات الأخوة، خصوصاً أن ترسيم الحدود في المزارع خلافاً لما يعتقده الكثيرون خطأ هو ترسيم قائم وخرائطه موثقة لبنانياً وسورياً، ونقاط تحديده على الأرض قائمة قبل وقوع الاحتلال، وسورية تعرف انها مستفيد رئيسي من الانسحاب الإسرائيلي من المزارع لأنه يفتح الباب واسعاً لطرح القرار 242 على الطاولة، ويضع الإسرائيلي في وضع حرج، بالنسبة للجولان، ويذهب بعض المحللين الإسرائيليين للقول إن الانسحاب الإسرائيلي من المزارع مطلب سوري لإسقاط قرارات ضمّ الجولان وفتح باب إحياء القرار 242.
الكلام الصادر عن الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان خلال حوار مع قناة الحرة الأميركية حول مفاوضات لا ترسيم له قيمة استثنائية، لأن فيلتمان الذي كان سفيراً أميركياً في لبنان خلال طرح قضية المزارع غداة التحرير عام 2000، وأصبح معاوناً للأمين العام للأمم المتحدة، تابع الملف من زواياه المختلفة، ولذلك فهو يجيب عن مصير المزارع من جهة، وعن سياق التفاوض وموازين القوى المحيطة به من جهة أخرى، فيقول «المزارع احتلت عام 1967 وعندما احتلت «إسرائيل» هضبة الجولان فقد شملت هذه المنطقة مزارع شبعا واللبنانيون لم يثيروا مسألة احتلال المزارع في الأمم المتحدة أو غيرها، إلا بعد وقت طويل جداً بعد عام 2000، على إثر انسحاب الإسرائيليين، وهي ليست جزءاً من الخط الأزرق بعد عام 1967 بين لبنان و»إسرائيل»، إنها جزء من الخطوط السورية الإسرائيلية، وأتساءل ما إذا كان حزب الله يتطلع إلى أن يحتفظ بكعكته ويأكلها في الوقت نفسه، كما يقال باللغة الإنجليزية. يعني أن يسمح بحل قضية الحدود البحرية من خلال اتفاق الإطار الذي رعاه الأميركيون، فيمكن للبنان أن يستفيد من احتياطات الغاز وربما يحل أيضاً الخلافات البرية بعد عام 1967، إذ هناك فقط 13 نقطة أحد الأطراف لديه تحفظات عليها، وقد يكون ممكناً حل هذه المسائل الحدودية، ولكن هذا لا يحل مسألة مزارع شبعا. ما يبقي لحزب الله عذر وحجة للحفاظ على ترسانته التي تشكل خطراً على لبنان».
قلق فيلتمان يفسّر قلق جماعته في لبنان ويطمئننا، ولعله لم يرد أن يقلها بالفم الملآن، لكنها تسربت بين شفاهه، أن المقاومة رابح رابح في هذا التفاوض، فهي أسقطت معادلة لا تفاوض ولا حلول في ظل السلاح، وفتحت باب حلول مالية واعدة للبنان، كما يقول فيلتمان، ونعلم ويعلم فيلتمان أن السلاح الحاضر في خلفية التفاوض سيفرض ربط أي استثمار إسرائيلي للثروات البحرية برضا المقاومة، اي بحصول لبنان على حقوقه، ووضعت «إسرائيل» في مأزق الانسحاب من مزارع شبعا وليس المقاومة، التي يحزن فيلتمان ومعه جماعته لأن السلاح باق ويتمدّد.