Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 7, 2022
A A A
هل لا تزال القهوة تحسن مزاج اللبنانيين بعد تحليق أسعارها؟
الكاتب: مارينا عندس - الديار

وكأنّ المواطن اللّبناني لم يكتفِ من مصائبه واكتئابه وحزنه بسبب الأوضاع الاقتصاديّة والأمنيّة المُرّة التي يعيشها يوميًا، ليُحرم حتّى من شفّة قهوةٍ، التي اعتاد على احتسائها صباحًا لتحسين مزاجه واكتئابه. وهذا ما تمّت ملاحظته، بعد ارتفاع كيلو البن لدى “بن نجار” و”كاريوكا” و”ستار كافية” وآخرين، إلى ما يقارب الـ330 ألف ليرة لبنانيّة. فهل ستصبح القهوة التي تغنّى بها الأدباء والشّعراء، والحاضرة دائمًا على مكاتب الموظّفين، حكرًا على الأغنياء فقط؟ لأنّ المبيع انخفض بنسبة 30 % منذ رفع الدّعم عن القهوة، بحسب محال مبيعات القهوة، والنّاس بدأت تحسب مئة ألف حساب لشرائها.
تقول مدام بيرناديت للدّيار:” اعتدتُ أن أقول لصاحباتي وجيراني “تفضلّو نشرب قهوة” وليس “تفضلوا اعملولي زيارة”، لأنّ القهوة بالنّسبة لنا هي أساس الجلسة، وليس العكس، معتبرةً أنّه وفي كل صبحيّةٍ تجلس فيها مع الجيران، على القهوة أن تكون حاضرة. وتتساءل:” كيف ستكون موجودة على المائدة بعد اليوم، إذا أصبحت الباكيت الواحدة بـ100 ألف ليرة لبنانيّة وأكثر؟ هل أزمة الدّولار ستطال حتّى مزاجي صباحًا؟ أنا لا أستطيع أن أبدأ يومي من دون شرب فنجان القهوة، لأنّه يحسّن مزاجي ويُبعدني عن الاكتئاب والتّفكير السّلبي وكل ما نفكّر به في بلدنا لبنان من أزمة دولار ودفع أقساط أولادي وتأمين لوازم البيت…”الخ.

العنصر الذي كان يحسّن مزاج اللّبنانيات واللّبنانيين، سيصبح حتمًا من الكماليّات في وقتٍ يسود فيه الإحباط والحزن في بلدٍ قد يحرم فيه المواطن من الرّبع ساعة صباحًا لتكون مصدر قوّته وتجديد طاقته.

 

 

واستطرادًا، أثبتت دراسة أجرتها جامعة هارفارد ومستشفى “بريغهام النسائي”، أنه كلما ازدادت كمّية ما تستهلكه السيدة من كافيين يوميًا، قلّت احتمالات إصابتها بالاكتئاب. كما وقد حلّل الباحثون بيانات تم تجميعها من عيّنة الدراسة شملت 51 ألف امرأة من غير المصابات بالاكتئاب. ورصد الباحثون آنذاك عدد السيدات اللّواتي عانين من الاكتئاب بعد مرور عشر سنوات، آخذين في الاعتبار كمّية الكافيين التي يتناولنها. واكتشف الباحثون أنّ هناك علاقة عكسيّة بين كمية الكافيين والمزاج. فكلما زادت كمية الكافيين التي تناولتها قلت احتمالات إصابتها بالاكتئاب.

لكنّ اليوم الموضوع بات مختلفًا في لبنان، لأنّ القهوة باتت عبئًا على محدودي الدّخل.

الأزمة طالت أصحاب المحال الصّغيرة

تُعتبر الأكشاك مصدر رزقٍ لكثيرٍ من الشّباب، ولطالما استرزقوا فقط من فناجين القهوة التي كانت بدولارٍ واحدٍ أو بحدّه الأقسى 3000 ليرة لبنانيّة. لكنّ الموضوع تغيّر اليوم، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدّولار وبات شراء فنجان القهوة يحسب له مئة ألف حساب.

يقول حسن، صاحب إحد المحالّ الصّغيرة في بيروت ” نبيع عالغالي لانه نشتري عالغالي، وأتوقّع التّسكير التّام قريبًا”.

ويضيف:” النّاس تأتي لشراء فنجان قهوةٍ وقنّينة ماءٍ ربّما أو قطعة من الكيك، لكنّها تسأل عن السّعر قبل شرائها. وغالبًا ما يستغلون الأسعار ويذهبون بأيدٍ فارغةٍ. كثيرةٌ هي الوجوه التي لم أعد أراها نهائيًا في محلّي لأنها لا تستطيع أن تدفع يوميًا 10000 ليرة لبنانيّة سعر الفنجان و 25 ألف ليرة سعر قنينة المياه الصّغيرة. أنا لا ألوم النّاس، ولكنّ الأوضاع صعبة علينا وعليهم، هم يعجزون عن شراء القهوة وأنا أعجز عن دفع ايجار المحلّ وفواتير البرّاد والسّخان”.

وفي حديثه للدّيار، يقول الأستاذ يونس، صاحب محمصة يونس إنّ القهوة لم تعد من الكماليّات بل من الحاجيّات، لأنّ النّاس باتت بحاجةٍ أكبر لشرب القهوة في المنزل مع

الأقارب والزملاء، باعتبارها أوفر بكثير من المطاعم والمقاهي. لذلك، على الرّغم من ارتفاع سعر القهوة، إلّا أنّ الطلّب عليها ازداد.

ويضيف:” نحن كاختصاصيي بن وقهوة، نقول ونأكّد أنّ القهوة مطلوبة دائمًا في جلسات الأفراح والأحزان حتّى ولو كنّا في أزماتٍ سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ حادّةٍ. لا وبالعكس، كلّما ازدادت المشاكل والأزمات، كلّما شربت النّاس القهوة أكثر. وهذا ما حصل عندما خاف كثيرون من تسكير البلاد، عندما ذهبوا رأسًا لتخزين البن في منازلهم”.

أمّا عن الصّعوبات التي تواجهها شركات البنّ في لبنان، أكّد يونس أنّنا مررنا بصعوباتٍ عديدةٍ نتيجة انتشار فيروس كورونا في لبنان، تلك المرحلة كانت صعبة لأنّ الشحن لم يكن يلبّي حاجة السّوق العالمي. أمّا اليوم ولحسن الحظ، استقرّ الوضع تمامًا ولم نعد نرى الصّعوبات الكبيرة.

ولكن الصّعوبة الوحيدة التي يمكن أن نواجهها حاليًا هي عندما يرتفع وينخفض سعر البنّ بطريقةٍ سريعةٍ من دون أيّ انذارٍ وهذا ما يمكن أن يؤثّر علينا إمّا سلبًا أو ايجابًا”.

وعن سؤال ما اذا ستحتكر شركات البنّ السّوق وتغلّي أسعارها بطريقةٍ غير منصفةٍ، أجاب:” لا أعتقد أنّنا سنصل إلى هذه المرحلة وهذا ما لاحظناه في الفترات السّابقة باستثناء الحالة الأمنيّة التي تمنع الشّركات أن تؤمّن البنّ من الخارج أو أن تستغل مثلًا محمصةٍ ما الوضع الأمني وتأمين منتاجتها من الخارج، في هذه المرحلة يمكنها الاحتكار ولكن لا أتوقّع أنها ستحدث وأتمنى ذلك”.

وعن الأسعار، يفيدنا يونس بأنّ باكيت الـ200 غرام هي بـ 68 ألف ليرة لبنانيّة من دون هال و72 ألف مع هال (النوع البرازيلي)، لكنّ الأنواع تختلف وهنا الأسعار حتمًا ستختلف من 68 ألفا حتّى الخمسة أضعافٍ. وطبعًا أسعار البرازيلي تختلف عن تلك الكولومبي والاثيوبي والباناما .. لكنّ أسعارنا لم تختلف عن تلك التي في السّوق، لكنّ التّجار أحيانًا يلعبون في الحجم أو في الشّكل، مثلًا الباكيت 180 غراما تُباع بـ68 ألف ليرة ليستفيدوا طبعًا بـ20 غراما.

ويضيف:” الأسعار تتوازى في السّوق لكنّها حتمًا سترتفع عندما تكون طازجة من المحمصة وذات جودة أعلى وهذا ما نشجّع به في قهوتنا”.

يونس يشرح لنا الوضع أنّ محامص البنّ بحاجة إلى معدّاتٍ مُكلفة بسبب الوضع الرّاهن نتيجة أزمة الدّولار، ويختم:” نحن نحمّص البنّ الأخضر المُؤمّن من الخارج وهو طبعًا بالدّولار ضف الى ذلك، ارتفاع أسعاره نتيجة المناخ السيئ في البرازيل. إذًا ارتفاع الدّولار سيؤثر مباشرةً على سعر الكلفة. وعندما نحمّصه، نحن بحاجةٍ ماسةٍ إلى الكهرباء والغاز، وهذه مشكلة عندما يتراوُح سعر الغاز بين الحين والآخر. بالإضافة إلى الفريق الذي يقوم بتحميص البنّ، ومن يساعده بالتّعليب. وهنا أيضًا الرواتب ستزداد ويتم تأمين مبلغ منها بالدّولار الأميركيّ، بالاضافة إلى تكاليف الأكياس وكل المعدّات الأخرى. لذلك، كلّما ارتفع سعر الدّولار، كلّما ارتفعت كلفة البنّ وبالتّالي سعرها في السّوق، والعكس صحيح”.