Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر January 14, 2021
A A A
هل كان البلد افلس لو بقي الحريري ونفذ خطته الاقتصادية؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

على وقع شارع منتفض وثائر وغاضب في تشرين الاول من العام 2019، استقالت حكومة سعد الحريري تلبية لمطلب المتظاهرين، بعدما كانت اقرت تحت وطأة الضغط الذي مارسه الشارع من جهة والحريري نفسه من جهة اخرى (عبر تحديد مهلة 72 ساعة لحكومته وللقوى السياسية) خطة اقتصادية “إنقاذية”، أدرجت فيها رزمة من الاصلاحات والاجراءات التي كانت عصية عن الإقرار. وبسقوط حكومة الحريري، سقطت تلك الخطة، بعدما آثرت حكومة حسان دياب الذهاب في منحى اقتصادي آخر، أرست مداميكه في خطة اقتصادية كلفت الاستشاري “لازارد” وضعها، تمهيدا للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم المالي الخارجي المطلوب لإخراج لبنان من أزمته. وكانت حكومة دياب ومن يقف وراءها من القوى السياسية ذات اللون الواحد تأمل من تلك الخطة ان تشكل مروراً آمناً لها نحو التمويل الخارجي، مستغلة فترة السماح التي توافرت لها من الداخل والخارج للعمل والانجاز. لكن المفارقة – المفاجأة تمثلت في عجز افرقاء اللون الواحد على الاتفاق على مقاربة موحدة للازمة. ذلك ان القاسم المشترك الوحيد الذي جمع اعضاء الحكومة بمن يمثلون ومستشاريها كمن في إسقاط النموذج الاقتصادي القائم منذ بداية التسعينات، والذي استمر بعد اغتيال الحريري الأب مع الحريري الابن.

لا شك ان عام 2020 الذي حمل وصمة الانهيار الاقتصادي والافلاس المالي، وأوصل البلاد الى قعر الهاوية، اثبت من دون اي شك عجز الفريق الحاكم عن ادارة البلاد او ادارة أزمته. وان كان المبرر ان حكومة دياب ورثت تراكمات ازمة اقتصادية ومالية تفاقمت على مر الأعوام. لكن محاولة هذه الحكومة كسر الحلقة المفرغة عبر مقاربة ترمي الى عكس التيار الجاري، أدت الى انفجار البلد وتطاير شظايا الانفجار في كل الاتجاهات، بعدما بدا واضحاً من الاداء الحكومي غياب الرؤية الموحدة لاستراتيجية التعافي.

غرقت حكومة دياب في رفع مسؤولية الانهيار عنها، ولم يغفل رئيسها مناسبة او تصريحاً الا ورمى فيه كرة المسؤولية والتعطيل على الحريري.
واليوم، وبعدما وقع المحظور ودخلت البلاد أفق الافلاس والفقر والجوع والعزلة العربية والدولية، بدأت ترتفع أصوات تدور في فلك التحالف الحاكم تحمل الحريري مسؤولية استقالته وعدم دفاعه عن خطته الاقتصادية والانسحاب. فهل هذا الاتهام في محله، وماذا بقي من تلك الخطة بعدما اقرت حكومة دياب خطة جديدة لا تلتقي مع خطة الحريري، وهل لا تزال صالحة لأن تشكل منطلقاً للحريري في حكومته المقبلة؟

من المفيد التوقف عند الاختلاف في الظروف بين مرحلة 2019-2020 و2020-2021. فالحريري انطلق في خطته من برنامج الحكومة الى مؤتمر “سيدر” الباريسي المنعقد في نيسان من العام 2018. وقد طوٓر ذلك البرنامج الذي تضمن نحو 20 بنداً اصلاحياً الى خطة من 50 بنداً، تتوافق مع المتغيرات التي شهدها الوضع الاقتصادي والمالي بعد مرور اكثر من 18 شهراً على انعقاد المؤتمر وتعذر ارساء اي من الاصلاحات المتفق عليها. وقد استعاد الحريري في خطته تجربة والده مع القطاع المصرفي والمصرف المركزي، بحيث طلب مساهمة منهما بقيمة ٥ آلاف مليار ليرة او ما كان يعادل في حينها 5.3 مليارات دولار. اما حكومة دياب، فانطلقت من الواقع الافلاس للمصرف المركزي والمصارف، بحيث جاء تركيز الخطة على خسائر القطاع المالي.

واجه الحريري تحدياً كبيراً عندما طرح خطة طموحة جداً فيما عجز عن تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر”. واليوم هذا التحدي سيكون اكبر بكثير بعدما تبدلت كل المعطيات والظروف، ووقع لبنان في المحظور المالي والاقتصادي والاجتماعي.

عملية شراء الوقت لم تعد متاحة بعدما حصل الانهيار. اليوم، تبقى فرصة وحيدة ممكنة تكمن في منع الارتطام الكبير قبل حصوله. ولكن الوتيرة المتسارعة للانهيار لا تقارن بسلحفاة المسار الحكومي، ما يجعل الارتطام وشيكاً وقريباً، ولكن كلفته وتداعياته لا تزال خارج كل التوقعات!